الراعي

د. محمد رفعت زنجير

الراعي

بقلم: د. محمد رفعت زنجير

من الزمن الغابر أيها الراعي
وأنت تسرح في معبد الطبيعة وحدك
تستمتع بالجمال الخالد
سماء زرقاء
جبال شماء
أرض خضراء

أنهار وبحار
تمرح فيها وحدك
وأنت تعزف وتعزف
لا تمل من الموسيقا
فهي هوايتك
أنت وحدك مع الطبيعة
لا يشق صمتها إلا نباح كلبك
وخوار بقراتك
وحفيف أوراق الشجر
 

         

عرس الطبيعة رائع
كل ما حولك يبتسم
حتى حينما تقسو الطبيعة
يكون في قسوتها نبض الحياة.
 

         

أنت غني عن المدينة
وعن سمن العلب
وطعام المعلبات
وفضائيات الصداع
وصخب الشوارع
وفسق الفن
فاهنأ بالطبيعة أيها الراعي
 

         

كلبك وفي
أنت محسود عليه
ألم يقل شوقي يوما ما:
وأودعت إنسانا وكلبا أمانة
فضيعها الإنسان والكلب حافظ!
لن تجد مثله إذا فقدته
ألم تسمع قول بدوي الجبل:
أنا ماعتبت على الصحاب
فليس في الدنيا صحاب
الكلب وفي جدا
ألا ترى إلى أهل الكهف
لم يجدوا رجلا من قومهم يرأف بهم
ولكن وجدوا كلبا في الطبيعة يصحبهم
الجميع يبحث عنهم
يريد قتلهم
وسحلهم
وذبحهم
أو جائزة السلطان
لبثوا في كهفهم سنين عددا
لم يصحبهم في رحلتهم إلا كلب، عدوه معهم
(سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ
سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ
وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا
يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً
وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) (الكهف:22)
هذا هو المخلوق الوحيد الذي عز عليه أن يفارقهم
وهانت العشرة بعد ذلك على ربعهم
لقد غاض الوفاء
حتى قال الطغرائي في لامية العجم:
أعدى عدوك أدنى من وثقت به
فحاذر الناس واصحبهم على دخل
وكتب أحد العلماء القدماء كتابا بعنوان:
(
تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب)
ومن قبل قال أبو فراس:
وقد صار هذا الناس إلا أقلهم
ذئابا على أجسادهن ثياب
رحمتك يارب!
الكلاب والذئاب
والقطط والفئران
خير من الخنازير
وما أكثر الخنازير هذه الأيام!.
لقد ذبح الحياء
وذهب جلال الحياة وجمالها
فلا والله ما في الدين خير
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
صدقت ياسيدي أبا تمام
حافظ على الوفاء المتبادل بينك وبين كلبك أيها الراعي!
 

         

بقراتك حافظ عليها
فالبقرة حيوان هادئ وديع
فهي كالأم للأطفال التي أرضعتهم
لقد قدمت للناس الكثير
حتى حين ارتكبوا الجرائم
كانت هي الشاهد الصادق
فقد أمر الله بأن تضرب الضحية بقطعة من لحمها
فدبت الحياة في القتيل
وظهرت الحقيقة
بأمر الله
وبواسطة لحم البقرة.
 

         

نسيم الصباح
املأ منه رئتيك
فهو خير من دخان المدينة
التي تزكم الأنوف والقلوب
والكل يلهث وراء هذا الدخان!
 

