خواطر من الكون المجاور الخاطرة 51 .. بحيرة حواء واﻷزمة السورية

اليوم وبعد مرور أربعة سنوات على اﻷزمة السورية ،والتي تسير بإستمرار من السيء إلى الأسوأ ، لا يزال العديد من المفكرين يكتبون في الصحف ووسائل اﻹعلام العربية والعالمية ، يحاولون تفسير اﻷزمة السورية وأسبابها، وبدلا من أن تساهم آرائهم وأبحاثهم في حل المشكلة جعلوها تصل إلى أسفل السافلين.

ﻷن جميع آرائهم كانت تتعلق بقشور المشكلة وليس مضمونها ، لذلك قبل أن أكتب شيئا عن هذه اﻷزمة ، سأحاول توضيح بعض اﻷشياء الهامة المرتبطة بها لنستطيع فهم مضمون هذه المشكلة.

قبل أكثر من ثمانية آلاف عام كان البحر اﻷسود عبارة عن بحيرة منفصلة نهائيا عن مياه البحر المتوسط، وكانت مياه هذه البحيرة عذبة ومساحتها أصغر من 30% مما عليه اليوم ، وشكلها كان يتألف من دائرتين إهليجيتين متطاولتين بشكل مائل وتتحدان في القسم اﻷعلى منهما (الصورة) وتصنعان معا ما يشبه رمز حواء Λ في أول تشكله أي بزاوية أكبر ( كما توضح الصورة ) ،حيث القسم اليمين من البحيرة ،يرمز إلى اللون اﻷزرق المتمثل لروح اﻷنثى اﻵسيوية ، فيما القسم اﻷيسر إلى اللون اﻷخضر ممثلا روح اﻷنثى الأوروبية. هذه البحيرة كانت تمثل بحيرة حواء. ﻷن رجال سكان هذه المنطقة كانوا يشعرون باحترام شديد للمرأة.

في هذه البقعة التي إتحدت فيها القارة اﻵسيوية والقارة اﻷوربية ، عاشت جماعات إنسانية محبة للسلام ، فعلى الشواطئ الغربية للبحيرة عاشت جماعة كانت قد أتت من أوروبا لتستوطن في هذه المنطقة ،حيث إعتمدت في تغذيتها الرئيسية على صيد اﻷسماك ولكن مع مرور الزمن بدأت بتربية المواشي ، أما جماعة المنطقة التي تقع على على الشواطئ الشرقية للبحيرة فكانت قد أتت من أعماق آسيا واستوطنت تلك المنطقة على البحيرة ، وهذه الجماعة أيضا إعتمدت في غذائها على صيد اﻷسماك ، ولكن بشكل عام فضلت التغذية على ثمار النباتات ، ولحاجتها الشديدة للنباتات وهي تراقب سلوكها وتطورها من بذرة إلى ثمرة ، اكتسبت هذه الجماعة مع الزمن خبرات أتاحت لها العمل في الزراعة للحصول على الفواكه والخضار لتؤمن لها بعض حاجاتها الغذائية. في هذه المنطقة ظهرت الحاجة لزراعة اﻷراضي ﻷول مرة في تاريخ اﻹنسانية ، ومن أجل ذلك تسمى إحدى مناطقها الشرقية اليوم دولة ( جورجيا ) ، هذه التسمية مصدرها اللغة اليونانية وهي الكلمة ( يورغيا ) ومعناها ( زراعة - فلاحة ) ، وتسمية هذه الدولة بإسم ( جورجيا ) ليست صدفة ولكن من الله عز وجل لتساعد اﻹنسان في فهم خطوات التطور الروحي للإنسانية ، والذي لا يمكن رؤيته عبر دراسة المادة الموجودة ، ﻷن سكان هذه المنطقة لم يتركوا آثار كافية تشرح أشياء عن صفاتهم وسلوكهم الروحي ليستطيع إنسان اليوم فهم مضمون تلك الحقبة التاريخية في تطور اﻹنسانية.

