قطوف وخواطر

قطوف وخواطر

عبد المنعم مصطفى حليمة

" أبو بصير الطرطوسي "

www.abubaseer.bizland.com 

[email protected]

421- هكذا يتعاملون مع شيوخِهم!

  قال لي أحد الشيوخ الأفاضل ممن هم على المنهج: انظر كيف يستقبل الناس شيوخَهم من أهل البدع والأهواء .. ممن هم ليسوا على المنهج الحق: يتكلفون بتذاكر سفرهم .. ونفقات إقامتهم .. إضافة لما يُقتطَع لهم من أجرٍ على المحاضرات التي يُلقيها أحدهم .. هذا غير الدعاية المكثفة التي يروجون بها لمحاضرات أولئك الشيوخ .. بينما أحدنا .. ترى التلاميذ والإخوان من شبابنا .. ممن هم على منهجنا .. ينتظرون منك أن تقول لهم: أريد أن أحاضر فيكم .. فإن وافقوا واتفقوا .. وتحقق النصاب الأدنى لاتفاقهم .. يُطالبونك بأن تأتي إليهم بنفسك .. وتتكلف جميع نفقات السفر والإقامة .. حتى عنوان مكان تواجدهم .. يريدون منك أن تأتيه بمفردك .. وتتكلف البحث والسؤال عنه .. ولو أضعت الطريق فلا حرج أن تعود من حيث أتيت .. ثم هم في النهاية إن تمَّ اللقاء ـ من حضرَ منهم ـ يمنُّون عليك أن حضروا محاضرتك .. وجلسوا في مجلسك .. واستمعوا إلى درسك!

  فأين يكمن الخلل .. في المنهج الذي نحن عليه .. أم في الناس .. أم في ماذا؟!

  قلت له: أجد الذي وجدت .. وأشعر بالذي شعرت .. وهذا من البلاء .. والغربة التي يُعاني منها أهل الحق .. نسأل الله لنا ولكم الثبات .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

  أما عن موطن الخلل: فالمنهج الذي عليه أهل البدع والأهواء .. يُلامِس أهواء ورغبات الطغاة الظالمين .. وما يلامس أهواءهم ورغباتهم .. توضع له التسهيلات .. والدعاية .. والرعاية .. وكامل الخدمات .. التي تؤدي في النهاية إلى بروز تلك الظاهرة التي ذكرت .. ثم أن في التجمع والتجمهر حولهم لا يترتب عليه أي تبعات من قبل الطغاة الظالمين وجلاديهم .. بخلاف ما لو تجمعوا وتجمهروا حول الدعاة من أهل الحق .. فإن مجرد القرب منهم شبهة وتهمة يُؤخَذ عليها بالنواصي والأقدام .. ويُزجّ لأجلها في غياهب السجون .. لذا تجدهم يتكاثرون في مجالس أهل البدع والأهواء .. ويقلون في مجالس أهل الحق من أهل السنة والجماعة .. هكذا عادة الغالبية من الناس .. يريدون ويحبذون العلمَ السَّهل .. والشيوخ الذين يدعون إلى هذا السهل من العلم ولا يتجاوزونه؛ الذي يخلو من التكاليف والتبعات .. والأعمال الشَّاقة على النفس بعض الشيء .. والتي منها مواجهة الطغاة الظالمين، وأطرهم إلى الحق!

  أما عمّن ذكرت من الشباب والإخوان .. ممن هم يحسبون أنفسهم على منهجنا .. فالتقصير فيهم واضح .. والملامة عليهم حاصلة .. وفي النهاية هم الخاسرون .. ولا يلوموا إلا أنفسهم .. غفر الله لهم،  وهداهم لما فيه الصواب.

* * * * *

422- لا تَسألوا النَّاسَ شيئاً. 

  احرص ـ ما استطعت ـ أن لا تسأل الناسَ شيئاً .. ولك الجنَّة!

فما سألتُ إنساناً شيئاً .. إلا وخسرتُ منه على قدر ما سألتُ منه؛  خسرت من مودته .. وقربه .. وصحبته .. واحترامه .. بقدر ما سألته!

وما سألتُ أحداً مسألة .. إلا وارتدَّ عليَّ أذى وضرر سؤالي، عاجلاً أم آجلاً ..!

السائل خاسِر ـ وإن خُيَّل إليه أنه رابح ـ ولو بعد حين!

  صَدَقَ رسولُ الله r إذ قال:" مَن تكفَّلَ لي أن لا يَسأل الناسَ شيئاً أتكفَّل له بالجنة ".

  وعن أبي ذرٍّ، قال: دعاني رسولُ الله r، فقال:" هل لكَ إلى البيعةِ، ولك الجنة؟ "، قلتُ: نعم، وبسَطتُ يدي، فقال رسولُ الله r وهو يشترط:" على أن لا تسأل الناسَ شيئاً "، قلت: نعم، قال:" ولا سوطكَ إن سقطَ منك حتى تنزِلَ فتأخذه "!

  وقال r:" ثلاثة أُقسمُ عليهن ـ منها ـ: ولا فتحَ رجلٌ على نفسهِ باب مسألةٍ يَسأل الناسَ إلا فتَحَ اللهُ عليه بابَ فَقر ". 

