في ظلال آية

د . فوَّاز القاسم / سورية

قال تعالى في كتابه الكريم : بسم الله الرحمن الرحيم (( ولن يجعلَ اللهُ للكافرين على المؤمنين سبيلاً )) النساء (141) .

في تفسير هذه الآية ، وردت رواية أن المقصود بهذا النص هو يوم القيامة ، حيث يحكم الله بين المؤمنين والكافرين ، ولا يكون هناك للكافرين على المؤمنين سبيل …

كما وردت رواية أخرى تؤكد بأن المقصود هو الأمر في الدنيا ، بأن لا يسلّط الله الكافرين على المؤمنين تسليط استئصال وإن غلبوهم في بعض المواقع …

ولكن إطلاق النص في الدنيا والآخرة أقرب إلى الواقع ، لأنه ليس فيه تحديد ، والأمر بالنسبة للآخرة لا يحتاج إلى بيان أو توكيد ، أما بالنسبة للدنيا فإن الظواهر أحياناً قد توحي بغير هذا ، ولكنها ظواهر خادعة تحتاج إلى تمعن وتدقيق .

إنه وعد من الله قاطع ، وحكم من الله جامع ، أنه متى استقرّت حقيقة الإيمان في نفوس المؤمنين ، وتمثّلت في واقع حياتهم منهجاً للحياة ، ونظاماً للحكم ، وسلوكاً ربانيّاً ، وعبادة خاشعة ، وتجرّداً لله في كل حركة وسكنة ، فلن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً ..

ولو رحنا نتتبّع تاريخنا الإسلاميَّ كلّه ، لما وجدنا فيه حادثة واحدة تخالف هذه الحقيقة الراسخة أبداً .!!!

نعم .. لقد كانت هناك هزات ونكسات متعددة في التاريخ الإسلامي ، نكسة أُحد ، ونكسة حُنين ، ونكسة الجسر  وغيرها

ولكننا حين ندقق في ظروف هذه النكسات لوجدنا حقيقتين راسختين جدير بالمسلمين أن يقفوا عندهما ملياً ، ليستفيدوا منهما :

أما الأولى : فهي أن أية نكسة لم تكن لتحدث إلا وهناك ثغرة في حقيقة الإيمان في نفوس المؤمنين ، إما في الشعور وإما في التطبيق .

وأما الثانية : فهي أن الهزيمة أو النكسة تكون على قدر الثغرة تماماً كتربية ميدانية للمؤمنين ، ثم يعود النصر لهم فور صحوتهم وعودة حقيقة الإيمان إلى نفوسهم وأرواحهم ..

ففي أحد مثلاً : كانت الثغرة في ترك طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والطمع في الغنيمة ..

وفي حنين : كانت الثغرة في الاعتزاز بالكثرة ، والاعجاب بالعدة ، ونسيان السند الأصيل ، ومانح النصر الحقيقي للمؤمنين الصادقين حتى ولو كانوا بلا عتاد ولا عدّة .!!!

وهكذا ، فإننا لو رحنا نتتبّع كلّ مرّة تخلّف فيها النصر عن العرب والمسلمين في تاريخهم كلّه ، بما فيها هزائمهم الحالية أمام شراذم اليهود ، لوجدنا شيئاً من هذا ، سواء عرفناه أم لم نعرفه ، ولكنّه موجود حتماً ، حتى لو كان غائراً في أعماق النفوس ومساربها …

وبعد … فيجب على كل مؤمن مخلص أن يعلم بأن المحنة سنة الله لعباده المؤمنين ، وهي لا تخلو من حكم عظيمة ، قد يكون من أهمها استكمال حقيقة الإيمان في نفوس المؤمنين ، واستكمال مقتضياتها في سلوكهم وواقعهم ، ومن الإيمان إعداد العدة والأخذ بأسباب القوة ، فإذا اكتملت تلك الحقائق في نفوس المؤمنين ، فليبشروا عندها بنصر الله الذي لا يتخلّف عن عباده المؤمنين . بسم الله الرحمن الرحيم

(( وكان حقاً علينا نصر المؤمنين )) الروم (47) صدق الله العظيم .