خاطرة قديمة..
هذه خاطرة قديمة كتبتها منذ أكثر من سبع سنوات وما تغير شيء إلاأن الجرح اتسع وازداد إيلاما..
الوطن
غادرت دمشق و أنا لم أبلغ السادسة عشرة بعد..
لم أكن قبلها اكتب شعراً أو نثرا, بل كنت أدون يومياتي العادية كما يفعل معظم المراهقين ليشعروا بأهمية وجودهم..
كنت ارسم بالريشة و الألوان و قلم الرصاص و أعلق أعمالي المتواضعة علي حيطان بيتنا المتواضع بدون إذن من أحد..
كانت تلك مرحلة القراءة بالنسبة لي و التي بدأت في عمر مبكر مع قصص الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين. كنت أدخل مكتبة والدي في البيت و أقفل الباب خلفي و اتنقل بين صفحات الكتب المرصوصة فوق الأرفف و المتناثرة في أرجاء الغرفة في كل مكان!
أما ذلك الدكان الصغير في نهاية الشارع الذي ينحدر من منزلنا فله حكاية, كان صاحب الدكان صديق الجميع, فبالإضافة إلى عمله في بيع المواد التموينية, كان يتاجر في المطبوعات بطريقة بدائية! كنت أقايض ما قرأته من قصص و روايات و مجلات بأخرى لم أكن قد قرأتها, كان هذا يتم بالشراكة مع أخي حسان الذي يصغرني بعام, رحمه الله و غفر له و أسكنه فسيح جناته..
ثم غادرت دمشق و بقيت زمناً طويلاً أبكي في صمت, كنت أبكي ياسمينة بيت جدي, و تحلقنا حول البحرة في فناء البيت الذي كان عامراً, و خاصة في ليالي الصيف المقمرة. والحارات والجيران..
لكم استرجعت في ذاكرتي صوت تكسر أوراق الخريف تحت قدمي و أنا في طريقي إلى مدرستي الذي عادة ما كنت أتوقف أثناءه لأشتم عبير فلة أو أتفكر في تنسيق وردة, لأكمل بعده الطريق و قد امتلأت روحي بهجة و حماسة ليوم جديد..
كان هذا قبل أن أبلغ السادسة عشرة, كنت أحسب أننا "نسكن" في الأوطان التي نفقدها برحلينا عنها..
و اليوم, لم تعد لجغرافية المكان ذلك التأثير الذي كان آنذاك, لم يعد وطني أرضاً تحدها حدود تتطلب إظهار جواز السفر..
اليوم بت أعلم أن الأوطان تسكننا و لا نسكنها, و أننا نحمل الأوطان في حقائبنا و نجدها أينما تو جهنا..
نحن نرى الأوطان في كل شيء جميل, في وردة غجرية تتمايل مع نسيم الصباح, في صوت المطر يقرع الأبواب و النوافذ, في حضن أمي و ضحكة أبي, و ذكرى أخي..
لقد أودع الخالق في صدورنا قلوباً تتسع للكون و ما فيه.. فقط لو أدركنا سره..
إليكم أول ما خطت يدي بعد "فراق" الأوطان, و قد نشرتها جريدة الخليج الإماراتية في ذلك الوقت:
أغنية للحبيبة, الوطن
لو أنني أعود إليك يا بلادي
لو أنني أركب جناح طير مسافر
لو أنني غيمة تسافر
لو أنني نسمة عابرة..
تداعب زهرات الحقول..
و تضحك بالهمسة الحنون..
لطفل لم يغامر..
لو أنني نجمة في السماء
تبعث الضياء
فيشرق الفضاء
لتنير درب الثائر
لو أنني جناح..
أرفّ يا حبيبتي فأسبق الرياح
لأرتمي في حضنك الدافىء
فتزهر الحقول..و تضحك الجبال..
و يرجع المسافر
لكنها آمال..
لو أنني..لو أنني أعود
وسوم: العدد 688