خواطر من الكون المجاور.. الخاطرة 96 : حقيقة قصة نوح الجزء 4

في المقالات السابقة ذكرنا أن قصة نوح عليه السلام في العصر الحديث وبسبب اﻹكتشافات العلمية الأخيرة قد أصابها تعديلات لتلائم الحقائق العلمية الجديدة ، واليوم إذا بحثنا في الكتب والمقالات ومواقع الإنترنت سنجد أن قصة نوح بشكل عام توجد بنسختين ، نسخة ذات أحداث تطابق تماما النسخ القديمة ، ونسخة جديدة معدلة. ورغم أن النسختين لهما مصدر واحد وهو الكتب المقدسة ولكن مضمون كل نسخة مختلف تماما عن النسخة اﻷخرى ، والغريب في اﻷمر أنه في النسخة الجديدة رغم إستخدام المعارف والعلوم في كشف حقيقة قصة نوح ولكنها بدلا من أن تجعلها أغنى في المضمون لتساهم في تنمية العلوم روحيا نراها قد تحولت إلى قصة فقيرة سطحية لا هدف لها سوى الترهيب والتخويف في عصر حيث أن إستخدام أسلوب التخويف والترهيب لم يعد يناسب نهائيا التكوين الروحي للإنسان المعاصر وخاصة أن الملحدين وكذلك أولئك الذين يشكون بوجود الله قد أصبحت نسبتهم عالية جدا بين العلماء، فأسلوب التخويف والترهيب يعتبر مناسبا في توجيه اﻷطفال حتى سن المراهقة ، ولكن بعد سن المراهقة فإن أسلوب التخويف والترهيب يخسر أهميته كثيرا. لذلك نجد أن قصة نوح كما هي في النسخة القديمة قامت بدورها على أكمل وجه في العصور القديمة ﻷن اﻹنسانية في ذلك الوقت كانت تعيش في مرحلتها الطفولية ، ولكن اليوم حيث وصلت اﻹنسانية إلى مرحلة سن البلوغ ولهذا السبب في كل اﻷحوال قد حققت تقدما كبيرا في العلوم والتكنولوجيا ،فإن طريقة التخويف والترهيب لم تعد مجدية في توجيه وضبط سلوك اﻹنسان ، وهذا يعني أن تعديل قصة نوح لتناسب الحقائق العلمية قد سلب منها هدفها التوجيهي.

هل من المعقول أن تخسر قصص الأنبياء أهميتها وفائدتها مع تقدم العلوم كما حصل مع قصة نوح ؟ لو أن هذه القصص من تأليف إنسان لكان الجواب على هذا السؤال يمكن حدوث ذلك ، ولكن هذه القصص هي من وحي الله عز وجل الذي يعلم كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون الفسيح ، وهذا يعني أن تعديل قصة نوح كما حصل في السنوات الأخيرة كان بجهة غير صحيحة والسبب هو إعتماد العلماء في تعديل القصة على الرؤية المادية فقط ، حيث هذه الرؤية إعتمدت على المعنى الحرفي ﻵيات القرآن الكريم ، وﻷن المعنى الحرفي البحت يجعل قصة نوح كما هي في القرآن تختلف كثيرا عما هي في التوراة لذلك نجد أن العلماء الذين قاموا بتعديل قصة نوح لتتوافق مع الحقائق العلمية قد شنوا في نفس الوقت هجوما قاسيا ضد التوراة فإتهموها بالكذب والخرافات دون أن يحسبوا أي حساب للآية القرآنية التي تذكر ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا. ... ) فعلماء اﻹسلام في بداية ظهور اﻹسلام إستعانوا بالتوراة ليكتبوا قصص الأنبياء كاملة ، فسلوك العلماء القدامى هذا يدل على إستخدامهم الرؤية الشاملة في بحثهم الفكري لذلك كانت نتيجة هذا السلوك الحميد هو ولادة وإزدهار الحضارة اﻹسلامية ، ولكن اليوم وبسبب إعتماد الرؤية المادية نجد أن ما يحدث هو على العكس تماما حيث نجد أن كل شيء يسير نحو اﻹنحطاط الروحي وزيادة اﻹلحاد.

