من حصاد رمضان
حين تُصفَّدُ شياطينُ الجن في رمضان تنكشف مصادر الشر في الدنيا؛ أولئك هم شياطين الإنس، مثيرو الحروب، ومعذبو الشعوب.
♦ ♦ ♦
من مكتبة رمضان:
(النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان)
هذا كتابٌ يَتتبَّعُ حياةَ النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان مُرتَّبة حسب السنوات.
فهو يجيب على سؤالين:
• كم رمضانَ صام عليه الصلاة والسلام؟
• وما صنع في كل رمضان من تلك الرمضانات؟
وقد قلت فيه:
إن أردتَ الصفاء بعض زمان
والضياء الموفور فوق مكانِ
وأردت الأنوار تغمرُ نفسًا
وتفيض السرور في الوِجْدانِ
فدع الهم ساعة وتأمل
في حياة (النبيِّ في رمضانِ)
وهو مطبوع، ومنشور كذلك في صفحتي في موقع الألوكة.
♦ ♦ ♦
من مكتبة رمضان:
(منجزات علمية في رمضان).
جاء في مقدمته:
"لما رأيتُ مَن يَميلُ إلى الدَّعَة في هذا الشهر الفضيل، ويغلب عليه فيه التواني والتراخي - أحببتُ أن أُذكِّرَ بما كان للعلماء في هذا الشهر من الإنجازات العلمية، مُثْبتين بذلك أن الصيام والقيام لا يمنعان أبدًا من العمل حتى لو كان عملاً ذهنيًّا شاقًّا مُجهِدًا..."؛ ينظر: "الألوكة" في مقالاتي المنشورة هناك.
♦ ♦ ♦
من مكتبة رمضان:
(وداع رمضان) للشيخ أبي الفرج ابن الجوزي البغدادي.
وقد يسَّر الله تحقيقَه على ثلاث نسخ: من السليمانية، والاسكوريال، وجامعة الملك سعود.
وهو منشور في الألوكة.
وجهَّزته الآن لطبعة أخرى بعد حصولي على نسخة يمنيَّة.
♦ ♦ ♦
خاطرة رمضانية:
يدعو بعض الأئمة في قنوت الوتر ويكرر:
اللهم تقبَّل منا صيامنا
اللهم تقبل منا قيامنا
اللهم تقبل منا قرآننا
اللهم تقبل منا أعمالنا...
ولا أَكتُمكم أني أشعرُ بشيء من عدم الارتياح لهذا التفصيل؛ وقد رأيتُ إبراهيم الخليل وإسماعيل دعَوَا ربهما فقالا: ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ﴾ [البقرة: 127] ولم يَذكُرا عملاً، وهذا أقرب إلى الإخبات وعدم رؤية العمل.
وليت شعري: فهل يُعدُّ عملُنا عملاً؟!
♦ ♦ ♦
خاطرة رمضانية:
لعلَّ من أسرار قول الله تعالى في الحديث القدسي: ((الصوم لي، وأنا أجزي به)) - أي: جزاءً غير محدود - أن رمضان شهرُ الصبر، و﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب ﴾ [الزمر: 10].
وهذا المعنى قاله الغزالي رحمه الله، ونصُّه: "قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب ﴾ [الزمر: 10]؛ فما من قُرْبة إلا وأجرُها بتقدير وحساب إلا الصبر، ولأجل كون الصوم من الصبر، وأنه نصف الصبر؛ قال الله تعالى: ((الصوم لي، وأنا أجزي به))، فأضافه إلى نفسه من بين سائر العبادات"؛ يُنظَرُ: "الإحياء" (33/12).
♦ ♦ ♦
خاطرة رمضانية:
رمضان والقرآن مقترنان، ولهما في تاريخ الإسلام والأمة تراثٌ كبير، وذكر كثير، وقد درج الصائمون على تلاوة القرآن في رمضان مرات.
وأحبُّ أن أقترحَ هنا أن نقوم بختمة نبدأ بها من رمضان هذا، وننتهي منها في رمضان القادم إن شاء الله، ونسميها:
(ختمة العمل)
وتكون طريقتنا فيها الوقوفَ عند كل آية فنتأمَّلُها، ونقرأ تفسيرها في (التفسير الميسر) أو (المنتخب) أو (المعين).
ثم نقف ونسأل أنفسنا عن حظنا من هذه الآية، وواجبنا الذي تُمليه علينا، ثم نقوم بتطبيق ما فيها من أوامر، وننتهي عما نهتْ عنه من نواهٍ.
ونُعمِّمُ هذا على أسرتنا.