ظهور مهنة الزراعة في تلك الحقبة يعتبر محطة هامة في تاريخ اﻹنسانية ،فزراعة النباتات تعتمد مبدأ إستخدام اﻷشعة الضوئية في تأمين الحاجات الغذائية ، بدلا من إعتمادها على غريزة القتل أثناء عمليات صيد الحيوانات.

رغم إختلاف العرق بين جماعة شواطئ المنطقة اليمنى ( اﻵسيويين ) للبحيرة عن جماعة شواطئ المنطقة اليسرى ( اﻷوربيين) ، ورغم أيضا عدم اﻹختلاط بين الجماعتين ، نشأت بينهما علاقة سلام وأحيانا تعاون إذا لزم اﻷمر.

جمال هذه البحيرة العذبة والمناطق التي حولها ،وكذلك علاقة السلام بين الجماعتين ، جعلتها تبدو وكأنها قطعة من الجنة ، وﻷن الجماعتين لم تدخلا في معارك مع الجماعات اﻷخرى ، ضعفت لديهما الخبرة القتالية ضعفا شديدا.

قبل 7600 سنة تقريبا وصلت جماعة كبيرة من الناس من أعماق أوروبا إلى هذا البقاع من الطرف االغربي للبحيرة (رومانيا اليوم) ، هذه الجماعة كانت ترحل من مكان إلى آخر وتنهب ثروات وخيرات الجماعات اﻷخرى ، وتقتل رجالهم وتأخذ نسائهم وأطفالهم ليعملوا في خدمتهم ، ورأى ذكورها جمال نساء المنطقة فهاجت شهواتهم وقرروا اﻹستيلاء على نساء المنطقة ومواشيها ومساكنها، ومع هبوط الليل ، هجمت عليهم وبدأت تقتل جميع رجال المنطقة ، قسم كبير منهم استطاعوا الهروب ولجؤوا الى جماعة المنطقة الشرقية ، ليساعدوهم في طرد الجماعة المستعمرة من أراضيهم، ولكن هؤلاء وبسبب عملهم بالزراعة وتعاملهم الروحي مع الكائنات النباتية ، كانت غزيرة القتل عندهم قد إختفت من روحهم ليحل محلها عاطفة السلام ، لذلك طلبوا من جيرانهم الهاربين إليهم أن يعيشوا معهم ريثما يعثرون على طريقة سلمية لحل المشكلة بينهم وبين الجماعة المستعمرة ، وأخذوا يرسلون فرقا من الرجال لمراقبة سلوك تلك الجماعة ليكونوا فكرة عنهم وبناء عليها يستطيعون اختيار اﻷسلوب المناسب لحل المشكلة.

وبعد مراقبة طويلة ودراسة صفات إنسان تلك الجماعة ،توصلوا إلى معرفة أن هذه المخلوقات لهم شكل مشابه لشكلهم ، ولكن سلوكهم مختلف عنهم كل اﻹختلاف فهم مخلوقات همجية متوحشة لا تختلف عن الحيوانات، كما علمت أن أعدادهم كبيرة و أنهم يملكون قوة جسدية جبارة من الصعب التغلب عليهم ، عندها تيقنوا أن حل هذه المشكلة بين الطرفين سلميا أمر مستحيل ، وأن إعلان الحرب على هذه الجماعة المتوحشة قد يؤدي إلى مقتل جميع رجالهم وإلى إستيلاء هؤلاء المتوحشون على نسائهم وأطفالهم ، ولكن أيضا أن يتركوا بلادهم الجميلة ويرحلوا إلى مكان آخر غريب ، فهذه الفكرة احزنتهم كثيرا.

وبعد التفكير الطويل ، ونزولا على إصرار نسائهم على الفرار إلى مكان آخر ، قرروا ترك بلادهم والهجرة جنوبا بعيدا عن تلك المخلوقات المتوحشة ، فحملوا أنفسهم ومواشيهم وراحوا يبحثون عن موضع آخر يشبه موطنهم اﻷم قادرين على العيش فيه بمحبة وسلام.