  وقال r:" من فتَحَ على نفسهِ بابَ مسألةٍ من غير فاقةٍ نزلت به، أو عيالٍ لا يُطيقهم، فتح الله عليه بابَ فاقةٍ من حيث لا يحتسب ".

  قلت: لأن الله تعالى غيور ـ لا أحدَ أغيرَ من الله تعالى ـ  يغار على عبده .. عندما ينصرف عنه ـ وهو المالك الخالق الرازق، المتصرّف بهذا الكون وما فيه .. القريب من عباده .. الذي يتودّد إليهم بالعطاء والنِّعَم التي لا تُعَد ولا تُحصَى ـ إلى ما سواه ـ الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ـ ليرمي بحاجته إليه .. ويشكو اللهَ إلى عبادِه!!

* * * * *

423- استِشْرافُ محبَّة الناس.

  يا مَن يَستشرَف حبَّ الناس له .. ويجعل حبهم له مطلباً وغايةً .. أقول: لا تُتعِب نفسَكَ .. ولا تُرهقها سعياً في رغبات وأهواء الناس .. إن كنت تستحق حبهم لك .. فسيحبونك رغماً عن أنوفهم .. سواء استشرفت ذلك أم لم تستشرفه .. وسواء أقبلت عليهم أم أدبرت .. وإن كنت تستحق بغضهم .. فسيبغضونك .. ولو توددت لهم بكل ما يحبون ويرغبون .. وذلك أن الأمر كله مرده إلى الله تعالى وحده؛ فالله تعالى إن أحبَّ عبداً وضع له القبول في الأرض .. وأحبه العباد .. رغم أنف من شاء ومن لم يشأ .. وإن أبغض عبداً .. وضع له البغض في الأرض .. وبين العباد .. فيبغضه الناسُ .. شاء من شاء، وأبى من أبى .. فلا تتعب نفسك يرحمك الله .. وإن كنت حريصاً ـ بحق على أن يحبك الناس ـ فاحرص على أن تُصلِح علاقتك مع الله تعالى .. وعلى أن يُحبك الله .. تصطلح جميع أحوالك .. ويُحبّك الناس.

* * * * *

424- عندما تَكونُ الشِّهرةُ غاية!

  أن تُطلَب الشِّهرةُ بعمل نبيل .. مستَقبَح وفق قانون المروءة والأخلاق، والإخلاص .. فما بالك فيمن يمطتي كلَّ مستقبَح .. وكل شاذ .. وكل وسيلة .. ويدفع من حياته كل غالٍ ونفيس من أجل الظهور والشهرة .. لا شك أنه أكثر قبحاً واستهجاناً!

  والناسُ في سعيهم نحو تحقيق هذا المطلب الهام من حياتهم .. مشارب وأهواء؛ فمنهم: من يسلك مسالك الخوارج الغلاة .. ومنهم من يسلك مسالك أهل التجهم والإرجاء .. فالأول يملك مفاتيح النار .. يُعذّب فيها من يشاء .. والآخر يملك مفاتيح الجنة .. يرحم فيها من يشاء .. هكذا يُخيّل إليهم .. لعلمهم أن كل شاذٍّ عن الاعتدال يُعرَف ويَظهَر ويُلفِت النَّظَر .. ومنهم من يتجرّأ بالشتم والطعن على العظماء الكبار كالأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم .. ليُعرَف .. ويدخل في عالم الشهرة من أقصر طريق .. وفي أقل وقتٍ ممكن .. وهذا أخس الأصناف وأحقرها!

  وكذلك الوضيع السَّاقِط عندما يتطاول بالشتم والعدوان على شريفٍ تقيٍّ معروف .. لا ينفك عنه إلى أن يحظى منه على ردٍّ ولو كان قاسياً .. ليطير به في الأمصار؛ ها هو فلان قد عناني برده .. وذكرني باسمي!

  ومنهم من لا يُبالي أن يدخل في أي نفَقٍ .. أو يتكلم في أي موضوع .. أو يظهر في أي قناة من القنوات الفضائية .. ومهما انتقده الناس أو تكلموا عليه بصيغة الذم والانتقاص .. فهو لا يُبالي ما دام ذلك يحقق له الظهور والشهرة بأقصر طريق، وأقل زمنٍ ممكنين .. صدَق من قال: إن من الظهور ما يقسم الظهور!

  قال رسولُ الله r:" إنَّ الله يُحبُّ العبدَ التَّقي، الغنيّ، الخَفِي " مسلم. تأمَّل الحديثَ وتدبَّره .. واجتهد أن تكون من أهله.

* * * * *

425- عائِلٌ مُستَكبِرٌ!

