الخاطرة 76، ليوناردو دافنشي في القرآن

في يوم اﻹثنين القادم المصادف 21 آذار ( مارس ) تحتفل الدول العربية بعيد اﻷم ، وكما هو معروف أن المرأة سواء كانت كأم والدة أو كأم روحية تعتبر الجوهر الحقيقي ﻷبحاثي ﻷنها حسب رأيي هي التي تسيطر بشكل حقيقي على عجلة تطور اﻹنسانية رغم أن معظم الناس يعتقدون بأنها تلعب دور ثانوي في تطور المجتمعات ، لذلك كنت قد فكرت أن أكتب عن سيرة أم إسمها كاترينا والدة ليوناردو دافنشي ﻷشرح دورها العظيم الذي لعبته في التوجيه الروحي لإبنها الذي يعده الكثير من المفكرين بأنه أهم شخصية إنسانية وجدت في اﻷلف اﻷخيرة من تاريخ اﻹنسانية بسبب كثرة وتنوع أعماله التي ساهمت في نهضة اﻹنسانية ودخولها في عصر جديد سمي "عصر النهضة اﻷوربية " والتي نحصد ثماره اليوم في كل شيء إيجابي مفيد في حياتنا اليومية ، 

أما اﻷشياء السلبية والتي دمرت القيم اﻹنسانية وحولتها إلى "وحشية لم تعرف اﻹنسانية مثلها من قبل"، فهي نتائج إنحطاط عصر النهضة ، فنحن اليوم في الحقيقة نعيش إنحطاط عصر النهضة وليس عصر جديد كما يظن معظم مفكري العصر الحاضر بسبب ما يرونه من تقدم واسع في العلوم المادية والتكنولوجية. فهذه اﻷشياء اﻹيجابية التي تساهم اليوم في تأمين الحاجات المادية للإنسان هي في الحقيقة ثمار عصر النهضة وليست ثمار العصر الحاضر الذي يتخيله مفكرو هذا العصر. وسبب إصابة مفكري هذا العصر بالعمى الروحي هو عدم فهم دور " كاترينا " تلك المرأة التي أنجبت ليوناردو دافنشي والتي بسبب ضعفها الجسدي والطبقي لم تستطع أن تأخذ حقها في المجتمع فذهبت وربت إبنها ليونادو بشكل يستطيع هو أن يأخذ دورها ليس فقط ليأخذ حقها هي شخصيا ولكن ليعطي جميع نساء العالم حقهن ليستطعن أن يلعبن دورهن الحقيقي في تطور المجتمع. وهذه الفكرة بالذات هي جوهر المعنى الحقيقي لمصطلح " عصر النهضة " والذي رغم المحاولات التدريجية عبر الزمن في توضيح مفهومه الحقيقي وطبيعة دور المرأة في المجتمع ، ولكن مع اﻷسف في اﻵونة اﻷخيرة بدأت تحدث محاولات عديدة هدفها تشوي مفهومه الحقيقي، واليوم نجد أن مفهوم عصر النهضة بحد ذاته أصبح ذا معنى سطحي لا ينفع ولا يضر بسبب تلك التشويهات التي حدثت على مفهوم الفلسفة ومفهوم الفن ، لذلك سقطت اﻹنسانية برمتها في مزبلة التاريخ ، فمن ينظر اليوم ما يحدث في العالم وخاصة في سوريا والتي أصبحت رمزا معبرا تماما على سذاجة ورداءة القاعدة الثقافية لكبار مفكري العصر الحاضر على جميع فروع علومه وعلى المستواها العالمي ، فﻷول مرة في تاريخ اﻹنسانية، نجد اﻹنسان ينظر إلى قوة معارفه ويخجل ﻷنه يشعر عاجزا ، لا يستطيع أن يجد حلولا ﻷبسط المشاكل ، وأبسط هذه المشاكل اليوم هي تزايد حب العنف عند اﻷطفال والتي حولت المدارس إلى أشرس ساحات ممارسة العنف والتي أدت إلى دفع الكثير من اﻷطفال والمراهقين إلى اﻹنتحار أو الوفاة. .... ما يحصل اليوم في مدارس اﻷطفال ليس إلا دليلا علميا يعبر عن رداءة ثقافة ومعارف إنسان العصر الحاضر.

