خنافس وميني جوب
يحيى بشير حاج يحيى
عضو رابطة أدباء الشام
لم أكن أتصور وأنا طالب في جامعة حلب أن يكتب لبعض أبيات نظمتها ذيوعا وانتشارا ؛ لأنها لامست الواقع عند كثيرين وكثيرات
ففي أواخر ستينيات القرن الفائت انتشرت تقليعة ( الخنافس ) وغزت الشباب الجامعي وغيرهم ، حتى صار من الصعوبة التمييز بين الإناث والذكور ، في وقت كانت فيه الأمة تعاني من نكبة حزيران 1967وآثارها !
فكتبت مقدمة قصيرة جاء فيها إن الذين لا يستطيعون محو آثار التخنث في نفوسهم لا يستطيعون محو أثار العدوان عن بلادهم " وصورت حال أحد هؤلاء
بـكـى الخنفوس لما جندوه وأضـحى يلطم الخدين حزنا أيذهب للوغى من كان خنثى إذا دقت طبول الحرب يوما فأعط الخنفس المخبول مشطا حـرام فتلك الحشرات ظلما | وسـاقـوه إلى ساح كـأرمـلة أقامت في الحداد وسـاحته الشوارع والنوادي ولـبـيـنـا نـداء للمنادي مـرآة فـذاك مـن الـعتاد و آلاف الـخنافس في البلاد | الجهاد
وفي تلك الفترة أيضا انتشرت موضة ( الميني جيب ) بين الفتيات وغدا تقصير (التنورة ) إلى ما فوق الركبتين مجالا للتسابق ، فكتبت أبياتا منها :
لبست ( الميني جوب ) لكي يقولوا وأبـديـت الـمـفـاتن والخفايا فـإن كـان الـحـياء بنا جميلا | بـأنـك أول أهـذا مـا فـهـمـت من الحياة لـعـمـرك فـهو أجمل بالبنات | الـمـتـحـضرات
كنت أدرس في كلية اللغة العربية ، وكان لا بد للخارج من الجامعة أن يمر على كلية اللغة الفرنسية التي تغلب فيها نسبة الإناث على الذكور ، وكان صديقي صفوت البرازي (رحمه الله ) يمازحني قائلا : أسرع قليلا ، أخشى عليك منهن ؟ فقد عرفن أنك صاحب الأبيات ..فأذكره بأن الخنافس لم يفعلوا شيئا ، مرددا المثل العربي ، لو غير ذات سوار لطمتني
الحدود قد توحدنا؟!
بقلم: يحيى حاج يحيى
لا احد يصدق بأن الحدود بين الأمة الواحدة، والشعب الواحد يمكن أن تكون عامل توحيد، فهي في واقعها والاجراءات التي تتطلبها تشعر القادمين والمغادرين بأنهم غرباء؟! ومع ذلك ومن واقع التجزئة التي تعيشه الأمة وتحرص عليه فقد أحسست خلال عبوري بين قطرين شقيقين بشيء من التوحد مع أناس يتكلمون بلغتي، ويدينون بديني.
تصوّر معي أعداد كبيرة من المسافرين نزلت من الحافلات ومن السيارات الخاصة، واتجهت إلى مبنى يضيق بهم على سعته! هنا شباك للأجانب وبجواره شباك لأبناء البلد وقريب منه شباك للمواطنين العرب ...وَ ...وَ ....
في ممر طويل يحيط به إطار حديدي من الجانبين، يضم عرباً من المحيط إلى الخليج، أحسست، وأنا أدس نفسي بينهم أني أحقق ما لم تحققه هيئات عربية كبيرة؟!.
لم يكن أي من الواقفين يعرف الآخر من قبل، ومع ذلك بدأت الابتسامات والمجاملات والنصائح، ولفت النظر إلى الإجراءات التي على القادم أن يقوم بها قبل أن يحظى بالوقوف في هذا الطابور المبارك، وكانت مشاهد متعددة:
أحدهم يتذكر أن زوجته لم تذهب إلى غرفة المطابقة الشخصية وأن جوازها معه، وهو لا يستطيع الخروج لئلا يفوته الدور، ينظر فيجدها بين النساء، يشير لها بيده فلا تفهم ما يقصده؟! يخشى أن يناديها باسمها فيكون هناك اسم مشابه؟! وأخيراً تقترب فيفهمها ما يريد، فتذهب ثم تعود بعد أن تأكدوا أنها هي هي كما أنه هو هو ؟!
آخر يخطئ في الطابور المخصص لأهل البلد، فيشير إليه الموظف أن طابور العرب هناك، فيتعاطف معه أحد الفضلاء وبغمزة عين وإشارة خفيفة وتراجع للوراء قليلاً يتسلل صاحبنا، ويقف أمام نافذتنا المبجلة؟!
ثالث: يقترب من منتصف الطابور ليعطي أحد المقتربين من النافذة عدداً من الجوازات، فهو لم يعد يستطيع الانتظار؛ لأن أصحابه على وشك الرحيل.
تسمع هنا جميع اللهجات، وترى جميع الأزياء، وتحس برائحة كل الأقطار، ويأتيك الدفع والضغط من كل جانب؟! ويتمنى المرء على الرغم من معاناته، وهو محصور في هذا الجمع أن يطول به الوقوف، ليردد في نفسه: فرقتنا السياسات، ووحدتنا الطوابير