  ترى أحدَهم في بلده يعيش الفقرَ .. والجوعَ .. والمرض .. والحرمان .. إلى درجة تثير الشَّفقة والرحمة .. فإذا حطَّ أرضاً من البلاد الأوروبيّة .. وكُشِف عنه بعض ما كان يُعاني منه .. ينسى ما كان فيه؛ فتراه يختال ويخضع في مِشيته .. وكأن كل قطعة من جسده تتحرك وتمشي بمفردها .. بنطاله سالت إلى ما بعد منتصف مؤخرته .. بجواره كلبين يمشيان من أمامه ومن خلفه .. نفقة أحدهما تكفي لخمس عوائل فقيرة في بلده الذي جاء منه .. إن جلَس؛ يضع حذاءه على مواضع جلوس الناس .. ومواضع رؤوسهم من المجلس .. يتكلم وأنفه شاخِصٌ إلى السماء .. وشِقّ فمه السفلي أعوج؛ مرة يميل به يُمْنَةً .. ومرة يميل به يُسرَةً .. لا يشكرُ معروفاً .. ولا يحمد الله على نعمة!

هذا إن رأيتموه .. فهو العائل المستكبر .. وهو وأمثاله المعنييون من حديث النبي r:" ثلاثة لا يكلمهم الله يومَ القيامة، ولا يُزكيهم، ولا ينظرُ إليهم ـ منهم ـ: وعائِلٌ مُستَكبر ".

* * * * *

426- حُكومَةُ الشّهوات!

  حكومة الشهوات .. هي الحكومة التي تجعل على رأس أولوياتها ومهامها .. والغاية من وجودها: حماية الشهوات .. وخدمة الشهوات .. واتباع الشهوات .. وتهييج وإثارة الشهوات .. وتزيين وتحسين الشهوات .. والانتصار للشهوات .. وحريَّة الشهوات .. وترويج ثقافة الشهوات .. وتغليب مصلحة الشهوات على ما دونها من المصالح .. فالشهوات هي الوسائل والغايات في آنٍ معاً .. لأن وجود هذه الحكومة متوقف على مدى قوة ورواج الشهوات بين الناس .. وما أكثر الحكومات المعاصرة التي تقوم على هذا المعنى .. وعلى حمايته .. والقتال دونه!

  وهؤلاء حظهم من كتاب الله، قوله تعالى:) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (النور:19.

وقوله تعالى:) وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً (النساء:27.

* * * * *

427- من استعمار إلى استعمار!

  خرج الاستعمار الأجنبي الخارجي من بلادي .. وبقي الاستعمار الداخلي كمندوب عن الاستعمار الخارجي: يحكم بقانون الاستعمار الخارجي .. ويخدم ويحرس سياسات ومصالح الاستعمار الخارجي .. ويأتمر بأمر الاستعمار الخارجي .. وينتهي بنهيه .. يُحارِب الإسلام والمسلمين كما كان يحارب الاستعمار الخارجي الإسلام والمسلمين .. ويقمع الشعوب ويستعبدها .. ويستذلها .. كما كان يفعل الاستعمار الخارجي ذلك وأشد .. وهو لا يختلف عن الاستعمار الخارجي إلا بخصلة واحدة فقط؛ وهي أن الاستعمار الداخلي من بني جلدتنا ويتكلم بألسنتنا!

  وعجبي لا يزال قائماً من بني قومي .. كيف اتفقوا على محاربة الاستعمار الخارجي، وإخراجه من البلاد .. وفي المقابل اختلفوا على قتال وجهاد الاستعمار الداخلي .. بل إن كثيراً منهم قد ارتضى الاستعمار الداخلي .. وحرّم وجرّم الخروج عليه .. ورأى فيه وليَّ الأمر الذي يجب أن يُطاع .. علماً أن الاستعمار الداخلي ـ قد أثبت وفق جميع المقاييس والموازين ـ أنه أشر وأضر على الأمة من الاستعمار الخارجي؟!

  فمتى يستيقظ بنو قومي .. ويدركون هذه الحقيقة .. وأنهم قد خرجوا من استعمار إلى استعمار؟!

* * * * *

428- ما يطلبه المستمعون!

  كما أن المغنيين والمغنيات .. يتحرون في أغانيهم ما يطلبه المستمعون والجمهور .. كذلك يوجد ـ وللأسف ـ من مشايخ ودعاة هذا العصر .. وبخاصة منهم مشايخ الفضائيات من يقدم ما يطلبه المستمعون والجمهور .. فيتقلبون في فتاويهم .. وأقوالهم .. ومواقفهم .. ويُغيرون ويُبدلون .. ويُحسِّنون ويُقبحون .. ويتذبذبون .. بحسب ما يريد ويطلب الجمهور .. وبحسب ما يطلبه المستمعون .. وهؤلاء أضر وأخطر على الأمة .. وعلى الإسلام والمسلمين .. من المغنيين والمغنيات الذين يقدمون الأغاني التي تستهوي الجمهور والمستمعين!

* * * * * 

429- كيف تتعامل أمريكا مع الحكومات ومعارضيها في المنطقة؟!

  استوقفني فلم وثائقي عن النمل ـ هذا المخلوق الضئيل العظيم .. الذي تستهويني فيه متابعة حركته .. وعمله .. ونشاطه .. ودقة تنظيمه .. وعلو همته .. وإيثاره ـ بعنوان " النمل الذي أكلَ أمريكا "!

  فقلت: غزوة من أضأل وأضعف مخلوق .. لأطغى دولة يشهدها العصر الحديث .. لنرى كيف تمت هذه الغزوة!