قبل أن نشرح رموز قصة نوح سنحاول الشرح بشكل سريع عن معنى الرؤية الشاملة ﻷن أهم عبرة وضعها الله في قصة نوح هي ( مبدأ الشمولية ) وهذا المبدأ هو المضمون الحقيقي لقصة نوح. علماء العصور السابقة ربما عقليا لم يفهموا هذا المبدأ ليشرحوه بشكل ظاهري ، ولكن روحهم إستطاعت أن تأخذه لتجعل من سلوكهم في البحث يأخذ هذا المنحى ، وطبعا هناك آيات قرآنية و أحاديث شريفة ساهمت في تنمية مبدأ الشمولية في فكر العلماء ونذكر مثال على ذلك الحديث الشريف ( إطلبوا العلم ولو كان في الصين ) حيث مضمون هذا الحديث يحمل في معناه أن الشعب الصيني هو أيضا من سلالة نوح وأن هذا الشعب قد أخذ معه جزء من الحكمة اﻹلهية التي وضعها الله في هذه السلالة، لذلك نجد القرآن الكريم أيضا يذكر ( ...نذير )، لذلك يجب على كل مؤمن تنمية عاطفة اﻹخاء والتعاون بين الشعوب لتستطيع اﻹنسانية جمع هذه اﻷجزاء المشتتة في أنحاء العالم لتأخذ الحكمة اﻹلهية عظمتها وقوتها لتساهم في وصول اﻹنسان إلى الكمال الروحي والجسدي.

اﻵن لنتابع رموز قصة نوح خطوة خطوة ، إسم نوح له معنى ( إستراحة )، ما هي الحكمة في هذا اﻹسم ، أو باﻷحرى ما علاقة معنى إسم نوح ( إستراحة ) بقصة نوح ، للإجابة على هذا السؤال وفهم هذه العلاقة يجب علينا ربط رموز نوح في التوراة مع رموز نوح في القرآن، في التوراة نجد أنه قبل ذكر ولادة نوح يتم ذكر نسل سلالة قابيل ( قايين) ، حيث يتوقف الكلام عن هذا النسل مباشرة بعد ولادة أبناء لامك ، ولكن أيضا والد نوح له نفس اﻹسم لامك. ومع نوح يحدث الطوفان ليقضي على جميع سكان اﻷرض ( حسب نسخة التوراة ) ، وكأن ظهور نوح هنا كان سببا في القضاء على نسل قابيل. هذه الفكرة أيضا موجودة في القرآن ولكن بشكل رمزي ، فسورة نوح لها الرقم V l وهو الرقم المعاكس شاقوليا للقيمة الرقمية ﻹسم قابيل ( قايين ) ا Λ في اللغة اليونانية :

أهم حدث في حياة قابيل هو قتل أخاه هابيل ، أي أن رمز قابيل هو الموت، عكس الموت هو الحياة. من هذه الرموز الموجودة في التوراة والقرآن الكريم تدلنا على أن نوح هو رمز الحياة ، ولكن هنا ما هي العلاقة بين معنى إسم نوح ( إستراحة ) ورمز ( الحياة ) ؟ حتى نفهم العلاقة بين المعنيين ، لنتمعن جيدا بلفظ إسم ( نوح ) كما يكتب عالميا (NOAH) أي ( نواه ) . النواة كما هو معروف عنها في علم الحياة هي دماغ الخلية أو باﻷحرى هي العقل المدبر حيث تحدث فيها جميع النشاطات الحيوية كتغذية والتكاثر. فالحكمة اﻹلهية أعطت إسم نوح معنى(إستراحة ) ﻷن ولادة الحياة معناها ظهور ﻷول مرة عملية التصنيع الذاتي ﻷن المادة الحية لها القدرة على إستنساخ نفسها ، أي أنها تستطيع تصنيع نفسها عن طريق التكاثر وتغذية نفسها بنفسها ، وهذا يحمل في داخله معنى (اﻹستراحة )، والمقصود هنا هو (إستراحة الخالق).

اﻵن لننتقل إلى سفينة نوح ، التوراة في سفر التكوين تذكر أبعاد هذه السفينة ، طولها 300 ذراع ، عرضها 50 ذراع ، إرتفاعها 30 ذراع ، قد يتساءل البعض ما علاقة هذه اﻷرقام بالحياة والنواة ، حتى نستطيع رؤية علاقة ما بين أبعاد السفينة ورمز الحياة ، لابد أن نذكر أن الكتب المقدسة تستخدم نوعين من اﻷذرع ، الذراع الملكي ويعادل (52،5سم ) والذراع العادي ويعادل ( 45،8 سم ) وكما ذكرنا في المقالة الماضية أن أبعاد السفينة التي وجدت على جبل الجودي في تركيا كانت لها نفس أبعاد سفينة نوح عند إستخدام الذراع الملكي كوحدة قياسية ، أي أن أرقام المذكورة في التوراة هي أذرع ملكية وليست أذرع عادية ، فإذا حولناها أبعاد السفينة من أذرع ملكية إلى أذرع عادية ، سنجد أن طولها يعادل 344 ذراع عادي وعرضها يعادل 57 ذراع عادي ، حاصل مجموع الرقمين هو 401 وهو القيمة الرقمية لرمز الحياة DNA باللغة اليونانية ΝΤ. Ν. Α حيث:

