بين عاصمتين
أنس إبراهيم الدغيم / سورية
لقد كان سقوط بغداد فاجعةً كبيرة اهتزّت لها أوساط العالم و تغيرت بعدها أمورٌ وأمور فكم أعيدت حساباتٌ كانت قد تمّت قبل ذلك ، وكم تحولت نفوسٌ عمّا كانت عليه من الإيمان ، فكان اليأس الذي ذهب بالناس كل مذهب ، واستسلمت القلوب للحقيقة القاصرة التي فهمتها _كما أرادت هي _ وذلك تحت سياط الواقع المر والأمر الجاري .
وإذ سقطت بغداد فيعني هذا سقوط آخر أوراق الكرامة في شجرة هذه الأمة " هذا في حساباتنا " ، ويعني فاتحة الهزائم التي لا نهاية لها ولا حدود "وهذا في حساباتنا"ويعني إعدام المقاومة في الأرض والقعود عن الجهاد "وهذا في حساباتنا" ، ولكن يأبى الله عزّ وجلّ إلا أن يكون غالباً على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.إن لله ترتيبه الخاص وكلّ شيءٍ عنده بمقدار وله حسابه الزمني والمكاني الذي لا يشرك به أحداً من خلقه ولكن الناس يستعجلون . فنحن لا نعلم ما تكون بغداد في حسابات ربنا ؟
إنها في حساباتنا " عاصمة العباسيين " و" بغداد الرشيد " و" سوق الوراقين " ولكن ماذا تكون عند الله ؟
إن ميزان الله ميزان ٌ دقيق ، وقد كانت الحرب وأرادها الله أن تكون ليميز الخبيث من الطيب !!!
فكان المجاهد الذي وضع روحه على كفه وأرخص عمره في سبيل الله والأرض ، كما كان الخائن الذي باع دينه وشرفه وأرضه بعَرَضٍ من الدنيا قليل .
هذه هي حسابات ربنا !!
إن بغداد _ عاصمة العمران والمكان _ قد سقطت ، ولكنّ المقاوم اليوم هو عاصمة الزمن والروح والتي ما تزال صامدةً تقاتلْ .
المقاوم في العراق اليوم هو الشريف أبداً والقاعدون عن القتال هم السفلة أبداً !!!
إنّ مَن يقاتل اليوم وبعد سقوط بغداد هو أشرف عند الله منزلةً من ذلك الذي كان _ قبل سقوطها _ يتربّع على كرسيّ راحته .
نعم ذلك ليميز الله الخبيث من الطيب ولينفذنّ الله أمراً كان مفعولا .
وكما قال أحدهم : ( إن للّه يداً تعمل في الخفاء ، فدعوها تعمل بطريقتها الخاصّة ) .
إن المقاوم في العراق اليوم هو عاصمة العباسيين وهو سوق الوراقين ومن قطرات دمه ستكون المدن الشّوامخ ومن جراحه العطرات سيكون نظام الحياة الجديد .
إن الحرب على العراق بدأت ولكنها لم تنتهِ ولن تنتهي إلا بصوتٍ من ( بلال ) يسرح في الروابي ويملأ حبات الرمال .