 في مقالة عيد اﻷم القادمة إن شاء الله سنذكر أشياء عديدة عن كاترينا أم ليوناردو وﻷن بعض هذه اﻷشياء قد تبدو لأولئك الذين يدرسون اﻷمور بشكل أكاديمي مرفوضة ﻷنها لا توافق الوثائق التاريخية التي حصل عليها العلماء ، وسيعتبرون فقرات ترابط اﻷحداث في المقالة بأنه تشويه للحقيقة وأن قصة كاترينا التي أذكرها هي خيالية وليس لها أي مكان في الواقع ، فنحن اليوم فعلا نعيش في عالم يتم فيه تزوير اﻷشياء بكل بساطة ، وهذا التزوير يسمح لكل شخص أن يكتب الحدث من الزاوية التي تتناسب مع مصلحته الشخصية. لذلك نجد اﻷحداث التاريخية مذكورة بأشكال مختلفة ومتناقضة في كتب التاريخ وذلك حسب ما يناسب فكر وعقيدة كل كاتب وكل شعب. فمثلا موسى عليه الصلاة والسلام لم يذكر إسمه في أي وثيقة تاريخية فرعونية. فمن يريد كتابة تاريخ مصر القديمة مستندا فقط على الوثائق التاريخية الفرعونية ، سيتهيأ له أن قصة اﻷنبياء إبراهيم و يوسف وموسى - عليهم الصلاة والسلام - بالنسبة لتاريخ مصر القديمة هي قصص خرافية لا محل لها في الواقع. ولكن هذا غير صحيح فسبب عدم رؤية اﻷحداث المتعلقة بهؤلاء اﻷنبياء هو انهم غرباء والفراعنة لم يقبلوا بأن يكون شخص غريب أرقى من فرعون ﻷن فراعنة مصر كانت تنظر إلى نفسها وكأنها آلهة لذلك أمروا بحذف كل شيء يتعلق بهؤلاء اﻷنبياء، ولكن الله موجود ولن يسمح ﻷي فرعون بتزييف الحقيقة وقد سجل كل ما حدث في كتبه المقدسة وكذلك في تلك اﻷثار التي تركها اﻷنبياء ولكن حتى نرى ونفهم معاني تلك الآثار يجب أن نفهم لغة الروح ، فالكتب المقدسة والآثار ات تحتوي على المعاني بشكل روحي وليس بشكل حرفي كما يعتقد معظم مفكري اليوم ، فهدف كتابة اﻷحداث ليس معرفتها بشكلها الحرفي السطحي ولكن هدفها الحقيقي هو فهم مضمونها الحقيقي ليساهم في إختيار الطريق الصحيح في النمو الفكري والمادي لتحقيق التطور السليم نحو الصفاء الروحي ومن ثم الوصول إلى الكمال الروحي والجسدي.

 فما فائدة مثلا أن نقرأ قصة يوسف عليه الصلاة والسلام كما هي مذكورة في الكتب المقدسة مرة ثانية في الوثائق التاريخية الفرعونية ؟ الجواب على ذلك لا شيء على اﻹطلاق. وسيبقى تاريخ مصر القديمة عشوائي مثل ما هو اليوم بدون أي مضمون يساهم في فهم تطور و ترابط أحداثه من البداية إلى النهاية ليساهم بدوره في فهم تطور اﻹنسانية بأكملها ، وهذه العشوائية التي نجدها في كتب التاريخ التي تتكلم عن تاريخ مصر القديمة نجدها موجودة أيضا في جميع كتب التاريخ التي تتكلم عن شعوبها في جميع مناطق العالم ، لذلك من يتمعن جيدا في كتب تاريخ الشعوب كما تدرس اليوم في جميع مدارس العالم ، سيشعر وكأن ظهور اﻹنسانية وتطور حضاراتها قد حصل بالصدفة لذلك نجد جميع أحداثها عشوائية ذات معاني سطحية لا تساهم نهائيا في رؤية أي مخطط إلهي ، فرغم أن معظم مؤلفي كتب التاريخ في بداية العصر الحاضر كانوا يؤمنون بشدة بديانة شعبهم ولكنهم كتبوا تاريخ بلادهم من نظرة تعصبية ، فبدلا من أن تساهم هذه الكتب في تقوية اﻹيمان شعبهم بالله كما هو في دينهم ، حدث العكس تماما حيث هذه الكتب نفسها هي التي ألغت وجود الله من مضمون اﻷحداث التاريخية ، لذلك نجد أن أكبر مشكلة يعاني منها العصر الحاضر هو غياب اﻹحساس بوجود الله في نفوس الناس ، ولا نقصد هنا بكلمة ( الله ) بمفهومها الديني ولكن بمفهومها الفلسفي أي اﻹحساس بترابط الروح العالمية، هذا اﻹحساس هو الذي يجعل اﻹنسان يفكر قبل أن يفعل أي شيء بردة فعل أمه وأبوه وأخوته وأقاربه وأحبائه على نتيجة ما سيفعله، فيتوقف عن فعله إذا كان نتيجته سلبية أو يتابع بحماس أكثر إذا كانت فائدته إيجابية ، فغياب هذا النوع من اﻹحساس هو الذي أدى إلى تفكك جميع الروابط وعلى جميع مستوياتها البسيطة والعالمية.