  وبالفعل فقد تناول الفلم الوثائقي الحديث عن نوع من النمل الأحمر .. الشرس .. اللحومي .. وهو يغزو عدداً من المدن والولايات الأمريكية .. وبكثافة هائلة .. فدخل بيوتهم .. ومساكنهم .. ومتاجرهم .. ومزارعهم .. وكل مكان من حياتهم .. فأقلق عليهم مضاجعهم .. ومعاشهم .. وكلفتهم مقاومته مئات الملايين من الدولارات ـ كما قالوا هم عن أنفسهم ـ ولما عجزت أمريكا ـ بقوتها وجبروتها وطغيانها ـ عن مواجهة النمل .. أضأل مخلوقات الله .. استقوت عليه بنوع من الذّباب؛ من مطعوماته ومأكولاته هذا النوع من النمل .. فتحالفت معه في حربها ضد النمل .. فقامت بتربيته وتنشئته في محاضن حكومية خاصة .. ليتكاثر .. ويَكثر عدده بالقدر الذي يمكنه من الانقضاد على جيوش النمل .. والتهامها .. وإراحة أمريكا منها!

  قلت: هكذا أمريكا تتعامل أيضاً مع حكومات دول المنطقة .. ومع المعارضة لتلك الحكومات .. فمرة تستقوي بالحكومات على المعارضة والشعوب .. ومرة تستقوي بالمعارضة على الحكومات .. كما استقوت بالذباب على النمل .. وتحالفت مع الذباب ضد النمل .. وبحسب ما تقتضي مصالحها .. وسياساتها .. فهي في أي عمل عسكري .. أو نشاط سياسي دوبلوماسي .. تبحث عن الذباب الذي تستقوي به على مآربها .. وتحقيق مصالحها .. وفرض سياساتها .. والعتب ليس عليها .. ولكن على من رضي ويرضى ـ من بني قومي ـ في أن يدخل في حلفها .. وأن يقوم لها بمقام ومهام الذباب!

* * * * *

430- زوجُ الشَّهوةِ .. وزوجُ المرأةِ.

  زوج الشَّهوة .. هو الزوج الذي يَفهم الحياةَ الزوجية ـ ويتعامل معها ـ عبارة عن مجرد شهوة أو نزوة شهوة .. فإذا قضى شهوته .. نأى .. وأعرَضَ .. وجَفَا .. وقصَّرَ .. وتهرَّب من مسؤولياته .. فإن عادت إليه شَهوته .. عاد .. فأقبلَ .. فإذا قضاها .. عاد إلى سيرته الأولى في الجفاء والإعراض، والتقصير .. وهكذا بقية حياته بين الإقبال والإدبار بحسب إقبال شهوته وإدبارها ..  فهو يرتبط بالبيت وأهل البيت .. من أجل الشهوة .. وعلى قدر حاجتها .. وعطشها .. فإذا انطفأت الشهوة كلياً أو خَبَت ـ ولا بد لها من يومٍ تنطفئ فيه أو تخبو ـ فيا خراب البيت .. ويا سوء حظ أهل البيت!

  أما زوج المرأة .. هو الزوج الذي يفهم الحياة الزوجية ـ ويتعامل معها ـ كمسؤولية .. وأمانة .. ورسَالة .. ورعاية .. وحقوق وواجبات متبادلة بين الزوجين .. ومن ذلك ما للشهوة من حظٍّ ونصيب .. لا يُهمَل ولا يُنتَسى.

* * * * *

431- نَسَبٌ لا تَقْطَعْهُ.

  العربية نسَبٌ يَصِلك بكتاب الله، وسنة رسوله r .. وبإرث السلف الصالح .. فاحرص عليه، وتمسَّك به، وعض عليه بالنواجذ .. فإن جهِلتَها .. انقطع ما بينك وبين كتاب الله تعالى، وسنة رسوله r من صِلةٍ .. وتواصلٍ .. وتفاعل .. على قدْر جهلك بها.

والعكس كذلك؛ على قدر تمكنك من اللغة العربية .. ودرايتك بقواعدها وتصريفاتها .. على قدر ما تتعزز صلتك بكتاب ربك، وسنة نبيك .. بإذن الله.

  لذا كانت العربية الفصحة ـ ولا تزال ـ هدفاً لأعداء الأمة .. لعلمهم أن تجهيل المسلمين بدينهم .. وبكتاب ربهم .. وسنة رسولهم r .. مصدر عزتهم وقوتهم .. ومناعتهم .. وتحويلهم إلى مجرد وعاء فارغ تُلقى فيه الثقافات الوافدة المنحرفة .. لا يتأتَّى لهم إلا بعد تجهيلهم باللغة العربية وبقواعدها!

ومهما قيل عن ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية الأخرى .. فإنها لا يمكن أن تسدَّ مَسَدَّ العربية في فهم القرآن الكريم .. وفهم سنة النبي المصطفى r .. كما لا يمكن أن تكون لها جاذبية وأثر اللغة العربية في فهم كتاب الله تعالى .. الذي قال تعالى عنه:) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (يوسف:2. وقال تعال:) وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً (الرعد:37. وقال تعالى:) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً (فصلت:3.

