مجزرة العثامنة وجعٌ لن يندمل

هنادي نصر الله

[email protected]

لا ينتهي الحدث الدامي بتوالي الأيام ومرور السنين؛ بل يبقي غائرَ الجرحِ شديدَ القسوةِ على نفوسِ أصحابه الذين لايشعرُ بتوجعهم إلا من ذاقّ مرارةً تشبه مرارتهم.

أقول قولي هذا وأنا أستذكر المجزرة الأليمة التي اقترفها الإحتلال الإسرائيلي قبل عامين من الآن بحق عائلة العثامنة التي تقطن بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة.

هذه المجزرة التي خلفت تسعة عشرة شهيدًا، ثمانية معاقين، وتركت آثارًا نفسيةً مدمرة في نفوس الناجين، الذين أصبحوا أشبه بمرضى لديهم إشكاليات جمة في التواصل المجتمعي.

ما يثير شجون هذه العائلة انصرافِ الجميع عن معاناتها؛ فلم تعد وسائل الإعلام تُولي مساحةً لعرضِ جانبًا  ـ ولو يسيرًا ـ من متاعبها،ووكالة الغوث الدولية التي وعدتها بإصلاحِ منزلها المدمر لم تفي بوعدها؛ فالبيت لا زالّ على عهده، وكأن الإحتلال قد قصفه للتو!!

مرارةٌ لم يمكن أن تُقاسُ بكلماتٍ يخطها قلمي هنا؛ فشهر الخير يأتي وينقضي، ويمر العيد وينجلي، والذكريات الأليمة سيدة المكان، تعشعشُ في قلوبِ الثكالى والأرامل والأيتام الذين بقوا على قيد الحياة، وكأن قدرهم أن يُوثقوا للعالم المجزرة المروعة التي اقترفت دون ذنب بحق أبريائهم!!.

"ديزموند توتو" أسقف جنوب أفريقيا السابق، حائز على جائزة نوبل للسلام عام 1985م، يقف على رأسِ لجنة التحقيق الدولية التي شكلتها الأمم المتحدة للوقوف على تفاصيل المجزرة، يعترف وبعد وقتٍ ليس بالهين أن المجزرة ترتقي لوصفها جريمة حرب؛ ولهذا على"إسرائيل" تعويض الضحايا!!.

عامان انقضيا، والعائلة تنتظر من ينصفها ويثأر لآلامها؛ إلى أن أتى التقرير الأممي ليشعلّ الجراح ولتنزف الدموع من جديد؛ إنه لا يرتقي لتطلعاتِ أهالي الضحايا، لقد سبق هذا التقرير العشرات، صبرا وشاتيلا، قانا، تل الزعتر، مجزرة الحرم الإبراهيمي، الأحد الأسود، جنين، هدى غالية، أبو سنية وغيرهنّ الكثير الكثير،كلها مجازر أُرفقت بتقارير تُدين"إسرائيل" وتطالب بمحاكمة مجرمي الحرب ولكن لا أحد يستجيب!!.

هم يريدون امتصاص غضبنا وتبريد مشاعرنا الملتهبة حزنًا على أحبابنا الذين انقضوا في موجةِ قصفٍ جنونية هائجة، هكذا يرد الأهالي.!!

إذن ما المطلوب؟

لنكن منصفين لأنفسنا قبل أن نطلب من الأمم المتحدة إنصافنا؛ لنعلمّ أن النصر والتحرير واستعادة حقوقنا والثأر لكرامتنا ولأحبابنا الراحلين يكون بوحدتنا وتوحدنا، يكون بتسامينا على الأخطاء والإشكاليات، يكون بمعاقبتنا للإحتلال من خلال التشبث بنهجِ التماسك والتواصل الإجتماعي بعيدًا عن عصبية الأحزاب التي أضعفت قضيتنا وأوصلتنا إلى الجحيم!!

اليوم نحن على أبواب حوار فلسطيني داخلي؛ لندرج قضية عائلة العثامنة ضمن جدول أعمالنا؛ ولنطالب العالم بمحاكمة القتلة ومجرمي الحروب؛ لتوحدنا المصائب؛ لنحشد المزيد من خطوات الدعم والتأييد ولنستثمر تقرير"توتو" لتشكيل لوبي ضاغط على إسرائيل ومجلس الأمن لإصدار قرار يُجرم الجريمة؛ لنتخذّ خطوات عملية على أرض الواقع..

فنحن نعيش أوقاتًا مباركة فيها تتجه أنظار العالم نحونا، تتعاطف معنا ومع إبحار"سفينة الأمل" من قبرص لغزة غدًا إلا دليل حي على تعاطف الشعوب الغربية معنا؛ لنستثمر هذا التعاطف؛ ولنقلّ لدولنا العربية لا يكفي استضافة حواراتنا الداخلية بل يجب عليكِ يا مصر فتح معبر رفح، والسماح لقافلة فك الحصار بالوصول لغزة المحاصرة، أثبتي أنكِ معنا قلبًا وقالبًا، وكوني شقيقة فلسطين الحانية عليها.