 ما حدث على مر الزمن من تزوير للحقائق التاريخية بالنسبة لأحداث قصص اﻷنبياء في الآثار التاريخية ،الشيء نفسه حدث في سيرة حياة كاترينا أم ليوناردو ، ولكن ليوناردو ترك معلومات تكشف حقيقة ما حدث بطريقة رمزية يستطيع فهمها فقط أولئك الذين يهتمون في البحث عن المخطط اﻹلهي في تطور اﻹنسانية ، ومن يبحث جيدا في مضمون أعمال ليوناردو دافنشي سيجد أن ليوناردو دافنشي هو أحد المرشدين الذين أنبأ عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف ( الله يرسل كل مائة عام مرشد ليجدد الدين ) والمقصود هنا بكلمة ( دين ) ليس معناها الحرفي ( دين اﻹسلام ) ولكن معناها العام فرسول الله لا يتكلم عن سطحية اﻷشياء ولكن عن المعنى العام الذي يهم اﻹنسانية بأكملها ، لذلك القرآن الكريم لا يذكر جمع هذه الكلمة ( أديان ) ولكن دوما يذكرها بصيغة المفرد ، فكلمة (دين ) في هذا الحديث تأخذ معناها الشامل إي إعادة تصحيح ما تم تشويهه في تكوين اﻹنسان ، فخروج اﻹنسان من الجنة كان سببه إرتكاب اﻹنسان الخطيئة ، وهذه الخطيئة جعلته - كتكوين - غير مناسب لقوانين اﻹقامة في الجنة ، لذلك خرج منها ليصحح ذلك الخطأ في تكوينه ليصبح مناسبا ثانية للعودة إلى الجنة ، فواجبات اﻹنسان نحو عملية التصحيح هذه هي عبارة عن نوع من أنواع ( الدين ) أي أن اﻹنسان مديون لخالقه بسبب إرتكابه الخطيئة والتي أدت إلى تشويه تكوينه ، ونوعية هذا الدين تتجدد مع مرور الزمن لتشمل جميع نواحي التصحيح ، ﻷن خروج اﻹنسان من الجنة لم يكن بسبب خطأ بسيط ولكن خطأ مركب أدى إلى ظهور غريزة القتل في أحد أبناء آدم وحواء وهو ( قابيل ) .فظهور غريزة القتل لم يكن سببه خطأ بسيط ولكن خطأ كبير و معقد.

 كاترينا أم ليونارد هي تلك اﻷم التي ينطبق عليها الحديث الشريف ( الجنة تحت أقدام اﻷمهات ) ... وسنحاول في أسطر القسم اﻷخير من المقالة ذكر آيات قرآنية تذكر ليوناردو وأمه ودورهما في تطور اﻹنسانية. . ولكن قبل ذلك لا بد أن نذكر أشياء مهمة في شخصية ليوناردو دافنشي من الناحية الروحية لنستطيع فهم أهمية وجوده في المخطط اﻹلهي لتطور اﻹنسانية.