بعد هجرتهم من تلك المنطقة وإستيلاء الجماعة المتوحشة على جميع شواطئ بحيرة حواء. حدث زلزال كبير في منطقة بحر المرمر أحدث في تلك اليابسة منطقة هشة لم تحتمل ضغط مياه بحر المتوسط ، فتشكل من ذلك مضيق البوسفور الذي سمح بتدفق كميات هائلة من المياه المالحة إلى بحيرة حواء أدى إلى غرق أفراد الجماعة المستعمرة ، وتحولت بحيرة حواء ذات المياه العذبة بحرا مالحا له شكل رأس ثور ( الصورة ) كرمز ﻷبناء الشيطان ليكون شكله علامة تساعد علماء العصر على فهم ما حدث في تلك الحقبة الزمنية ، وتوضح لهم نوعية روح ذلك المخلوق الذي غرق بطوفان هذه البحيرة. ولم يبقى منه أي أثر مادي يعبر عن وجوده ، سوى إسم هذا البحر ( البحر اﻷسود ).

فتسمية هذا البحر باللون اﻷسود ، حتى اﻵن لا يعرف مصدره وسببه ، فألوان هذا البحر لا تختلف عن بقية البحار ، لذلك هناك آراء عديدة تحاول أن توضح سبب التسمية ، ولكن جميع هذه اﻵراء تعتبر آراء ضعيفة لا تفسر أي شيء، ﻷن تسميته ب ( اﻷسود ) هو من عند الله وليس من اﻹنسان ، فالبحر المتوسط سمي بالبحر اﻷبيض ، ﻷنه يوحد بين ثلاث قارات وكل قارة رمزها أحد اﻷلوان الرئيسية : أسيا (اﻷزرق) ، أوربا ( اﻷخضر) وأفريقيا ( اﻷحمر ) ، حيث أتحاد هذه الألوان في ألوان الضوء يعطي الضوء اﻷبيض وهو رمز الحياة ، وهو يعبر عن اﻹتحاد الروحي بين هذه القارات ، أما بالنسبة لتسمية البحر اﻷسود ، فعندما كان عبارة عن بحيرة عذبة كانت تعيش على شواطئها مجموعتان : الشرقية اﻵسيوية ورمزها اللون ( الأزرق ) والغربية اﻷوربية ورمزها ( اﻷخضر ) ولكن مع قدوم الجماعة المتوحشة ورمزها (اﻷحمر ) ، حاولت أن تغتصب نساء المنطقة، أي بمعنى آخر أن تتحد معهم ماديا وليس روحيا ، وكما هو معروف فإن إتحاد اﻷلوان الثلاثة في ألوان الرسم ( رمز للإتحاد المادي ) يعطي لون غامق جدا يشبه اﻷسود، ومعناه الموت.

جماعة منطقة بحيرة حواء التي فضلت الهروب بدلا من تقوية غريزة القتل في أبنائها ، هاجرت إلى الجنوب حتى وصلت إلى منطقة ما بين النهرين الفرات ودجلة ( منطقة دير الزور والرقة اليوم ) حيث غزارة المياه العذبة واﻷراضي الصالحة للزراعة جعلها تستوطن فيها لتبدأ حياتها من جديد، وكما كانت اﻷمور في بحيرة حواء هكذا أيضا حدث في تلك المنطقة فإنقسمت هذه الجماعة إلى قسمين ثانية تربط بينهنا علاقة إخوة وتعاون ،حيث القسم الشرقي على يمين نهر الفرات ( العراق ) والذي يرمز له نهر دجلة سيتحول سكانهم إلى شعب ينمي قدراته على القتال ليمنع الجماعات المجاورة من التعدي عليهم كما حصل لهم عندما كانوا يعيشون على الشواطئ القسم اﻷيسر من بحيرة حواء ، لذلك يسمى اليوم نهر دجلة في اللغات اﻷوربية ( tiger) ومعناها النمر ، وهولاء رمزهم الشعوب اﻵشورية ،وهم في الحقيقة رمز قابيل الجديد والذي بدلا من أن يحاول قتل أخيه سيحاول حمايته والدفاع عنه. أما سكان منطقة غرب نهر الفرات ، أي بلاد الشام ، فهم رمز نهر الفرات حيث كلمة فرات تعني (العذب الخالي من الشوائب ) وهم رمز هابيل الذي قال ﻷخيه ( ﻷن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك ﻷقتلك إني أخاف الله رب العالمين ) وهولاء سيحاولون تنمية علومهم ومعارفهم لتقوية عاطفة السلام بدلا من غريزة القتل ، حيث في هذه المنطقة تم إنشاء أول قاعدة حضارية في تاريخ اﻹنسانية والتي تعتمد أساسا في معيشتها على الزراعة، ومن هذا القوم سيولد العديد من اﻷنبياء المذكورين في الكتب المقدسة ، ورمز هذا القوم التاريخي هو الشعب السرياني ، فكما يقول الشعب السرياني بأن ( لغة أهل الجنة هي اللغة السريانية ) والمقصود هنا ليس المعنى الحرفي للعبارة ، ولكن مضمونها أي عاطفة السلام ، فالمعنى الحقيقي لتلك العبارة هو أن (لغة أهل الجنة هي لغة السلام). وليس من الصدفة أن تضاف عبارة (عليه الصلاة والسلام ) بعد ذكر أسماء اﻷنبياء.

