خواطر حول الصوم
1. ما أجمل هلال رمضان!
في مطلع كل شهر عربي أقف لأتأمل الهلال الوليد، وأدعو بما كان يدعو به سيد الأنبياء عليه الصلاة والسلام إذا رأى الهلال، قال: «اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله، هِلال رُشْدٍ وخَيْرٍ»[1].
إن رؤية الهلال مطلع كل شهر تبعث في النفس أملاً يتجدد في حياة أفضل، وعيش أرغد، وإيمان أتم، وسلامة للإنسان والأوطان.
ولكن هلال رمضان له نكهة خاصة، وفيه معاني أشمل وأكمل وأجمل؛ لأن الأمل المنشود قد تحقق في حياة البشر منذ أن نزل القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك..
فما أجملك يا هلال رمضان وقد أكرمك الله بأعظم حدث وقع في هذا الكون، وهو نزول القرآن على قلب أشرف إنسان محمد عليه الصلاة والسلام!.
2. المؤمن يراقب حركة القمر حباً في الصيام!
المؤمن يراقب حركة القمر حباً في الصيام، ويراقب حركة الشمس حباً في الصلاة، وصدق رسول الله r عندما قال: "إِنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ يُرَاعُونَ الشَّمْسَ، وَالْقَمَرَ، وَالنُّجُومَ، وَالْأَظِلَّةَ لِذِكْرِ اللَّهِ عز وجل"[2].
[1] أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما يقول عند رؤية الهلال (3451) وقال: «هذا حديث حسن غريب» والحاكم 4/285.
[2] أخرجه الحاكم في مستدركه (1/ 105) عن ابْنِ أَبِي أَوْفَى، وصححه، ووافقه الذهبي. وقال المنذري في الترغيب (1/ 111) "رواه الطبراني واللفظ له والبزار والحاكم وقال: صحيح الإسناد ثم رواه موقوفا وقال: هذا لا يفسد الأول؛ لأن ابن عيينة حافظ، وكذلك ابن المبارك انتهى ورواه أبو حفص بن شاهين، وقال: تفرد به ابن عيينة عن مسعر وحدث به غيره، وهو حديث غريب صحيح". وسكت عن الحديث الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/208).
****************
خواطر حول الصيام
عندما يكون الصيام بدافع الحب!
لذة ترك الطعام عند الصائمين أجمل من لذته عند الآكلين! والمحب العاشق يترك طعامه وشرابه اضطرارا، ولكن الصائم بدافع الحب يترك طعامه وشرابه وملذاته اختياراً!
فما أجمل الصوم عندما يكون بدافع الحب، والاحتساب! يترك فيه الصائم طعامه وشرابه من أجل الله سبحانه حباً فيه، وامتثالاً لأمره، وطلباً لمرضاته، ورغبة لما عنده. والصوم بهذا المعنى ينسي الصائم آلام الجوع والعطش!
ولعل في قول رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ما يشير إلى ذلك، فقد قَال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ. لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. إِنَّمَا يَذَرُ شَهْوَتَهُ، وَطَعَامَهُ، وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي. فَالصِّيَامُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، إِلاَّ الصِّيَامَ، فَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»[7].
إن الحب الدنيوي يشغل صاحبه عن الطعام والشراب، ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في كتاب شعب الإيمان للبيهقي عن الإمام الجنيد البغدادي أنَّه قال: دفع السري السقطي إلي رقعة، وقال: "هذا خير لك من سبعمائة فضة!". فإذا فيها:
ولما ادعيت الحب، قالت: كذبتني ...
فمالي أرى الأعضاء منك كواسيا؟!
فما الحب حتى يلصق القلب بالحشا
وتذبل حتي لا تجيب المناديا
وتنحل حتى لا يبقِّ لك الهوى
سوى مقلة تبكي بها أوتناجيا [8]
وهذه الأبيات مثال على حب دنيوي يرى صاحبه أن الحب الصادق ينبغي أن يشغل الإنسان عن طعامه وشرابه حتى يذبل فلا يجيب من يناديه، وينحل حتى لا يبقى من أعضائه عضواً سليماً سوى العين للبكاء، والمناجاة!
وقد لاحظت أنَّ عدداً من الصائمين يؤدي هذه العبادة المباركة بدافع العادة، المصحوبة بالملل، والكسل، وليس بدافع الحب الصادق، والشوق المقلق! وربما لا يخطر على باله أن الله تعالى قد شرَّفه به، وأكرمه بأدائه، فهو نوع من أنواع شكر المنعم على نعمة البدن.
وقد جاء عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال: «الصلاة قربان كل تقي، والحج جهاد كل ضعيف، وزكاة البدن الصيام.."[9].
والصوم عندما يؤدى بدافع الحب، والاحتساب تظهر آثاره، وأنواره في سلوك الصائم، وفي مفردات حياته انضباطاً، ونظاماً. وهو بهذا المعنى يحافظ على صفاء المجتمع ونقائه. ويُعدُّ من الأساليب الناجحة في القضاء على الجرائم التي تهدد أمنه واستقراره.
************************
خواطر حول الصيام
التبشير برمضان، والتهنئة بقدومه!
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ: "قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ".
قال ابن رجب: "قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضا بشهر رمضان كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين من أين يشبه هذا الزمان زمان".
ورحم الله من قال:
أتى رمضان مزرعة العباد
لتطهير القلوب من الفساد
فأد حقوقه قولا وفعلا
وزادك فاتخذه للمعاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها
تأوه نادما يوم الحصاد
رمضان سيد الشهور!
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد الشهور شهر رمضان". وفي رواية: "وأعظمها حرمة ذو الحجة". فهو أعظم حرمة لما فيه من المناسك، ورمضان أفضل لما فيه من الطاعات.
رمضان موسم من أعظم مواسم الإسلام وعرس من أعراسه المباركة!
رمضان موسم مبارك من أعظم مواسم الإسلام، ولحظات إيمانية يتزود فيها المسلم ما ينفعه في كل عام، أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ». كيف لا، وقد شهد أعظم حدث في تاريخ اﻷرض، وهو: نزول أعظم كتاب: القرآن، بواسطة أعظم ملك: جبريل، على قلب أفضل الرسل: محمد عليه الصلاة والسلام. فرمضان احتفال سنوي بهذه المناسبة المباركة!