بين رحمة الكهف، وكهف الرحمة!

د. عبد السميع الأنيس

كلما قرأت سورة الكهف انتابَني شعور بأن هناك ارتباطًا وثيقًا بين الكهف والرحمة، وكنت عندما أقرأ قصة الفتية في قوله تعالى: ﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ﴾ [الكهف: 16]، يتأكَّد لديَّ هذا الشعور.

فأن تُنشَر رحمة الله في ذلك الكهف لتلك الفتية الذين آمنوا هو تكريم إلهي، كان استجابة لدعوة انطلقَت من ألسنةٍ صادقة، وقلوب مُخلِصة عندما دعوا ربهم بقولهم: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10].

وهو كذلك أمل جميل بغدٍ أفضل لكل مُستضعَف في هذه الأرض.

لقد تحوَّل ذلك الكهف إلى رحمةٍ شاملة، وإلى أمٍّ رؤوم تحتضن فِلذات أكبادِها بين ذراعَيها، وتضمُّهم إلى صدرها!

بينما تنكَّر لهم البشر، وضاقوا ذرعًا بدينهم الحق، واستقامتهم النقية.

وفي سورة الكهف صورة أخرى من صُوَر الكهف الرحيم، ولكن بصورة بشرية هذه المرة؛ وذلك في قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح الخضِر عليه السلام، وصدق الله تعالى عندما قال: ﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ [الكهف: 65].

إن هذا الرجل الذي تحوَّل مِن وراء ستر الغيب إلى كهفِ الرحمة يُحيط باليتامى، والضعفاء، والمساكين، ويضمُّ بين جنباته المظلومين، ويَنتصر لهم!

نعم في هذا الكهف، ومِن وراء ستر الغيب كانت تُنسَج أقدار إلهية لصالح هؤلاء، سببها صلاحٌ، أو دعاء!

ولا ننسى قصة ذي القرنين الذي مكَّن الله له في الأرض، وآتاه من كل شيء سببًا، وهو صورة أخرى من صور كهف الرحمة، فقد طُلب منه أن يَبني سدًّا ليكون حاجزًا يحجز يأجوج ومأجوج عن إفسادهم، فلما انتَهى من بنائه، ﴿ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي... ﴾ [الكهف: 98].

ولهذا تتأكَّد قراءة سورة الكهف في زمن الفتن الكبيرة، والمِحَن العظيمة؛ لتعطي الأمل المنشود لكل خائف، وضعيف، ومُستضعَف!

إن سورة الكهف تلقِّن الإنسان درسًا صامتًا عن حكمة الله سبحانه في أقداره! وتدفعه دفعًا أن يلج كهف الرحمة الإلهية ليَشعُر بالدفء، وبرد اليقين، والاطمِئنان!