ولذلك أيضا سميت بلاد الشام ب ( سوريا ) نسبة إلى الشعب السرياني ،ورغم أن هناك آراء عديدة تحاول تفسير سبب هذه التسمية (سيريان - سوريا )، ولكن جميع هذه اﻵراء تعتبر آراء سطحية لا تربط السلوك الروحي لشعوب المنطقة عبر التاريخ مع جغرافية المنطقة ، فإسم ( سوريا ) أي ( سيريا ) هو من عند الله أيضا، ومصدر هذا اﻹسم هو إسم النجم (سيريوس ) فهذا النجم هو ألمع نجم في السماء ، وهو في الحقيقة يتألف من نجم مزدوج يدور الواحد حول اﻵخر ، حيث النجم الصغير (سيريروس ب ) هو رمز نهر دجلة ( الشعب اﻵشوري المحارب ) والنجم الكبير ( سيريوس آ ) الذي نرى نوره في الليل هو رمز نهر الفرات ( الشعب السرياني المحب للسلام ) . لذلك اﻵية 47 من سورة النجم تذكر ( وأن عليه النشأة اﻷخرى ) والمقصود بها بأن منطقة بلاد الشام (سوريا ) حدثت فيها بداية جديدة للإنسانية وتحولت من سلوكها الهمجي الحيواني إلى شكلها الحضاري.

هذه القصة التي ذكرتها عن قوم (بحيرة حواء) ، ليست من الخيال ، ولكنها حقيقة تاريخية ، ولكن علماء العصر الحديث لا يعلمون عنها شيئا. ﻷن أحداثها مذكورة بشكل منفصل الواحد عن اﻵخر في كتب مختلفة (جيولوجية ، تاريخية،لغوية، الكتب المقدسة، وأخرى غيرها ) . وكل ما حاولت أن أفعله هنا هو أن أجمع هذه الأحداث بشكل متسلسل لتأخذ شكل قصة واقعية خرجت من خلال رؤية شاملة وحدت عدة زوايا نظر مختلفة بحيث يمكن إثباتها تاريخيا وجيولوجيا ودينيا ، فالله عز وجل وهب اﻹنسان علوم عديدة مختلفة ليستطيع كل علم رؤية الحدث من زاوية معينة ،و حتى نستطع أن نحصل على حقيقة الحدث يجب توحيد جميع زوايا الرؤية لنحصل عل رؤية شاملة لهذا الحدث.