* * * * *

432- عَطاءُ العلماء والحُكَّام.

  كم من عطاء نافِع للعلماء يُمنَعُ .. ويُحارَب مرضاة للحكام .. فيموت الحكامُ .. ويذهب زمن سلطانهم .. وينتفض عطاء العلماء من جديد .. ليرتوي به ظمأ البلاد والعباد .. وتنتفع منه الأجيال التالية.

  كم من عطاء للعلماء .. يُراعي أهواء الحكام .. ويميل إليهم ميلاً قليلاً أو كثيراً .. فيُنشَر، ويُخدَم، ويُزَاع في حينه .. لكنه يموت بموت الحكام .. وزوال سلطانهم .. ويذهب جُفَاءً ليصبح أثراً بعد عين .. كأنه لم يكن!

  ومن خلَط ـ من العلماء ـ في عطائه بين الحق والباطل .. ظل الجانب الباطل من عطائه وآثاره .. يُلاحِقه .. ويُؤثّر سلباً على جانب الحق عنده .. ما بقي ذكره قائماً بين الناس!

  فهنيئاً لمن كان عطاؤه موافقاً للحق ـ خالِصاً لوجه الله ـ وإن سخطه حكام زمانه .. وزبانية وجلادي حكام زمانه .. فإن الأجيال التَّالية .. ستستفيد منه .. وستُنصِفه .. وستعرف له قدراً .. بإذن الله .. ثم هو ـ بإذن ربه ـ أدوم وأمكَثُ في الأرض، وأنفع، كما قال تعالى:) كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ (الرعد:17.

* * * * *

433- عِبادَةُ التَّفَكّر والنَّظَر.

  من أعظم العبادات عبادةُ التفكُّر والنَّظَر؛ أن يختلي المرءُ بنفسه ساعةً فيتفكّر في خلق السماوات والأرض، وفي النفس البشرية .. وما أودع الله تعالى في هذا الكون ـ وما فيه ـ  من آياتٍ باهرات .. قاطِعات في الدلالة على عظمة ووحدانية الخالق I .. التفكر بكل شيء من شأنه أن يُقرِّبَ العبدَ من ربه .. وأن يُشعره بعظيم لطفِ ونِعَمِ وفضل الله تعالى عليه .. فيحمله ذلك على الشكر، والتَّحميدِ، والتَّسبيحِ، والتَّكبير، والتَّهليل .. وما أقل من يُمارس هذا النوع من العبادة العظيمة!

قال تعالى:) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى (الروم:8. وقال تعالى:) قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ (يونس:101. وقال تعالى:) وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (الأنعام:99. وقال تعالى:) أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ . وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ . وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ . وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (الغاشية:17-20. 

فنحن مُطالبون بأن ننظر ونتفكّر في هذه المخلوقات كلها .. وغيرها من الأشياء مما يقربنا من الله تعالى .. ويحببنا به I .. ويعرّفنا على عظيم فضله ونعمه علينا .. وأنه تعالى هو الحق .. وأنه هو المعبود بحق .. وأنه تعالى يقضي بالحق .. وأن ما يُعبَد من دونه فهو الباطل .. ولا يقضي إلا بالباطل.

مَن يمارس عبادة التفكر ساعة .. خير من عبادة التنفِّل مائة ساعة، أو العكوف للذكر باللسان مائة ساعة مع سَهو القلب والفكر عن الله تعالى .. وانشغالهما بالدنيا ومشاكلها .. ومشاغلها .. وإغراءاتها .. وما أكثر الذين يفعلون ذلك؛ فيتعبدون .. وقلبهم ساه عن ربهم إلى ما سواه .. وفي الحديث:" إن الرجلَ لينصرفُ وما كُتِبَ له إلا عُشرُ صلاتِه، تُسعُها، ثمنُها، سُبعها، سُدسُها، خمسها، رُبعها، ثُلثُها، نِصفُها ". أي ليس له من صلاته إلا على قدر ما عَقِلَ منها.

* * * * *

434- جِيَفٌ تمشي!

تأملت كثيراً من الناس وهم يمشون في الأسواق .. فبدا لي أنها جِيَفٌ تمشي لا تعرف معنى للحياة غير السعي والركض .. وراء إشباع الشهوات والغرائز الحسِّية!

جِيَفٌ ليس لها هدف تسعى إليه .. سوى شهوتي البطن والفرج!

جِيفٌ مكتوب على وجوهها .. الشهوات .. وليس شيئاً آخر غير الشهوات .. أو يمكن أن يُزاحِم الشهوات!

جيفٌ فقدت الإحساسَ بحاجيات الروح ومتطلباتها .. كما فقدت الوعي بالهدف الأسمى من وجودها في هذه الحياة؛ ألا وهو عبادة الله تعالى وحده، كما قال تعالى:) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات:56.

فهؤلاء لا يُباليهم اللهُ بالَةً سواء أصيبوا بالإيدز .. أو بانفلوزيا الطيور .. أو انفلوزيا الخنازير .. أو غير ذلك مما ينتظرهم .. ويخفى عليهم .. وما يخفى عليهم أدهى وأمَر!

