لقاء الروح
وقفت أمام البحر مبتسمة بألم وقالت :
ـ أيها البحر الغامض .. ها هي نجوم السماء تتلألأ فوقك ، وكأنها عيون رقيب فضولي تحاول سبر أعماقك .. معرفة أسرارك .. ولكنك شامخ أبي أمين .. تدفن أسرارنا ولا تبوح بها .. كم أحلم لو أغرق فيك وأدفن آلامي وذكرياتي وهموم وطني فيك ..
في الحرب والشدة تظهر العلاقات الإنسانية بأسمى صورها من جهة ، وبأسوأ صورها من الجهة الأخرى ..
أيام الشدة لم تجد لها رفيقاً يواسي افتقادها لوطنها ورفيقاتها وأقربائها سوى مواقع التواصل الحديثة الالكترونية .. وبدأت تتواصل مع القاصي والداني .. منهم من ينقل لها الأخبار ومنهم من يسمعها صوت النار والبراميل والقنابل .. ومنهم من يرسل لها صور البيوت الحبيبة القديمة المهدمة .. ضاقت بها الأرض بما رحبت .. وضاقت بها نفسها التي بين جنبيها .. هي أسيرة القيود العربية .. أم وزوجة وأسيرة عادات وتقاليد ما لها في ديننا وزن .. لا تستطيع تقديم يد العون لمحتاج إلا بقدر ..
لمحت في فضاء من فضاءات الانترنت قريباً جداً بل قديماً جداً .. تذكره خيالاً لا يكاد يعرف .. شاباً طويلاً ضخماً كان يحن عليها ويحبها ويدللها كأخت صغرى .. بدأت الأرواح تتقارب .. بدأت تشعر بأن أباً روحياً دخل حياتها .. يا بنيتي لا تحزني .. لا تبالي .. اذكري المولى .. هم شهداء سبقونا إلى الجنان .. يد من زمن مضى تطبطب ، ولسان يتلو آيات من الذكر الحكيم تريح النفس والروح .. وطيف لا يريد منها سوى أن تعود إلى المحراب المقدس .. إلى الرحمن الرحيم ..
في يوم ما بدأ الطيف يبتعد .. يصغر .. ويكاد يختفي .. لقد شعرت روحه أنها قد وضعتها على الطريق القويم فآثرت البعاد بلطف كي تزيل الشبهات حولها .. كانت تردد دائماً :
ـ عالم النت عالم افتراضي لا حقيقة له ..
حتى ظهر لها شبحٌ لروح حقيقية .. ثبتت أقدامها على الطريق ثم انسحبت ..
كم من أرواح تتلاقى بأجساد متفرقة .. وكم أجساد تتلامس وأرواحها بعيدة ..
هي دنيا وسنرحل عنها .. كراسي نجلس عليها وستبقى لغيرنا ولا يبقى من أثرنا شيء إلا آثار الروح وما خطته أخلاقنا في قلوب غيرنا ..
وسوم: العدد 720