 يقول الطبيب النفسي المشهور سيغموند فرويد (ليوناردو دافنشي هو ذلك اﻹنسان الذي إستيقظ باكرأ في زمن كان الناس فيه نياما ) حسب رأي ما قاله فرويد عن ليوناردو دافنشي يوضح تماما بأن هذا المحلل النفسي الذي أوصله فكره إلى اﻹلحاد، لم يفقه شيئأ عن المعنى الحقيقي لعصر النهضة ولم يفهم معنى وجود ليونادو دافنشي الحقيقي في عصر النهضة ، ومن لا يفهم معنى هذا الوجود فهو لن يفهم أيضا معنى وجود عصر النهضة في تاريخ اﻹنسانية. ولكن من يبحث عن ترابط وتطور خطوات المخطط اﻹلهي قبل ليوناردو دافنيشي وبعده في تطور اﻹنسانية سيجد ما يلي :

 " الفيلسوف العربي إبن رشد هو من أولع أول شمعة لتضيء الظلام الذي كانت تعيشه الشعوب اﻷوربية ، فرأى اﻷوربين اﻷشياء من حولهم بذهول وكأنهم رأوا كتابا كتبت كلماته بدون نقط وتشكيل فراحوا يفسرون ما يقرأون بمعاني مختلفة فخرجوا بتفسيرات عديدة متناقضة ورغم وجود الرغبة في تصليح اﻷوضاع ،لم تساهم تفسيراتهم بشكل جدي في عملية التصحيح ، حتى جاء ليوناردوا دافنشي ليضع النقاط على الحروف ليتعلم الناس القراءة وليفهموا منها نفس المعنى "

 للأسف التعصب اﻷعمى العرقي والديني عند اﻷوربيين في القرون اﻷخيرة دفعهم إلى عدم فهم العلاقة بين إبن رشد وليوناردو دافينشي ، ولكن من يتمعن جيدا في منطق اﻹثنين يجد أن كل واحد منهما يكمل اﻵخر. . فكلاهما كانا ذوي المعارف الشاملة. . فإبن الرشد كان طبيبا وفيلسوفا وعالم رياضيات وعالم ديني وعالم لغة وعالم جغرافيا وفلك وفيزياء وقاضي. .. وكذلك ليوناردو دافنشي كان رساما ونحاتا وموسيقيا ومعماريا وميكانيكا وجيولوجيا وفيلسوفا وعالم تشريح وعالم نبات وعالم خرائط. .. ولكن الفرق بينهما هو أن إبن رشد وضع جميع هذه المعارف المختلفة في المجال الروحي بهدف فهم طبيعة سلوك الروح البشرية وعلاقتها بخالقها ، لذلك وصل إلى نظريته المعروفة ب (الرشدية ) والتي تقول بما معناه بأن الروح الفردية غير خالدة ، فقط الروح العالمية هي الخالدة ،لذلك حتى تصبح روح اﻹنسان ( الفردية ) خالدة يجب عليها أن تتحد بالروح العالمية ، فدور إبن الرشد بشكل عام كان تأمين حاجات اﻹنسان الروحية تلك التي تساهم في إتحاد كل روح مع الروح العالمية . أما بالنسبة لليوناردو دافنشي فقد وضع جميع علومه المتشعبة في المجال المادي من أجل خدمة تأمين الحاجات المادية للإنسانية ليستطيع اﻹنسان العيش في بيئة مادية مناسبة تسمح له الشعور بما هو أعمق من الوجود المادي لتلك اﻷشياء من حوله وبالتالي ينتقل بفكره نحو الشعور بالروح كشعور مطلق. لذلك لا يمكن الفصل بين فكر إبن رشد وفكر ليوناردو دافينشي ، فكلاهما معا يساهمان في الوصول إلى الكمال المطلق.

