شيء من الحداثة
يحيى بشير حاج يحيى
عضو رابطة أدباء الشام
لفت نظري تعليق لأديب الشيوخ وشيخ الأدباء الأستاذ علي الطنطاوي في حاشية كتيب تحت عنوان ( من غزل الفقاء ) وكان التعليق حول أبيات جميلة هزت الأديب الكبير ، جاء فيه : ( الشعر الحق الذي يجمع سمو المعنى ، وموسيقى اللفظ لا هذا الهذيان الذي نقرؤه الآن – الذي يدعونه الشعر الحديث – شعر الحداثة أي الحدث الأكبر الذي لا يتطهر منه صاحبه إلا بالغسل )
وليسمح لي القارئ الكريم أن أنقل بعض هذه النماذج دون تسمية القائل .
تقول إحداهن فيما تسميه شعرا :
" لأني نفيت من الحلم بالأمس
سامرت قيظا
وجعا منح الوقت وقتا
واجترى أن يمر به الوسم
لأني عاصرت حالة دفني
تجذرت بالرمل
مارست توق الخروج عن الخارطة
ويقول أحدهم :
أرتقي وجه السماء المغطاة بالعشب
أدون ما يشدو به البحر
هو الليل يأتي لنا حاملا شمسه !
هو الموت يبدأ من أحرف الجر حتى السواد
وينسل طيف الأرانب بين المفاصل والأمكنة
ويهذي أحدهم بكلام يتلقفه الحداثيون على أنه نفحة من نفحات العبقرية فيقول :
عرفت المدينة
سكرت في حاناتها
وزرت أوكار البغاء واللصوص
جرحت في مشاحناتها
صاحبت موسيقارها العجوز في تواشيح الغناء
رهنت فيها خاتمي لقاء وجبة عشاء
و ابتعت من هيلانة السجائر المهربة
وبعد فإننا نتساءل إذا كانت الحداثة – وقد عرضنا بعض نماذجها – هي الحدث الأكبر الذي لا يتطهر منه صاحبه إلا بالغسل !
فماذا عن هذا الذي سكر في الحانات ، وزار أوكار البغاء واللصوص ، وتشاجر مع الأشقياء ورهن خاتمه ليأكل ويشرب ويدخن !!
أليس مثل هذا الهذيان يستأهل صاحبه أن يقال له : اغسل جوارحك سبع مرات بالماء ، إحداهن بالتراب ؟!