ومن المفيد جدًّا أن نُخصِّصَ دفترًا نكتب فيه الأوامر والنواهي، والتوجيهات والتنبيهات، إنَّ لدينا أعظمَ كتاب، ولم أرَ تقصيرًا في حقٍّ كتاب كما هو تقصيرنا في حقِّه، والله المستعان.
♦ ♦ ♦
خاطرة رمضانية:
النبي يوافق ربَّه.
ذكر أبو الفرج ابن الجوزي البغدادي (ت ببغداد سنة 597) في كتابه (منهاج القاصدين ومفيد الصادقين) - وهو اختصار لإحياء علوم الدين وتنقيحٌ له وزيادةٌ عليه، وطُبع من قريب في دمشق - ذكَر للصيام تسعَ سُنن، وقال:
(السادسة: الجودُ في رمضان، وفعل المعروف، وكثرة الصدقة؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن في الصحيحين من حديث ابن عباس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ بالخير من الريح المرسلة، وكان أجودَ ما يكون في رمضان".
ويظهر في هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم وافق ربَّه عز وجل في الكرم، فإنَّ آثاره تظهر في رمضان أكثر من غيره؛ لكثرة العتق، وعموم الغفران).
ولم أجد هذا المعنى في "الإحياء" في هذا الموضع؛ فهو من إضافة الشيخ ابن الجوزي.
♦ ♦ ♦
الوزير ابن هُبَيْرةَ وليلة القدر:
قال الوزير العالم الصالح عون الدين يحيى بن هبيرة الدوري البغدادي الحنبلي المتوفى سنة (560 هـ):
"الصحيحُ عندي أن ليلة القدر تنتقل في أفراد العشر؛ فإنه حدثني من أَثِقُ به أنه رآها في ليلة سبع وعشرين، وحدثني أمير المؤمنين المقتفي لأمر الله أنه رآها.
فأما أنا فكنت في ليلة إحدى وعشرين - وكانت ليلة جمعة - وواصلت انتظارها بذكر الله عز وجل، ولم أَنَمْ تلك الليلة، فلما كان وقت السَّحر - وأنا قائم على قدمي - رأيتُ في السماء بابًا مفتوحًا مُربَّعًا عن يمين القبلة - قدَّرتُ أنه على حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم - فبَقِيَ على حاله وأنا أنظر إليه نحوَ قراءة مائة آية، ولم يزَل حتى التفتُّ عن يَساري إلى المشرق؛ ﻷنظرَ هل طلع الفجر؟
فرأيتُ أولَ الفجر، فالتفتُّ إلى ذلك الباب فرأيتُه قد ذهب، وكان ذلك مما صدق عندي ما رأيت، فالظاهرُ من ذلك تنقُّلُها في ليالي الأفراد في العشر، فإذا اتفقت ليالي الجمع في الأفراد فأجدر وأخلق بكونها فيها".
وفي رمضان هذا لن يكون لدينا ليلةُ جمعة وترٍ سوى ليلة الجمعة القادمة، فليستعدَّ مَن يحبُّ.
♦ ♦ ♦
لقطات رمضانية:
انسحب إمامنا بعد ثماني ركعات من التراويح، وتقدم المؤذن (البنغالي) ليُصلِّي الوتر، الإمام الأصلي يصلي ركعتين وركعة، وهذا وصَلها من غير إشعار، فاضطرب المصلُّون! وخلفَنا نساء لا يَرَيْنَ الإمام، فاضطرَبْنَ كذلك! ثم قنَت بعد الركوع جهرًا (وهو حنفيٌّ)، ودعا بقوله:
اللهم اهدِنا فيمن هديت، ثم قال من غير مقدمات:
(اللهم نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم)!
فمَن يَقصد؟! وعلامَ يعود الضمير؟
وآخر جملة قالها قبل تلك الجملة؛
(تباركتَ ربنا وتعاليت)!
ثم قال:
(رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا)
من غير ذِكر للوالدَين أيضا.
ثم شرَّق وغرَّب...
وكأنه يَستجدي انفعال المصلين خلفه ليتَصارخوا بقولهم: آمين؛ مما يُعطيه شعورًا بالنجاح والانتشاء!
وسمعتُ آخرَ يكرر في القنوت:
(اللهم أهلك عدوَّنا) ثلاث مرات من غير سِياق مناسب، ولا سِباق راتب، ولا أدري مَن يقصد بالعدو هنا!
وقلت لإمام: لِمَ لا تكتفي بالقنوت الوارد؟
فقال: لأن الناس اعتادوا عليه، ألا تَسمع صوتهم بآمين خافتًا، إلى أن أضيف عليه؟
وبعضهم يُطيل ويطيل حتى لا يَجد ما يدعو به فيتنحنح ليُغطِّي على محاولته التذكر، وقد يقول: يا رب، ويمطُّها إلى أن يتذكَّر، وقد لا يتذكَّرُ فيُعيد ما قاله.