 يمكن توضيح الفرق بين منطق إبن رشد عن منطق ليوناردو بشكل رمزي بالمثال التالي : فمن المعروف أن ألوان (الضوء) الرئيسية عند إتحادها تعطي اللون اﻷبيض ، أما الألوان الرئيسية في (الرسم) فإتحادها يعطي لون غامق يشبه اﻷسود ، إبن رشد كان هدف أبحاثه هو توحيد ألوان الضوء ليحصل على النور اﻷبيض أي هدفها هو تفسير البيئة الروحية المحيطة باﻹنسانية ، بينما ليوناردو دافنشي فكان هدف أبحاثه هو توحيد ألوان الرسم بطريقة يمنع بها إعطاء اللون اﻷسود في شكل المادة ولكن إعطائها اللون الذي يعبر عن حقيقة تلك الروح الموجودة بداخل هذه المادة. فإبن الرشد هنا يأخذ رمز هابيل ( علوم الروحية ) أما ليوناردو دافينشي فيأخذ دور ( قابيل ) ولكن بشكله اﻹيجابي ، والذي سيضع معلوماته وخبراته ليس لقتل أخيه كما فعل قابيل ولكن لمساعدته عن طريق تأمين بيئة مناسبة تسمح لهما العيش بسلام ليتابعا تطورهما على أفضل مايرام. لذلك أعطاه الله إسم ليوناردو ومعناه ( أسد ) أقوى كائنات الغابة ، وأما إسم إمه كاترينا فهو يسمع وكأنه يتألف من مقطعين (كات - إرينا ) حيث اﻷول ( كات ) يعني قطة ( لبوة صغيرة ) أما المقطع الثاني (إرينا ) فتعني السلام في اللغة اليونانية ، فأم ليوناردو هي قطة السلام التي أنجبت أسدا ليدافع عن حقوق المظلومين من قوانين البيئة المحيطة بهم وليصحح أوضاعهم ( فهم موضوع علاقة إبن رشد و ليوناردو دافينشي يتطلب شرح مفصل لمعلومات عديدة سنذكرها إن شاء الله في مقالة أخرى) .

 كثير من الكتب والمقالات والبرامج التلفزيونية عرضت أعمال وسيرة حياة ليوناردو دافينشي وحاولت تفسيرها من نواحي عديدة لتؤكد على عظمة عبقرية ليوناردو دافينشي ولتؤكد أيضا على أن أعماله ليست ببسيطة ولكن تحمل في داخلها ألغازا ورسائل إلى المستقبل وضعها ليوناردو دافينشي بشكل رمزي في أعماله ، ورغم وجود أبحاث تحمل نية صافية لمعرفة خفايا فكر هذه الشخصية الغامضة ، ولكن نجد في اﻵونة اﻷخيرة محاولات عديدة هدفها الحقيقي هو الربح المالي ، فكانت النتيجة تشويه أعماله وبدلا من فهم حقيقة فكر ليوناردو وحقيقة عصر النهضة نراها قد جعلت منها أشياء عشوائية لا تربط بين الحاضر والماضي ، ومن هذه الخزعبلات التي نجدها في اﻹنترنت عن ألغاز أعمال ليوناردو دافينشي ،مثلا ، لغز نظرة موناليزا. . فنجد أحد هذه اﻵراء تقول بأن أحد أغرب ألغاز لوحة موناليزا ( الجوكندا ) هو أنها تنظر إليك أينما كنت موجودا بالنسبة لها، سواء على يمين اللوحة أو يسارها أو في أي جهة أخرى، فدوما ستشعر بأن موناليزا في اللوحة تنظر إليك. يبدو أن صاحب هذا الفكرة لا يعلم شيئا عن أبسط قوانين التصوير ، فكل إنسان ينظر إلى عدسة آلة التصوير ، سيبدو في الصورة وكأنه ينظر إلى كل شخص يرى الصورة مهما كان مكانه من الصورة ، فمثلا الشخص الذي يقدم نشرة اﻷخبار في شاشة التلفزيون ينظر إلى عدسة الكميرا لذلك كل شخص موجود في الغرفة مهما كان مكانه من شاشة التلفزيون سيشعر أن مقدم النشرة اﻷخبارية ينظر إليه ، هكذا أيضا في لوحة الرسم ،فعندما ينظر الشخص المرسوم إلى الرسام فإنه نظرته في الرسمة ستبدو وكأنه ينظر إلى كل الناس في صالة عرض اللوحة سواء كانوا على أقصى يسار اللوحة أو على اليمين منها.