قد يعترض البعض ويقول لما تستخدم اللغة اليونانية ؟ جميع قراء صفحة عين الروح يعلمون أنني أستخدم لغتين فقط هما العربية ﻷنها لغة القرآن الكريم و اللغة اليونانية ﻷنها لغة اﻹنجيل ، الحكمة اﻹلهية تستخدم هاتين اللغتين بشكل عام في حل رموز الكتب المقدسة للديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية واﻹسلامية.

لنذهب ونتمعن في بنية الـDNA لنرى فيما إذا كانت تحوي شيئا من رموز قصة نوح. فكما تذكر التوراة بأن السفينة تتألف من ثلاثة طوابق ، أيضا الوحدة البنائية (نيكليوتيد ) في الـDNA تتألف من ثلاثة طوابق ( أساس + سكر + فوسفات ) .

القصة في التوراة تذكر أن ركاب السفينة كانوا أربع رجال وأربع نساء ، نوح وزوجته وأبنائه الثلاثة وزوجاتهم ، الوحدة البنائية (النيوكليوتيد) أيضا تحوي على أربع أنواع من اﻷسس ، ( اﻷدنين A ، الثيمينT، الغوانينG والسيتوزين C ) وبما أن الـDNA تتألف من ضفيرتين ، حيث في كل ضفيرة توجد اﻷنواع اﻷربعة من اﻷسس عندها تكون هذه اﻷسس اﻷربعة في الضفيرة اﻷولى رمز للذكور ( نوح ، سام ،حام ،يافث ) وفي الضفيرة الثانية رمز للإناث ( زوجاتهم )، في القرآن الكريم نجد وجود بعض الاختلاف ، حيث نجد أن زوجة نوح وإبنه قد غرقا مع الطوفان ،سنعود بعد قليل لنشرحالحكمة اﻹلهية في هذا اﻹختلاف.

لنأخذ المكونات الثلاثة للوحدة البنائية في الـDNA (أساس - سكر - فوسفات ) كل على حدة قبل إتحادها مع بعضها البعض ونتمعن في تركيبها الكيميائي ونحسب الكتلة المولية ( الوزن الذري ) لكل مركب :

- الفوسفات وتركيبها الكيميائي هو P O4 H2 وكتلته المولية تعادل 97

- السكر (ريبوز منقوص اﻷكسجين ) وتركيبه الكيمائي هو C5 O4 H10 وكتلته المولية تعادل 134

- اﻷسس اﻷربعة : - اﻷدنين : وتركيبه الكيميائي هو N5 C5 H5 وكتلته المولية تعادل 135

- ثيمين : وتركيبه الكيميائي هو N2 C5 O2 H6 وكتلته المولية تعادل 126

- غوانين : وتركيبه الكيميائي هو N5 C5 O H5 وكتلته المولية تعادل 151

- سيتوزين : وتركيبه الكيميائي هو N3 C4 O H5 وكتلته المولية تعادل 111

هذه المواد العضوية تتحد مع بعضها لتكوين الوحدة البنائية ( النيوكليوتيد ) في الـDNA بالشكل الثلاثي ( أساس + سكر + فوسفات ) ، جميع النيوكليوتيدات لها هذا الشكل والذي يتغير في كل النيوكليوتيد هو اﻷساس فقط. أي لدينا أربع أنواع من النيوكليوتيدات وهي :

أيضا نجد أن الكتلة المولية للمجموعة الثانية ( أدنين - ثيمين ) تعادل تقريبا نفس القيمة (723).

أي أن سلم الـDNA الذي يتألف من ضفيرتين تلتفان حول بعضهما البعض بشكل حلذوني هما عبارة عن تتابع سلسلة إسم نوح رقميا.

