النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن
خطبة الجمعة 10 / 1 / 2014م
د. محمد سعيد حوى
﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾ [الحجرات: 7]
مع اشراقات انوار شهر ربيعٍ الانور
ليس شيء أولى بالكلام من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن أي النواحي فيه المقال؟
وقد جمع الله فيه الكمال
وألقى عليه رداء الجلال
ففاق الملائكة روحاً و نفساً
ورقت حواشيه لطفاُ و أنساً
وحاز الكمالات طهراً و قدساً
فمن ذا يقول و من ذا يبين
اطلقوا الأشواق في الآفاق
وانطقوا الأكوان بالأشواق
فلغة الحب أقوى
ولغة العقل أبقى
فليكون حديثنا عن رسول الله حديث عقل و حب
حديث فكر و قلب
حديث روح و حب
أيها الباحثون عن كمال
ارتفعوا قليلاً
حدقوا المقل
وقلبوا النظر
فإنكم واجدون الكمال ... بل كمال الكمال .. في بطل الأبطال في محمد صلى الله عليه وسلم
أيها الباحثون عن سعادة
دليلكم قريب
وشأنه عجيب
إنه الإنسان
إنه محمد صلى الله عليه وسلم
فلا تفصلوا بين الزهور و العبير
فلنجمع بين عبير الفكر و رحيق الزهر و روعة البيان
إنه محمد صلى الله عليه وسلم سيد الأكوان
سماحة نفس كروح الصَّبا
و رقة طبعا كعهد الصِّبا
وحسن بيان كزهر الربى
فمن ذا يساميه في العالمين
كم جاءت آيات عظام تحدثنا عن الرسول عليه الصلاة و السلام تعريفاً بحقوقه و صفاته و أخلاقه و مقامه؛ لنرتقي من خلال ذلك إلى مقام العبودية الصادقة في علاقتنا مع الله اقتداءً به صلى الله عليه وسلم وهو الذي خيّر فاختار أن يكون عبداً رسولاً
ولإن كانت جوانب الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتناهى و محاورها لا يحاط بها فلنتحدث عن المحور الأول :
علاقته بالقرآن
وقد كنا ابتدأنا الحدث عن القرآن و حقوق القرآن وواجبنا تجاه القرآن ولم ننته من ذلك؛ فليكن حديثنا و بمناسبة شهر ربيع الأول عن القرآن من خلال من أنزل عليه القرآن
من خلال من كان خلقه القرآن
(عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرِينِي بِخُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: " كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، أَمَا تَقْرَأُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}"
مسند أحمد، صحيح، 24601.
لقد بلغ من عظيم عناية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن :
- أنه منع تدوين غير القرآن في حياته إلا استثناء
- وأنه كان يقوم كل ليلة الساعات الطوال بالقرآن فربما قرأ في ركعة واحدة في الليل سدس القرآن كما حدّث ابن مسعود فيما أخرج مسلم و شهد له بذلك رب العالمين
﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [المزمل: 20]
يفعل ذلك امتثالاً لقوله تعال ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مُّحْمُوداً ﴾ [الإسراء: 79]
- ليكون له المقام المحمود والشفاعة العظمى؛عبودية لله، وشكراً لله، ولأجلنا، ليشفع لنا، كم هو حريص علينا إذن.
ومن عظيم عنايته بالقرآن كثرة تلاوته للقرآن امتثالاً لأمر ربه
﴿
وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾ [المزمل: 4]
ولعظيم أثر القرآن فيه كان إذا صلى فقرأ القرآن له ازيز كأزيز المرجل من شدة الخشوع
(عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ
الرَّحَى مِنَ الْبُكَاءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) سنن أبي داود، صحيح،
904 .
و هو الذي ينطبق علية قوله تعالى
﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً
مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ
وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر:
21]
- ومن عظيم عنايته به أنه كان يحب أن يسمعه من غيره كما أخرج الشيخان عن ابن مسعود قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ عَلَيَّ» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ، قَالَ: «نَعَمْ» فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الآيَةِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا}، قَالَ: «حَسْبُكَ الآنَ» فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.) صحيح البخاري، 5050.
ومن عظيم عنايته أنه أوصانا ان نتغنى بالقرآن وأن نتعاهد القرآن حتى كان يستمع
لقراءة اصحابه.
عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِأَبِي مُوسَى: «لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ،
لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ») مسلم، 793.ونحوه في صحيح
البخاري، 5048
-
من عظيم عنايته بالقرآن ان القرآن كان بالنسبة لرسول صلى الله عليه وسلم محور
الحياة كلها لقوله تعالى
﴿ فَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ
وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾ [الفرقان: 52]
- وقوله تعالى ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]، ومن هنا ندرك أن كل سنته الصحيحة عليه الصلاة والسلام هي في الحقيقة بيان للقرآن.