 مثل هذا اللغز الساذج عن لوحة الجوكندا قد لا يكون له نتيجة سلبية على فكر المشاهدين. ولكن عندما يشترك أشخاص يحملون شهادات علمية عالية بمستوى دكتوراة ، يعملون كأساتذة في جامعات مشهورة - كجامعة أكسفورد مثلا -في تأليف فيلم وثائقي عن الألغاز الخفية في أعمال ليوناردو دافينشي ، بهدف تشويه حقيقة أعماله عندها تختلف اﻷمور نهائيا. وأفضل مثال على ذلك هي تلك اﻷلغاز الساذجة التي حاولوا إظهارها في لوحات ليونادو عن طريق إتحادها مع نفسها بشكل معكوس ( كما توضح الصورة) . بحجة إثبات وجود علاقة بين ليوناردو مع كائنات فضائية خرافية ، هذه العلاقة - حسب رأي هؤلاء الأساتذة - تبرر عظمة عبقرية ليوناردو أي أن معلومات ليوناردو دافينشي لم تأتي منه شخصيا ولكنها أتت من مخلوقات سكان الفضاء الذين إلتقوا به وعلموه تلك المعلومات التي صنعت منه إنسانا عبقريا. فللأسف بدلا من أن تكون دور التعليم التي يدرس فيها هؤلاء اﻷساتذة منبعا للنور لتفتح عيون طلابهم على رؤية المخطط اﻹلهي من خلال أعمال ليوناردو ، نراها تصبح دور تعليم الدجل والخرافات. إن كل رسمة أو صورة ﻹنسان بوضعية معينة إذا جعلنا نصفها يتحد مع نصفها المعكوس ، سنجد انها تعطي شكل كائن خرافي ذو شكل غريب . وهذا مايحصل أيضا في لوحات ليوناردو دافينشي.

 لو أن ليوناردو دافينشي اليوم كان حيا ورأى ما يكتبه أساتذة تاريخ الفن وغيرهم عن أعماله وسيرة حياته لرفع عليهم دعوى وطالب في المحكمة ليس فقط بمنعهم من كتابة أي شيء يخص أعماله هو شخصيا ولكن أيضا بمنعهم من ممارسة عملهم في تدريس الفن في أي كلية ﻷن مستواهم العلمي ونوعية قاعدة ثقافتهم تعتبر ذات طبيعة رديئة مدمرة تتناقض نهائيا مع طبيعة عمل الدماغ اﻹنساني كما خلقه الله تعالى . فمثل هؤلاء الاساتذة المزيفين يشكلون خطرا كبيرا على مستقبل تطور ثقافة طلاب تلك الكليات التي يعملون فيها. فأهم دور لعبه ليوناردو دافينشي في حياته كان محاربة الشعوذة والدجل والخرافات التي سادت القرون الوسطى آنذاك ليفتح طريقا جديدة أمام اﻷوربين في بحوثهم العلمية.

 كما ذكرنا ليوناردو دافينشي بحث في جميع المجالات وحاول أن يضع قواعد علمية جديدة في كل مجالات النشاطات الفكرية للإنسان . في فن الرسم مثلا أحدث ثورة في طريقة التعبير الروحي لموضوع اللوحة ، فهو أول من تكلم عن المنطقة الذهبية وهو أول من وضع قانون المنظور في رسم اﻷشياء لتأخذ عناصر اللوحة ابعادها الثلاثة بشكل دقيق ولتظهر أشكالها من مستوى مسطح إلى مستوى فراغي ثلاثي اﻷبعاد. ولتحقيق ذلك وبشكل يعطي جمالا روحيا إستخدم ﻷول مرة ما يسمى تقنية السوفوماتو ( التدرج اللوني ) في تلوين اﻷشكال الموجودة في لوحاته، هذه التقنية سمحت بخلق إحساس مرهف عند المشاهد نتيجة لعبة الظل مع الضوء في اللوحة بحيث جعلت المشاهد يشعر بوجود روح حية داخل العناصر التي تشارك في الموضوع اﻷصلي للوحة . وكذلك فإن ليوناردو دافينشي هو أول من دمج بين عناصر الطبيعة والعواطف البشرية في لوحاته بهدف الحصول على بيئة روحية متكاملة في اللوحة ، والتي ساهمت بشكل كبير في ظهور نظريات علم النفس ، فحسب رأيه فإن الإعتماد على الحقيقة في التعبير الفني يمكن من خلالها الوصول إلى الجمال الحقيقي ، أما الإعتماد على الجمال في التعبير الفني فإنه سيؤدي إلى تشويه جمال الخلق.

 أما في مجال اﻹختراعات ، فكان دوره هو محاولة حل المشاكل التي عجز عن حلها الآخرون في الطيران ، الغطس ، الرفع. .إلخ ، فهو حاول وضع قوانين علمية لكي تعمل هذه اﻵلات ،فهو يقول في مذكراته عن تلك اﻷبحاث ( من لا يفهم بالرياضيات ليس مضطر بمتابعة قراءة ملاحظاتي وأبحاثي) فحسب رأيه كل اﻹختراعات تحتاج إلى حسابات رياضية دقيقة لتعمل وتحقق هدف صنعها. وهكذا كانت نظرته إلى الكون ، فكل شيء يحدث به لا يتم صدفة ولكن يتبع قوانين رياضية دقيقية جدا. وهدف الأبحاث العلمية هو إكتشاف هذه القوانين.