* * * * *

435- رعيةٌ بلا راعٍ.

قالت لي ابنتي: يا أبتي مالهم المسلمون متفرقون .. متناحرون .. متخلِّفون .. كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون .. لم يُغنِ عنهم مليارهم شيئاً .. الكلُّ يستقوي عليهم .. ويعتدي عليهم وعلى دينهم .. وينال منهم .. وينهش منهم نهشةً .. وقتما شاء .. وكيفما شاء .. بلادهم ليست لهم .. وخيراتهم لغيرهم .. حتى أصبحنا سخريةً بين الأمم والشعوب؟!

قلت لها: لأننا رعية بلا راعٍ!

* * * * *

436- تحقِيقُ الخشُوعِ في الصَّلاة.

أمورٌ تُعينُك على تحقيقِ الخشوعِ في الصلاة بإذن الله:

منها: أن تُصلي كما كان النبي r يُصلي .. وهذا معناه أن تستوفي شروط، وأركان، وواجبات، ونوافل الصلاة من غير نقصان .. ومن ذلك الاطمئنان في كل حركة من حركات الصلاة؛ فتطمئنُّ قائماً، وتطمئنُّ راكعاً، وتطمئنُّ ساجداً .. فعلى قدر تحقيق المتابعة للسنة على قدرِ ما يتحقق الخشوع.

ومنها: تحقيق الإخلاص في الصلاة، والابتعاد بالنفس عن عوارض وشبهة الرياء .. فالرياء يُذهب الخشوع، كما يُذهب ويُبطل الأجر على العمل.

ومنها: أن تتدبر معاني الآيات التي تتلوها في الصلاة؛ فتجتهد أن يبقى ذهنك مشدوداً ومقصوراً على التفكر بالآيات ومعانيها .. ودلالاتها.

ومنها: أن تستحضر في قلبك عظمة الخالق I .. وعظمة أسمائه الحسنى وصفاته العليا .. وتُعلِم نفسك أنها واقفة بين يدي رب العالمين .. مالكِ المُلك .. وخالق الخلق .. الذي لا يخفى عليه شيء .. الذي يعلم الجهر وما يخفى .. عساها بعد ذلك أن تلتزم حدود الأدب والخشوع.

ومنها: أن تعلم أن الصلاة .. هي عبارة عن موعد تختلي فيه مع ربك .. الرب I بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا .. قد أتاح لك فرصة اللقاء به .. لكي تناجيه .. وتدعوه .. وتسأله .. وتتحدث إليه بحاجتك .. وتستخيره فيما أهمَّك وغُمَّ عليك وجه الحق فيه من شؤون دنياك.

ومنها: وأنت تناجي ربك وتدعوه .. تعتقد اعتقاداً جازماً صادقاً أنك محل نظر الله تعالى .. وأن الله تعالى ينظر إليك .. ويُقبِل عليك .. ويسمع كلامك ودعاءك .. وهذا مما يُعينك على تحقيق الخشوع .. والاجتهاد في أن لا تُريه منك ما يتنافى مع أدب العبد مع الربِّ I ... ومما يتنافى مع الأدب .. أن تناجيه وتدعوه .. وتطلب منه ما تريد بلسانك، بينما قلبك وذهنك مشغولان ومصروفان عنه إلى ما سواه!

ومنها: أن تدَع ما يهمك من أمور دنياك خارج الصلاة .. وبعيداً عن الصلاة .. فقبل أن تدخل في الصلاة، وتقف بين يدي الله تعالى .. تعزم على أن تتخلى .. أو تنسى كل ما أهمك وشغلك من أمور دنياك .. وتجعله خلفك أو خارج الصلاة .. فإن اقتحمك شيء منه وأنت في الصلاة .. وشغَلَك عن الخشوع .. فاستعِذ بالله من الشيطان الرجيم .. واتفل على يسارك ثلاثاً.

ومنها: أن تجتنب المعاصي ما استطعت .. وبخاصة منها الكسبَ الحرام .. فالمعصية تُفسد ما بينك وبين خالقك من ودّ وعلاقة .. إذ كيف يحلو لك أن تناجيه .. وتدعوه .. وتقف بين يديه .. أو يمكن لك أن تُحقق الخشوع في صلاتك .. وأنت قائم على معاصيه .. تُجاهر .. وتُفاخر بها!

الوقوع في الذنب .. الذي يتبعه ندم .. وتوبة .. واستغفار .. وتذلل وخضوع للعبد بين يدي ربه يسأله العفو والمغفرة .. أرجو أن لا يُفسِد الود بين العبد وربه الرحمن الرحيم .. لكن الإصرار على الذنب .. ثم المجاهرة والمباهاة به .. فهذا الذي يُفسد الود والعلاقة .. ويُخشَى على صاحبه الهلكة والخسران. 

ومنها: أن لا تدخل في الصلاة والأخبثان يُدافِعانك .. فهذا مما يُذهب الخشوع في الصلاة.