وبعضهم يدعو بـ: اللهم إنا عبيدك أبناء إمائك... إلخ.
والناس خلفه لا يَدرون ما يقولون.
وبعضهم يدعو على المسلمين من حيث لا يدري.
وبعضهم لا يفتأ يكرر: اللهم تقبل منَّا صلاتنا، وصيامنا، وقيامنا، وقرآننا، وصدقاتنا...
ويوشك أن يَذكر ما لا يذكر، ويُنادي مَن خلفه بعنف: آمين، وكأنهم يَمنُّون على الله بأعمالهم المعلولة المدخولة تلك!
وبعضهم قال: اللهم تقبَّل منا كلَّ شيء!
ويخرج رمضان والحال هو هو، وضعفُ المسلمين في ازدياد، وحالهم يتراجع، ولا نرى مِن أثرٍ للدعاء المهرجاني ذاك!
تُرى هل يعبأ الله بنا ونحن بهذه الفوضى والابتداع؟
يا دوائرَ الشؤون الإسلامية، أما مِن حلٍّ لهذه المشكلة؟
♦ ♦ ♦
ليلة رمضانية في حلب:
الشيخ أحمد الترمانيني الأزهري شيخ حلب في النصف الثاني من القرن الثالثَ عشر الهجري، جمع بين عِلم حلَب والقاهرة، وتمثَّل بأخلاق السلف، فكان سراجَ العلم والعمل والإرشاد في الخلف.
وُلد سنة 1208 في قرية ترمانين من قرى حلب، ودخل حلب وله ستُّ سنين، ورحل إلى الأزهر وعمره 22 سنة، وأقام فيه 13 سنة، وحصَّل ما لم يُحصِّلْه غيرُه، وآلت إليه مشيخة حلَب بعد وفاة أخيه مفتي الشافعية سنة 1250 إلى وفاته سنة 1293.
واليوم يُضرَبُ به المثل عند أهلها، فيُقال لمن يدَّعي العلم: كأنه يرى نفسه الشيخ الترمانيني.
كانت حياتُه مقصورةً على التعليم، والتدريس: الخاص والعام، والإفتاء، والتوجيه، والنصح والإرشاد.
وما كان يَغشى أحدًا من رجال الدولة العثمانية، ولا يُلبي دعوةَ أحد من الكبراء، إلا دعوة واحدة ألحَّ بها والي حلب جودت باشا على الإفطار عنده في رمضان، ولا بد أن الوالي استعدَّ لقدوم الشيخ استعدادًا كبيرا، وأن القصر ومَن فيه اهتزَّ لمَقْدمه، ولا ندري هل جاء راكبًا فخالَفَ عادتَه أيضًا، أم ظلَّ على منهجه من عدم الركوب والتنقل ماشيًا؟
ولما حضر وحان موعد الإفطار وُضعَت (الشوربا) أولاً على العادة المتبعة، فتناول مِنها لُقَيمات، ثم قاموا إلى صلاة المغرب، وبعد أن فرَغوا منها دُعِي الشيخ إلى المائدة ثانيًا - ولا بد أنها كانت مائدة عامرة فاخرة، زاخرة بروائع المطبخ الحلبي، وأطايبِه وعجائبه - فقال الشيخ: أما تعشينا؟ فقالوا له: تلك مقدمة الإفطار.
فقال: لا، قد اكتفينا.
ولم يأكل سوى ذلك، ولا يَملك أحدٌ مراجعة الشيخ، وربما كان الشيخ قليلَ الأكل حقًّا، وربما أراد التورُّعَ عن طعامٍ لا يتَيقَّنُ حِلَّه، فاكتفى بلقيمات لا تُقيم صلبًا، ولا تُنبت جسمًا، ولا تغذي لحمًا.
وقد سكت الرواة عن تفصيل الخبر؛ أجلَس الشيخ أم غادر؟ وهل تعشى الآخرون، أم اضطروا لموافقته؟ وهل صلَّى التراويح في القصر، أم عاد إلى بيته الذي تعوَّد أن يدخله بعد فراغه من دروسه عصرًا فلا يخرج منه إلى الصباح؟
قال الكاتبون عن سيرته:
"ولم نسمع أنه أجاب دعوةَ أحد من الكبراء غير هذه، ولعله أجابَ دعوة الوالي جودت باشا؛ لأنه كان من العلماء".
وقد كانت إجابتُه بعد جهدٍ جَهيد، وكان أكله كما رأيت، رحم الله الشيخ الزاهدَ العابد الورِعَ الصالح المفنن أحمد الترمانيني؛ لقد كان صورةً جميلة مِن عصر مضى!
وسوم: العدد 674