 ببساطة يمكن القول أن ليوناردو دافينشي ربما لم يكتشف شيئا جديدا، ولكنه بحث في كل ما عجز عنه اﻷسبقين ، وإستطاع أن يضع لها طريقة علمية جديدة في البحث ليتمكنوا من تطبيق تلك الفكرة واقعيا ، فكثيرون من قبله حاولوا الطيران ولكن ليونادو دافينشي هو أول من وضع قوانين رياضية لا تسمح فقط بتطبيق الفكرة بشكل واقعي ولكن أيضا تسمح بتطويرها لتصل شيئا فشيء إلى أفضل أشكالها. وهكذا تماما كان دور ليوناردو دافينشي في جميع المجالات العلمية.

 من المعروف عن ليوناردو دافينشي أنه لم ينهي أي عمل قام به، وكثير من أعدائه إستخدموا سلوكه هذا لطعنه والتقليل من أهمية شخصيته ، ولكن من يتعمق في فهم سلوكه سيكتشف مدى سمو روح ليوناردو التي ستجعله في مرتبة عالية بين القديسين واﻷولياء ، فهو عاش 67 عام ، ورغم جماله الشديد الذي بواسطته كان بإمكانه أن يغري أجمل وأغنى النساء من حوله ليشبع شهواته ، لكنه ظل عفيفا طوال حياته يبحث في طبيعة المرأة ليجعل الرجال يشعرون باحترام نحوها ، وهذا ما دفع البعض من غيرتهم أن يتهموه بالشذوذ الجنسي ولكن جميع إثباتاتهم فشلت في تأكيد هذه التهمة. وكذلك رغم ذكائه الحاد فهو لم يستغل هذا الذكاء في منفعة شخصية فكل ما ربحه من أموال طائلة دفعها في التكاليف الباهظة لأبحاثه العلمية ، فأهم ما يميز شخصية ليوناردو عن غيره هو أنه لم يهتم لنتائج أعماله ولكن إهتمامه كان منصبا بشكل كامل على مواصلة أبحاثه في جميع نواحي الحاجات البشرية. فمن المعروف عندما يتوصل شخص ما إلى إختراع آلة معينة يحاول أن يطبقها ويبيعها ليربح ثمرة أعماله وتعبه ، ولكن بالنسبة لليوناردو دافينشي فاﻷمر مختلف تماما ، فهو كان يبحث فيما عجز عنه اﻵخرين وعندما يصل إلى حل المشكلة يسجلها في أوراقه و يتركها ليتم تطبيقها في المستقبل ، وثم يتابع البحث في إيجاد حل لمشكلة أخرى عجز اﻵخرين عن حلها. فمن تلك الملاحظات التي تركها فتحت عيون الكثير من المفكرين ليتابعوا أبحاثه ويطبقوها بشكل عملي لتظهر اﻹختراعات المختلفة التي بدأت تظهر بعد وفاته والتي كانت تتطور بشكل تدريجي لتصل إلى شكلها الحديث كما نراها اليوم. 

 القرآن الكريم الذي نزل قبل ولادة ليوناردو بأكثر من ثمانية قرون يذكر دور ليوناردو دافينشي في تطوير الفكر اﻹنساني ، ويذكرها بطريقة لا يمكن ملاحظتها إلا بعد وصول مستوى المعارف إلى ما وصلت إليه في عصرنا الحاضر ، ليعلم المسلمون وغير المسلمين بأنه هناك مؤمنين ومرشدين في الديانات اﻷخرى وما عليهم سوى إحترام شعوبها والتعاون معهم من أجل حل المشاكل التي تعارضهم في طريقهم.

 إذا تأملنا اﻷرقام التي تتعلق بسيرة حياة ليوناردو دافينشي سنجد أنها : 1452 عام ولادته. . 52 سنة كان عمره حين بدأ رسم لوحة موناليزا أشهر أعماله. .. 67 سنة كان عمره عندما توفي.