         

الذئب والضبع خلانك في البرية
وهم خير من ذئاب البشر وضباع البشر
يختلس الذئب ويهرب
وذئب البشر يختلس ويتحدى
ذئب البشر قلبه من حجر
لا يلين
لا يرحم
لا يستسلم
فلا عجب إذا اصطفى الشنفرى من وحوش البرية أصدقاء له بدلا من ربعه
ألم يقل ذات يوم:
ولي دونكم أهلون سيد عملس
وأرقط زهلول وعرفاء جيأل
 

         

الأفعى التي ترقص بين يديك
عند عزفك على الناي
جلدها جميل جدا
يشبه وشي الحسناء
ودلها بين يديك
سبحان رب السماء!
الأفعى وهي أفعى
فيها رومانسية
مثل كل الجواري
ولها ناب
هذا صحيح
لكنها لا تعرف كيف تخفي سكينة
 

         

الأفعى خبيثة
وأخبث منها العقرب
ولذلك قال عمارة اليمني:
ولا تحتقر كيد الضعيف فربما
تموت الأفاعي من سمام العقارب
 

         

أنت تمشي حافي القدمين
فتلتصق عروق قدمك بأديم الأرض
فتقبلها الأرض عند كل خطوة
ومن ثم يولد عشق الحياة
 

         

تمشي بأسمال قديمة
فلا يعنيك أن تكون طاووسا
كما يفعل الغاوون
قال حسان:
لا بأس بالقوم من طول ومن سمن
جسم البغال وأحلام العصافير
 

         

قلبك نظيف جدا
فالأرض رحبة أمامك كأخلاق الكرام
ليس فيها ضيق بيوت كعلب الكبريت
ولا تزاحم الناس في الطرقات
ولا حقد المجتمع الطبقي
 

         

بنى الله لك أحسن سوبر ماركت
تسطع فيه الشمس في النهار
ويتألق فيه القمر في الليل
وتحني الأزهار والورود البرية لقطيعك هاماتها
فتأكل وتشرب كما تريد
بلا دفع...
ولا صفع ...
ولا قمع...
مجانا في متحف الطبيعة
فسبحان الله!
 

         

جسمك قوي كالفولاذ
تتعاهده أشعة الشمس الذهبية
فلا تحتاج إلى فيتامينات
ولا منشطات
وتشرب من رحيق الطبيعة
فلا تحتاج إلى فلتر
ولا أحد يقطع عنك الماء إذا لم تسدد فاتورة
وتستنشق عطرا لا عفنا
من روائح البنزين والغاز
 

         

احمد ربك ما عندك مسجلة
تسجل صوت القطيع
ولا كاميرا
تصور فيها القطيع
ولا هوية
فلا تحتاج إذن تنقل
قطيعك يحبك وتحبه
ويمشي معك حيث تريد
فلا تحتاج تكنولوجيا العصر
فأنت ابن الكرة الأرضية
كل ما فيها
آتاك الله إياه هدية
فاطرب
وافرح
ورتل تلاحينك الأبدية
ما أجمل حياة البرية!
ما أجمل الحياة البدوية!
ما أجمل شمس الحرية!
 

         

احمد الله أن الوديان والجبال كلها لك
فلا تحتاج منصة شرف
ولا منصة قرف
ولا منصة إعدام
ولا ترى مدنا
يعيش الناس فيها كالأغنام
زحام
زكام
وألف لجام
هنيئا لك بالرعي والأبقار والأغنام.
فأنت ملك الأنام
 

         

احمد الله يا رجل
طالما أنك في الغابة
وفي الطبيعة
تنعم بالصحة
والأمن
والطعام النظيف الطازج
ومن قبل هذا كله
ومن بعد هذا كله
فأنت تنعم بالحرية.
 

         

إذ نزل السيد المسيح من السماء
ستكون أول من يرى السيد المسيح
فلا تحجبك عنه
أعمدة الدخان
ولا تطاول البنيان
ولا قناصة المسيح الدجال
فطوبى لك هذا الفضاء الفسيح!
فأنت تمشي حيث شئت
وتستريح حيثما شئت أن تستريح

         

آخر الكلام:
اهنأ بعرس الطبيعة
وبحياة آمنة رضية
ولا يلعب الشيطان برأسك
فتهرول يوما للمدينة
فلا تجد مكانا لك فيها
وقد تموت فيها على الرصيف
فقدت كل شيء
خلف السراب!
خلف السراب!