ومنها: أن لا تدخل في الصلاة .. وأمامك طعام تشتهيه .. لذا جاءت السُّنَّة بتقديم العَشَاء على العِشاء، لمن حضرَه العَشَاء.

ومنها: أن لا تدخل في الصلاة .. وأنت تشكو التُّخمة .. قد أملأت بطنك بالأطعمة والأشربة .. حتى تبلغ منك الحلقوم!

هذه جملة من الأمور .. تُعينك ـ بإذن الله ـ على تحقيق الخشوع في الصلاة .. فإن عجزتَ عن العمل بمجموعها .. اجتهد أن تعمل بما تستطيع منها .. ثم سلِ الله تعالى أن يُعينك على العمل فيما عجزت عنه.

* * * * *

437- القَاتُ واليمَن.

  ما دام في اليمن قات ... ما في يمَن!

  ما دام علماء وشيوخ وقادة اليمن يتناولون القاتَ ـ وبشراهة ـ قبل العوام ... ما في يمن!

  ما دام الحديث عن مضار القات وعن آثاره السلبية .. وعن منعه وضرورة إيقاف زراعته .. يُعتبر من المحظورات التي يُؤخذ عليها بالنواصي والأقدام .. ما في يمن!

ما دامت وجبة القات اليومية ـ المرتفعة الثمن قياساً لدخل المواطن اليمني ـ أهم من وجبات الطعام .. يُهتَم بإعدادها وتأمينها أكثر مما يُهتم بإعداد وتأمين الطعام .. أو تأمين حاجيات الإنسان الأساسية من الكساء والغذاء ... ما في يمَن سعِيد .. وسيظل اليمن متخلفاً يُعاني من مشاكله السياسية .. والأخلاقية .. والاجتماعية .. والاقتصادية .. والصحية .. والتي تتفاقم يوماً بعد يوم!

هذا ما قلته لبعض الخواص والشيوخ ـ منذ أكثر من عشر سنوات ـ لما كنت مقيماً في اليمَن .. هذا البلد الذي نحبه ونحب أهله الخيرين .. لكن كلماتي قُوبِلت بالاعتراض والاستخفاف .. ومما قالوه لي: أن كل شيء يمكن مناقشته في اليمَن بصورة فاعلة .. إلا موضوع القات .. فهو خط أحمر بالنسبة لليمني .. وشيوخ وقادة الشعب اليمني .. ونصحوني بأن أمسك عن الحديث في الموضوع .. وأن لا أُتعِب نفسي فيما لا جدوى منه!

لكن ها هي الأيام والسُّنون .. تمضي لتُثبت صحة قولي .. فالوضع اليمني من سوء إلى أسوأ .. ومن تخلفٍ إلى آخر .. ولهذه النبتة الخبيثة أثرها الظاهر والبالغ في ذلك .. وأهل اليمن  عن ذلك من الغافلين .. أو المتغافلين!

وأنا هنا أقول ثانية ـ مشفقاً وناصحاً ـ لأهلنا وأحبّتنا في اليمن .. الذين نحب لهم كل خير: ما دامت هذه الشجرة الخبيثة " القات " تُزرَع في بلادكم بكثافة .. وتُعطَى الأولوية في نشاطكم الزراعي .. وتُؤثرون زراعتها على زراعة ما لذّ طعمه، وكثر نفعه وخيره من الأشجار والمزروعات الضرورية للناس .. فاليمن سيبقى يُعاني من مشاكله المتفاقمة .. كما أن مشاكله ستتراكم ـ كما هو حاصل الآن ـ إلى أن تستعصي على العلاج .. لأن المعالجَ حينئذٍ هو واحد من ضحايا القات؛ هو في فتورٍ .. وغيبوبة دائمة عن حقيقة واقعه المريض .. وأنَّى لفاقدِ الشيء أن يُعطيه!

فإن قيل: فما هو الحل .. وكيف؟

أقول: لا بد من وجود فئة من نخبة وصفوة المجتمع اليمني .. تُمسك هي أولاً عن تناول القات .. وتُدرك خطورة هذه النبتة على المجتمع اليمني .. وعلى العقلِ اليمني .. وعلى عطاء اليمني .. ثم تنشط ـ بالحكمة والموعظة الحسنة ـ في الدعاية .. وإقامة المحاضرات والندوات .. وطباعة النشرات التي تُحذر الناس من مساوئ ومضار القات .. وتبين حرمته في شرع الله تعالى كما نعتقد .. وبه نقول .. إلى أن تتسع قاعدة هذه النخبة والصفوة .. ويصبح مطلب اجتثاث هذه النبتة الخبيثة .. والتوقف عن تناولها .. مطلباً جماهرياً .. به يقول عامة أهل اليمن ... ) وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (الروم:4-5. 

* * * * *

438- عَلامَةُ المشبوه!

للمشبوه علامات .. فاعرفوها .. منها: عندما يُظهِر الولاء باللسان لبعض المجاهدين .. لينال من البعض الآخر .. الذين قد يكونون أكثر نكاية بالعدو!

