جنة الغرب بعضها جهنم

خالص جلبي

[email protected]

الغرب ليس كله جنة، بل شوك مزروع في الطريق ليس قليلا ولا بسيطا، وفي ألمانيا حسب معرفتي المتواضعة، لم يكن لنا أن نصعد السلم المهني إلا إلى درجة معينة اسمها أوبر آرتس.

وهو حمار شغل ـ عفوا من التعبير ـ  أما الشيف أي المعلم الكبير، فيخف عمله، ويكثر دخله، ويلتمع نجمه مثل الشعرى اليمانية، فيصبح دخله مرات أكثر من الأوبرآرتس بسبب الدخل الخاص، من الجناح الخاص، الذي تخصصه المستشفى له، فيتصدق بدريهمات منه على الأوبر أرتس، أما الأوبر آرتس (Oberartz) فهو الذي يتولى معظم العمل ومشاكله، ويحظى براتب أكثر من المقيم قليلا، ولكن لا يقترب من ربع راتب الشيف.

بل إن بعض المشافي في ألمانيا أعرف فيها من الإيرانيين من غير دينه، واعتنق الكثلكة، ورسم الصليب على صدره، وتزوج بألمانية مسيحية كاثوليك؟، ودلق الخمرة في جوفه أطنانا من الدنان، والتهم لحم الخنزير بشراهة، ورقص في حاناتهم كالقردة، وتبرأ وتخلى عن كل ما يربطه بالشرق ويميزه، بما فيها لون تسريحة شعره ولون القزحية، حتى فاز وحاز بلقب الشيف، وليس كل مرة تنجح!!

وليس في كل مرة يلاقي ذلك الاحترام اللائق. وليس في كل مرة يعثر على المنصب الهام، فهم يريدون دوما أن تكون أمورها في (أيد ألمانية) وشممنا من رائحة العنصرية ألوانا؟

ولكن أين مجتمع العدل يا ترى؟؟

إن الله يصف يوم القيامة أنه لا ظلم اليوم؟

وهذا يقول أن الأرض، أرض مشبعة بالظلم والتحيز والعنصرية والشوفينية والقسوة والجشع والكلبنة والإرهاب والفساد والغش والكذب وأكل السحت .. 

وهذه أمور لا يصرح بها أحد وهي موجودة.

وهي من المخفي غير المصرح عنه، ولكنها تعمل بكل طاقة وقوة وهي تهدر وتدمدم من عمق علاقات المجتمع..

وهي أمور ليست خاصة فقط بالمجتمع الألماني، بل يقع فيها أي مجتمع، ولكن كما كان يردد والدي رحمه الله: الشبعان لا يناله هم الجوعان؟

ونحن كنا نعاني منها أشد المعاناة، ولا نستطيع أن نتحرك في أماكن عملنا إلا بصعوبة بالغة، مع مسك رقابنا بحبال وسلاسل إلى الأذقان فنحن مقمحون.

وأنا شخصيا اشتغلت مع جراح مجنون في مدينة (سيلب SELB) وهي مدينة صغيرة في الجنوب الألماني قريبة من الحدود التشيكية.

كانت رحلة التخصص معه قطعة من العذاب، فالرجل كان يزعق مثل طرزان في الغابات، ويقرع الأرض طول وقت العملية مثل الغوريلات، ونحن نعاني ثلاث مرات؛ من مزاجه واللغة الألمانية الخشنة على الآذان (أخت ماخط شاخط براخت) كمن يمخط ويبصق طول الوقت، في صورة أوامر ونواهي؟  وليس مثل اللغة الفرنسية الموسيقية. أو الإيطالية المطاطة بنعومة.

حتى عزمت في النهاية أن أجرب حظي في مكان آخر، وتحررت من قبضة ذلك الغوريلا بصعوبة، فذهبت إلى مدينة الفيلسوف الوجودي ياسبرز وهي مدينة أولدن بورج، فاجتمعت برجل قابل للتحمل، مع مساعدين اثنين من الإيرانيين، ويومها عرفت فوارق الثقافة بيننا وبين الإيرانيين...

وسمعت ولم أتأكد أن الوضع في شمال أمريكا ليس كذلك، بل يمكن أن يصعد الأجانب السلم المهني، وهو أمر جيد أن كان صحيحا.

لقد رأينا في ألمانيا كما يقولون (نجوم الظهر) وكل بفنيك (وحدة نقدية مثل الهللة) حصدناها بالعرق والعذاب والألم وأحيانا الإهانة ؟

لقد كنا في الواقع نشق طريقا صخرية، بين قوم لنا كارهون، ولغة غليظة ليس لها رصيد في العالم، وغربة وبرد اجتماعي، بعد أن أجبرنا الجبار على ترك الديار، طمعا في علم والتخصص وكان ثمنه غاليا غاليا..

لقد كنا مثل شجرة اقتلعت من فوق الأرض مالها من قرار، ورجل تحول إلى طفل يتعتع في الكلام ويخطيء، ويضحك عليه من حوله،

فبعد أن كان مثلي من يقرأ في الفلسفة انقلب إلى صبي في المهد يجهد أن يقول دلوني أين دورة المياه؟ هذا ما حصل لنا؟

وحين أرى من حولي في المملكة الذي لم يغادر ولم يتعذب و(يتمرمط !) وهو يقبض نفس راتبي فأقول: حيف على عذابك جلبي، ونصبك في بلاد الجرمان.

بل تبلغ المأساة الذروة حين أرى شهادات من الهند والسند وكيرلا والصعيد والنوبة والنيجر وتشاد تمنح رواتب أفضل، فأقول: ـ وعلمت نفسي هذه القاعدة ـ  في هذا الموضوع لا تبحث ولا تعذب نفسك، فطالما خسرت وطنك؛ فعليك الاعتياد على العجائب والغرائب في كل مكان، والذكاء لعبة تكيف..