ولكن لنتابع ذكر عناصر أخرى عن هذه القصة من العصر الحديث لنستطيع فهم مضمون هذه القصة وعلاقتها باﻷزمة السورية بشكل أوضح :

إحدى المجموعات الشركسية في القفقاس التي عاشت صراع طويل مع القيصر الروسي ،والذي جعل من حياة أبنائهم معركة دائمة ،فالطفل هناك كان منذ ولادته كانت تولد معه غريزة الدفاع عن النفس، لذلك فكر الحكماء هناك أن بقائهم في بلادهم سيعني تحول غريزة الدفاع مع الزمن إلى غريزة قتل وحب العنف ،فالعيش في مثل هذه الظروف بشكل مستمر لن تسمح لهم بتوفير وقت كافي لتنمية عاطفة السلام في أطفالهم ليطوروا معارفهم وعلومهم بدلا من تعلم حمل السلاح والمشاركة في المعارك. لذلك فكروا هؤلاء الحكماء في الهجرة إلى الجنوب إلى منطقة تضمن لأطفالهم حياة هنيئة ومسالمة بعيدا عن الحروب والقتل وسفك الدماء.

هذه المجموعة الشركسية المهاجرة عندما وصلت الحدود السورية توقفت قليلا للإستراحة ، أحد شيوخها الكبار أخذته الغفوة فنام تحت ظلال شجرة ، فرأى في غفوته حلما وكأن صوت من السماء يقول له" إخلع حذائك فأنت تدخل اﻵن اﻷرض المقدسة" ، عندما إستيقظ الشيخ العجوز أخبر بقية الجماعة عن حلمه ،فقرروا جميعا أن يدخلوا سوريا حافيي اﻷقدام. ﻷنهم يدخلون الأرض المقدسة مكان مولد الكثير من اﻷنبياء،وأول دولة قامت على عاطفة السلام.

هذه الحادثة ليست هوسا أو صدفة ،ويعرفها الكثير من شراكسة سوريا ، ولكن لم يفكر بها أي شركسي ليفهم معناها الروحي ، وسبب إهمالهم لها هو عدم معرفتهم بقصة منطقة بلادهم القفقاس التي تقع على البحر اﻷسود والذي كان سابقا يؤلف (بحيرة حواء )، لذلك هذه الجماعة بالذات إختارها الله ليرى أحد شيوخها ذلك الحلم ﻷنها فعلت تماما كما فعل أهل بحيرة حواء عندما فضلوا الهجرة بدلا من تقوية غريزة القتل وحب العنف في أطفالهم.

اليوم وبعد مرور أربعة سنوات على اﻷزمة السورية ،حيث هيئة اﻷمم المتحدة نفسها تعقد إجتماعات ومؤتمرات عديدة في سبيل إيجاد حل لهذه اﻷزمة ، ومع ذلك نرى اﻷزمة تسير من السيءإلى الأسوأ ، واليوم أصبح حلها يتطلب معجزة من السماء عن طريق التدخل الإلهي ،ﻷن المشكلة أصبحت معقدة جدا بحيث وصلت فوق مستوى العقلي الذي تملكه أذكى العقول البشرية. لذلك نجد أن اﻷزمة السورية لم تعد فقط أزمة المنطقة نفسها ولكنها تحولت إلى أزمة عالمية. يمكن منها أن تؤدي إلى نشوب حرب عالمية جديدة.

لنستطيع فهم مضمون اﻷزمة السورية بشكل أفضل ، لا بد من الحديث عن حقيقة اﻷزمة اليونانية ، فاﻷزمة اليونانية بدأت تقريبا مع اﻷزمة السورية ،وهناك إرتباط روحي كامل بين اﻷزمتين ، فليس من الصدفة أن جميع وسائل اﻹعلام العالمية في كل نشرة أخبار تترك وقت غير قليل تتحدث فيه عن اﻷزمة اليونانية واﻷزمة السورية ، فاﻷزمة اليونانية أصبحت رمزا عالميا للدمار اﻹقتصادي أما اﻷزمة السورية فأصبحت رمزا عالميا لفشل السلام العالمي .

اليونان تعتبر أم الحضارات اﻷوربية فإذا قمنا و حذفنا جميع المصطلحات اليونانية من اللغات الأوربية فإنها جميعها ستتحول إلى لغات بسيطة فقيرة غير قادرة على التعبير ،ﻷن القاعدة اﻷساسية للفكر الغربي يعتمد على الفكر اليوناني القديم ، فالحضارة اليونانية القديمة ( اﻹغرقية ) كانت أول حضارة أوربية وكانت هي المسؤولة عن تطوير العلوم المادية عالميا. وليس من الصدفة أن لغة اﻹنجيل هي اللغة اليونانية ، فجميع آناجيل العالم المعترف بها عالميا تم ترجمتها من اللغة اليونانية.