رموز قصة نوح تعطينا فكرة عامة عن طبيعة تكوين اﻹنسان الكامل ، فسفينة نوح وبما تحتويها هي في الحقيقة رمز اﻹنسان الكامل كما خلقه الله ﻷول مرة ، أي قبل أن يرتكب تلك الخطيئة التي أخرجته من الجنة ، فنوح هنا هو رمز آدم أبو البشرية كما خلقه لأول مرة ، وتلك المميزات التي يمتلكها توزعت إلى ثلاث مجموعات حيث كل إبن أخذ رمز أحد هذه المجموعات الثلاث ، وجميع هذه المميزات بدورها توزعت على جميع أزواج أنواع الحيوانات. أي أن سفينة نوح لم تحمل أي حيوان معها ﻷن كل زوج من الحيوانات هو رمز لميزة معينة تخص نوع من الحيوانات، فالميزة المسؤولة عن تعلم حركات الجسم مثلا ، موجودة في القرد ، والميزة المسؤولة عن نطق اﻷحرف موجودة في الببغاء ، والميزة المسؤولة عن اﻹخلاص في الحياة الزوجية موجودة في اليمامة، والميزة المسؤولة عن تحمل العطش موجودة في الجمل ،وهكذا. ... أي بمعنى أخر أن خروج اﻹنسان من الجنة أدى إلى تشتت جميع هذه الميزات ، فذهبت كل ميزة إلى نوع من الكائنات الحية ، لذلك وجب تطور هذه اﻷنواع من الحيوانات لتتخلص الميزة من جميع الشوائب وتأخذ شكلها المثالي فتوزعت هذه الميزات إلى ثلاث مجموعات : كائنات بحرية وكائنات يابسة وكائنات جوية وراح كل نوع من كل مجموعة يطور الميزة التي تخصه ، وعندما وصلت هذه الميزات إلى شكلها المثالي ، راحت تتجمع مع بعضها ،بأكبر عدد ممكن من هذه الميزات وعندها سمحت في ولادة اﻹنسان. لذلك كل شعب يظن نفسه أنه كامل وأنه أرقى من الشعوب اﻷخرى وأنه ليس بحاجة لهم ، فشعوره هذا ناتج عن عمى روحي ، وأن إستمرار هذا التعصب في سلوكه سيدفع شعبه بنفسه إلى أسفل السافلين، ﻷن كل شيء لا يتطور إلى الكمال مصيره اﻹنقراض ، هذا هو قانون الخلق.

سفينة نوح كما شرحنا في اﻷسطر أعلاه. هي رمز الـDNA فداخل هذه المادة الحية يوجد نوح وداخل نوح يوجد أولاده الثلاث وداخل هؤلاء يوجد جميع أزواج أنواع الحيوانات. حيث كل نوع يمثل ميزة معينة من ميزات الإنسان الكامل. في النسخة القرآنية نجد أنه لا توجد زوجة نوح في السفينة ﻷن نوح هنا هو رمز آدم اﻷول أي قبل إنقسامه إلى آدم وحواء ، وكذلك نجد وجود إبن رابع لنوح وهو الذي غرق في الطوفان ( ....ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن من الكافرين * قال ساوي إلى إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ) أي أن الذكور في عائلة نوح حسب النسخة القرآنية عددهم 5 وليس 4 ، لذلك نجد أن اﻷساس في الخلية هي أيضا 5 وليست أربعة فهناك أساس خامس وهو اليوراسيل الذي يحل محل ( الثيمين ) في تركيب الـRNA. وهذا اﻹبن يمثل رمز لقابيل الذي قتل أخاه هابيل،

قصة نوح كما هي في التوراة حسب المعنى الحرفي للقصة ستبدو في عصرنا الحاضر وكأنها قصة خرافية بعيدة عن الحقائق العلمية ولكن بناء على مفهوم رموزها بشكل عام فهي تشرح لنا ظهور الـDNA وتركيبه وتشرح بشكل دقيق المبدأ الذي يعتمد عليه قانون تطور الحياة ، والذي يخالف نهائيا مبدأ تطور الحياة في نظرية داروين ، بينما قصة نوح في القرآن الكريم فهي تأتي وتعطي النسخة التوراتية شكلها الواضح وبنفس الوقت تحولها إلى قصة تاريخية واقعية تكشف لنا ما حدث في منطقة حوض البحر اﻷسود قبل ثماني آلاف عام. ..وإن شاء الله سنشرح الشطر الثاني الواقعي من قصة نوح في الأسبوع القادم.

ز.سانا

ملاحظة : النظام الرقمي ﻷحرف اللغة العربي تم شرحه في ...الخاطرة 84...

وسوم: العدد 681