﴿ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ﴾ [الإسراء: 106]
﴿ كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 2]
﴿ الـر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1]
- وكان جلّ حواراته مع الآخرين بالقرآن فيأتيه عتبة بن ربيعة ليحاوره فيتلوا علية أوائل سورة فصلت
-
ولعنايته بالقرآن صلى الله عليه وسلم كانت جلّ خطبه بالقرآن وكيف لا يكون كذلك وقد
قال له ربه:
﴿ وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ
لَهُم مِّن دُونِهِ
وَلِيٌّ
وَلاَ
شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 51]
، وقال له ربه:
﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ
وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ
وَعِيدِ ﴾ [ق: 45](لذا أثر عن بعض الصحابيات أنها ما حفظت سورة (ق) إلا من النبي
لما أنه كان يخطب بها.
ولعنايته بالقرآن كان محور حياته الأسرية في بيته كلها تدور حول القرآن، لقوله
تعالى:
﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ
وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً ﴾ [الأحزاب: 34]
- ولعنايته بالقرآن كم حدثنا عن فضائله وحقوقه فأخبرنا أن لنا بكل حرف عشر حسنات، ولهذا عودة إن شاء الله.
ولعنايته بالقرآن كان محور العلم والتعليم وطريق التزكية والربانية
فجاء في ذلك آيات، فدعوة إبراهيم
﴿ رَبَّنَا
وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ
وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ
وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129]
فكانت الاستجابة الربانية ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151]
﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]
( ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون)وقال صلى الله عليه وسلم ( وَمَا اجْتَمَعَ قوم في بيت من بيوتِ اللهِ يَتْلُونَ كتابَ اللهِ تعالى، ويتَدَارَسُونَهُ بينهم إِلا نَزَلَتْ عليهم السكينةُ، وَغَشيَتهم الرحمةُ، وحَفَّتهمُ الملائكةُ، وذَكَرهُمُ اللهُ فيمن عِندَهُ، ومَن بطَّأَ به عَملُهُ لم يُسْرِعْ بِهِ نَسبُهُ» . أخرجه مسلم.
- ولعنايته بالقرآن كم اقترن اسمه بالقرآن، واقترن الأمر بطاعته بطاعة الله فيما أنزل في القرآن:﴿ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ﴾ [المائدة: 15]
- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات: 1]
- نعم كان محور الحياة والقانون والأخلاق والحكم والسياسة والعلاقات كلها القرآن :
فقال تعالى: ﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 49]، وقد نزل عليه قوله تعالى: ﴿ وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ﴾ [الإسراء: 73]
﴿ وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ﴾ [الإسراء: 74]
﴿ إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ
وَضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ﴾ [الإسراء: 75]
وقف هنا مع قوله تعالى ﴿ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ
﴾
إن أعداءنا لا يهمهم أن تقول قولاً يناسبهم بمقدار ما يهمهم أن تفتري على القرآن وتنسب له أحكاماً ليست منه.
والنبي العظيم أعظم من حمل القرآن بقوة على قدم الأنبياء جميعاً، كما قال تعالى في حق موسى: ﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ، وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الفَاسِقِينَ ﴾ [الأعراف: 144-145]
وكما قال في حق يحيى: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِياًّ ﴾ [مريم: 12]
- وارتبطت حياته صلى الله عليه وسلم بالقرآن كلها و قد قال له ربه﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 67]
فكان القرآن سجل حياة النبي صلى الله عليه وسلم كلها بل في أسرارها و خصائصها فسجلت لنا سورة الأحزاب خلجات قلبه و مشاعره وانفعالاته في قصة زيد و سجلت لنا سورة الأحزاب والتحريم علاقاته الأسرية الخاصة وسجلت لنا سورة براءة علاقاته الدولية و السياسية و الموقف من الآخرين في الداخل و الخارج، فضلاً عن بدر وأحد والخندق والحديبية ومعجزة الإسراء والمعراج، فضلاً عن أن كل حياته صلى الله عليه وسلم تطبيق دقيق لكل حرف في القرآن العظيم.
فإذا أرادت الأمة نهضة وحياة وعزاً ونصراً وقرباً من الله وارتقاءً واقتداءً وعبوديةً وفوزاً بشفاعته صلى الله عليه وسلم إنما يكون ذلك بتصحيح علاقتنا بالقرآن الكريم مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم في علاقته بالقرآن الكريم.