فتحول اليونان إلى رمز عالمي للدمار اﻹقتصادي ، يعني في الحقيقة فشل المنهج العلمي الذي يعتمده العلماء بكافة أنواع علومهم منذ أكثر من 100 عام حتى اﻵن ،فالمشكلة الحقيقية ليست اليونان نفسها ولكن العالم بأجمعه لذلك ظهرت هذه المشكلة في اليونان لتمثل العالم بأجمعه. فاليونان هنا هي رمز له معنى محاولة تشويه اﻹدراك المادي في فكر اﻹنسانية.

ونفس الشيء بالنسبة لسوريا والتي تمثل منطقة مولد اﻷنبياء ، أو بشكل أدق منطقة مولد عاطفة السلام ، لذلك أصبحت سوريا رمزا عالميا يعبر عن مدى وحشية فكر إنسانية القرن العشرين ، وليس من الصدفة أن أكثر الذين يحملون السلاح ويشاركون في الحروب داخل سوريا

هم غرباء لا يحملون الجنسية السورية ،فجوهر المشكلة في اليونان وسوريا ليس الشعب اليوناني أو السوري ولكن اﻹنسانية بأكملها ، فالمشكلة السورية اليوم تعبر عن مدى مستوى اﻹنحطاط الروحي الذي تعاني منه اﻹنسانية في العصر الحديث. حيث المنهج العلمي الحديث الذي تم به كتابة الكتب المدرسية التي يتعلمها اﻹنسان منذ صغره في جميع مدارس العالم، يعاني من ضعف شديد في الإدراك الروحي ، وهذا ما جعل جميعها حتى الكتب الدينية المدرسية منها ، خالية من روح الله. فليس من الصدفة أن الكثير من علماء المسلمين الذين لديهم شهادات الدكتوراه في علوم الشريعة اﻹسلامية حرضوا الكثير من مسلمي العالم للذهاب إلى سوريا من أجل الجهاد في سبيل الله ، ولكن بدلا من أن يحلوا الأزمة السورية جعلوها تصل إلى أسفل السافلين.

يجب أن يعلم الجميع أن سوريا واليونان ليست بلاد مثل بقية بلدان العالم ولكن الله إختارهما لتكونا رموزا عالمية ، اليونان لتكون رمزا لمنطقة ولادة اﻹدراك المادي ( العلوم المادية )، و سوريا رمزا لمنطقة ولادة اﻹدراك الروحي ( العلوم الروحية).

حسب قانون الدين اﻹسلامي ، عند ذكر إسم نبي يجب إضافة العبارة ( عليه الصلاة والسلام ) وللأسف سوء فهم المسلمين اليوم لجوهر تعاليم دينهم جعلهم يجهلون المعنى الحقيقي لهذه العبارة ، فكلمة ( صلاة ) هنا تعني مواصلة التطور الروحي الذي وضعه الله للمؤمنين ،فاﻹنسان المؤمن هو الذي يبقى على صلة دائمة مع التطور الروحي ليتطور نموه الروحي هو أيضا ، أما كلمة ( سلام ) فتعني مواصلة التطور الروحي ولكن باﻹعتماد على عاطفة السلام ، لذلك كان إسم آخر ديانة سماوية هو ( اﻹسلام ) وهذه الكلمة تعني فرض حب السلام على المؤمنين.

كل الذي أستطيع أن أفعله للأزمة العالمية التي تعاني منها اﻹنسانية اليوم هو أن أذكر هذا الدعاء :

" إلهي زدنا نورا من نورك وعلما من علمك لنستطيع تبديد الظلمات التي صنعها علماء العصر الحديث فوصلت اﻹنسانية لهذا المستوى من اﻹنحطاط الروحي، آمين "

وسوم: 634