 إذا نظرنا إلى سورة إبراهيم في القرآن الكريم وجدناها مطابقة تماما ﻷرقام تاريخ ولادة ليوناردو :

 14 -إبراهيم ( 92) - 52 .... حيث الرقم 14 هو ترتيب السورة ، والرقم 52 هو عدد آيات السورة ، أماالرقم 92 فهو القيمة البسيطة لاسم ( إبراهيم ) أي مجموع تراتيب أحرف هذه الكلمة حسب ترتيبها في اﻷبجدية العربية :

 هذه اﻷرقام المذكورة في سورة إبراهيم ليست إلا رقم عام ولادة ليوناردو دافينشي بالنسبة للديانات الثلاث اليهودية والمسيحية واﻹسلامية.

 - اليهودية : إذا وضعنا الرقم 14 إلى جانب عدد الآيات 52 فنحصل على الرقم 5214 وهو عام ولادة دافينشي حسب التقويم اليهودي.

 - المسيحية : إذا وضعنا الرقمين السابقين بشكل عكسي 1452 هو عام ولادة دافينشي في التقويم المسيحي 

 - اﻹسلامية : إذا ضربنا هذين الرقمين / 14X52 / حصلنا على الرقم 728 وإذا أضفنا إليه القيمة الرقمية لاسم إبراهيم 92 أصبح الناتج

 لنذهب اﻵن إلى السورة التي تلي سورة إبراهيم وهي سورة الحجر لنثبت بأن اﻷرقام التي ذكرناها هي فعلا تقصد ليوناردو دافينشي وليس شخصا آخر يحمل نفس اﻷرقام ، فما دامت سورة إبراهيم هي علامة على عام ولادة ليوناردو دافينشي ، وجب على أرقام سورة الحجر أن تطابق أرقام حياته ، أرقام سورة الحجر هي : 15 - الحجر ( 45 ) - 99

 حيث الرقم 15 ترتيب السورة ، الرقم 45 القيمة البسيطة لكلمة ( الحجر ) حسب ترتيب أحرفها في اﻷبجدية العربية أي :

 الرقم 99 هو عدد آيات السورة.

 اﻵن إذا وضعنا رقم الترتيب بجانب رقم عدد اﻵيات أي ( 1599) سنحصل على رقم القيمة الرقمية ﻻسم ليوناردو دافينشي بالكابالا اليونانية والتي هي لغة اﻹنجيل. ويمكن حسابه كما يلي :

 وهكذ نجد أن قيمة كلمة ليوناردو هي ( 676 ) بينما (دا ) هي (351) وكلمة فينشي هي ( 572 ) فيكون مجموع هذه اﻷرقام هو العدد (1599) ، أي نفس الرقم المذكور في سورة الحجر ، اﻵن إذا أخذنا أرقام سورة الحجر كفترة زمنية ، نجد أنها تطابق تماما أرقام حياة ليوناردو دافينشي ، وذلك إذا إستخدمنا دورة الكواكب اﻷولى حول الشمس :

 - الكوكب اﻷول عطارد يدور ( 99) مرة حول الشمس ( سنة عطاردية ) في فترة زمنية قدرها ( 24 سنة ) وهو عمر ليوناردو دافينشي عندما رسم أول تخطيطاته ووضع عليها ﻷول مرة تاريخ تنفيذها .

 - الكوكب الثالث اﻷرض يدور 15 دورة حول الشمس ( سنة أرضية ) في فترة 15 سنة

 إن شاء الله بعد نشر حكاية أم ليوناردو دافينشي وأخذ فكرة أوضح عن دور ليوناردو دافينشي في عصر النهضة سنتابع شرح بقية السور القرآنية (الكهف، الحجرات، النصر ) التي تتكلم عن ليوناردو دافينشي والتي تؤكد بأن الله يرسل مرشدين وهولاء من شعوب وأديان مختلفة ، ليجددوا المفاهيم الدينية والعلمية لتتابع اﻹنسانية تطورها لتصل إلى الكمال.

 ما أطلبه من القراء اﻷعزاء عدم التسرع في رفض فكرة أن ليوناردو دافينشي هو أحد المرشدين ، ولكن أن يعيدوا قراءة القسم الرقمي في مقالي هذا وأن ينتظروا بقية اﻷدلة القرآنية التي سأحاول نشرها في المقالات القادمة بإذن الله.

وسوم: العدد 660