ومنها: عندما يُظهر الولاء لبعض الدعاة والعلماء .. للاحتماء بهم في محاولة نيله من البعض الآخر من العلماء العاملين .. الذين قد يكونون أشد نكاية على أعداء الأمة، والإسلام والمسلمين .. من غيرهم .. فهو لكي ينال منهم .. وتصل سهام حقده وغدره إليهم .. يحتاج إلى غطاء من جنس العلماء الذين يطعن بهم .. ليستتر بهم في تحقيق غرضه ومبتغاه.

ومنها: عندما يُظهر الحماسَةَ الزائدة .. لعمل مشبوه .. منَفِّر .. عليه مقال .. يُنسَب للمجاهدين .. فهو من حماسه المكذوب .. يريد تثبيت نسبة الفعل للمجاهدين .. ليتحقق لهم الذم والانتقاص .. من قِبل العامة .. ولكي ينفّر عنهم الناس!

والصواب عند حصول الأعمال المتشابهة للمجاهدين، أن يُسكت عنها؛ فلا تُمدَح ولا تُذَم!

ومنها: اتباع منهج وأسلوب التهويش .. والتهييج .. في الحوارات .. ليظهر له ـ ولمن خلفه من الطواغيت الظالمين ـ أكبر قدر من المخبوء!

ومنها: عندما يطرح المسائل .. على وجه الاتهام والتهجم .. وأحياناً الافتراء والكذب .. ليستفِذَّ الآخرين .. وليستدرج في الحديث من يستعصي عليه استدراجه أو السماع منه في الحالات الطبيعية!  

ومنها: حرصه الشديد على منع الناس من الانتفاع من جهد وجهاد العلماء العاملين .. حيث كلما نُقِل قول نافع أو نصيحة نافعة لعالم من هؤلاء العلماء .. لينتفع بها الناس .. قام هو مباشرة ـ من قبيل التشويش والتنفير ـ ليتناول قولاً ـ أو موقفاً ـ متشابهاً لهذا العالم ـ وكأن هذا العالم ليس من آثاره سوى هذا القول المتشابه ـ  ليُبطل مفعول أثر كلامه النافع على الناس!

وهو يكرر ذكر هذه الشبهة ـ لغرضه الخبيث الآنف الذكر ـ كلما ذُكِرَ هذا العالم بخير .. أو نُقِل عنه ما ينتفع به الناس!

هذه بعض العلامات .. فمن تجدونه متلبساً بها .. فاحذروه .. واعلموا أنه مشبوه .. ولا تقولوا عن مثل هذا: نريد بينة ظاهرة قاطعة مانعة .. فقد أثِر عن عمر t أنه قال:" لستُ بِخَبٍّ، والخَبُّ لا يَخدعُني ".

* * * * *

439- عندما يَشتمُكَ جليسُكَ وأنت لا تدري!

احذر أن يشتمَك جليسُك وأنت لا تدري .. وصفته: عندما يشتمك بأسوأ العبارات .. والألقاب .. وعلى وجه التفصيل .. على لسان غيره .. فيقول لك: قال الناس فيك .. وعنك .. كذا .. وكذا .. ويا ابن كذا وكذا .. ويسرد شتمهم لك بالتفصيل .. والتفصيل الممل!

فإن ابتليت بجليس من هذا النوع، فاعلم أن الشاتم حينئذٍ هو وليس أحداً غيره .. أراد أن يشتمك فما استطاع .. فشتمك نقلاً عن لسان غيره .. ليَظهرَ لك على أنه مجرَّدُ ناقلٍ، وهو ليس كذلك!

* * * * *

440- الحاكِمُ العَادِلُ.

قال الحسَنُ البصري رحمه الله: الإمامُ العادِلُ قِوامُ كُلِّ مائلٍ، وقَصْدُ كُلِّ جائرٍ، وصلاحُ كل فاسدٍ، وقوَّةُ كل ضعيفٍ، ونَصَفَةُ كلِّ مظلومٍ، ومَفْزَعُ كل ملهوفٍ.

الإمام العادِلُ كالراعي الشَّفيق على إبلِه الرفيق بها، الذي يرتادُ لها أطيبَ المرعى، ويذودُها عن مراتِعِ الهلَكةِ، ويحميها من السِّباع، ويكُنُّها من أذى الحرِّ والقَرِّ.

الإمامُ العادلُ كالأبِ الحاني على ولدِه؛ يسعى لها صغاراً، ويُعلمهم كباراً، يكتسب لهم في حياته، ويدَّخرُ لهم بعد مماته.

الإمامُ العادلُ كالأمِّ الشَّفيقةِ البَرَّة الرفيقة بولدِها، حملته كرهاً ووضعته كُرهاً، وربته طفلاً، تسهرُ بسهره، وتَسكنُ بسكونه، تُرضِعه تارةً، وتفطمه أخرى، وتفرَح بعافيته وتغتَمُّ بشكايته.

الإمامُ العادلُ وصيُّ اليتامى، وخازِنُ المساكين، يُربِّي صغيرَهم، ويَمُونُ كبيرَهم .. هو القائمُ بين الله وبين عبادِه؛ يسمَعُ كلامَ الله ويُسْمِعُهم، ويَنظرُ إلى اللهِ ويُريهم، وينقادُ إلى اللهِ ويقودُهم.