خطاب مؤتمر قرطبة
كلمة العلامة الشيخ محمد أبو الهدى اليعقوبي
في الجلسة الافتتاحية
لمؤتمر قرطبة التشاوري للمعارضة السورية
بسم الله الرحمن الرحيم
سعادةَ ممثلِ وزير الخارجية للدولة المضيفة
الإخوةَ والأخواتِ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نجتمع هنا والدماء تراق في بلادنا، لنحاول إنقاذ البلد من مزيد من الدمار
والخراب والقتل وسفك الدماء. نجتمع وقد جئنا من بلاد شتى رغم الاختلاف في
الآراء، لنخرج بموقف موحد يمكن أن يذهب ببعض الشتات والتفرق الذي عصف بهذه
الثورة وممثلي هذه الثورة.
لنجعلْ شعار هذا اللقاء قولَ الله تعالى في القرآن الكريم: {واعتصموا بحبل الله
جميعا ولا تفرقوا} حبلُ الله هو القرآن ... هو الحق ... ليس رجالاً ، ولا
مؤسساتٍ، ولا ائتلافا ، ولا هذا ولا ذاك ... وإنما هو الحق الذي انتفض شعبنا
للدفاع عنه والوصول إليه.
نحن نجلس هنا للتدارُسِ ... ولكن صُنّاع الثورة هم الذين يحملون البنادقَ
والمدافعَ على أرض الرباط وأرض الجهاد في سورية.
وإلى أولئك الثوار المجاهدين الشرفاء الذين انتفضوا ثانيةً أوجه قول الله
تعالى: {الذينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرََّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ
القَرْحِ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتّقَوْا أَجْرٌ عَظِيم}.
إنها ثورة بعد ثورة لتصحيح مسار الثورة.
ولكننا جميعا - سواءٌ كنا نجلس في ميادين السياسة أو في خنادق الثورة - خُدّامٌ
للشعب ، وحُراس لهذا البلد ، لا يملك أحد الوصاية على هذا الشعب مهما حمل من
السلاح أو حمل من الآراء.
الحرب ضرورة وليست تجارة
إذا لمْ تكنْ إِلا الأسِنّةُ مَركبًا فما حيلةُ المضطَرّ إلا رُكوبُها
ولن تجد شعبًا ، ولن تجد عاقلا يستطيع الوصول إلى أهدافه بالحوار والكلمة يختار
السلاح والقتل.
ورب العالمين في القرآن الكريم أخبرنا عن السلم فقال: {وَإِنْ جَنَحُوا
لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى الله}.
ولكننا ننسى أن قبل هذه الآية قولُه تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا
اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ
اللهِ وَعَدُوَّكُمْ}.
المفاوضات التي تنطلق من ضعف لا يمكن أن تثمر إلا الهزيمة ...
شاعرنا المتنبي أطلق من حلبَ كلماتٍ تكتب بماء الذهب إذ يقول:
واحتمالُ الأذى ورؤيةُ جانيـ ـهِ غذاءٌ تَضْوَى به الأجسامُ
ذلَّ من يغبِطُ الذليلَ بعيشٍ ربَّ عيشٍ أخفُّ منه الحِمامُ
كل حلمٍ أتى بغير اقتدارٍ حُجة لاجئٌ إليها اللئامُ
من يهُن يسهُلِ الهوانُ عليه ما لجرحٍ بميِّتٍ إيلامُ
لقد سئمنا من الاتّجار بقضايا شعبنا وثورة أمتنا ... وتعبنا وملِلنا ونحن نرى
المال يرفع أقواما ويضع آخرين، ونرى وسائل الإعلام تقدم هذا وتؤخر ذاك ....
والله سبحانه وتعالى هو الذي يقدم ويؤخر ، والجهاد هو الذي يرفع ويضع.
أصوات تباع وأصوات تُشرَى، وصوت الشعب يكاد يختفي ... صوت الشعب هو الذين لا
يباع ولا يشرى، لأن ثمن صوت الشعب إنما هو الدماء التي تقدم في ساحات المعارك
والحرب دفاعا عن الحرية والكرامة والدين والشرف.
سورية دولة إسلامية ... شاء ذلك من شاء وأبى من أبى ... هوية هذه الدولة تجمع
الأديان والثقافات والأعراق ... تاريخ سورية خير نموذج للحلم والتسامح والتعايش
المشترك ... لا نقبل استعمال السلاح لفرض هذه الهوية أو لرفض هذه الهوية.
شعبنا لم يخسر شيئا رغم ما قدّم من تضحيات ، لأنه يحمل إيمانه وكرامته ، وهما
أهم عنصرين يحتاج إليهما الإنسان للنصر في أي معركة يخوضها.
أرجو أن يخرج هذا الاجتماع بخطوات تمهد للوصول إلى طريق النصر، سواء في ساحات
المعارك أو ميادين المفاوضات.
نشكر الحكومة الإسبانية على هذا اللقاء ... دول بعيدة تجمع وأخرى قريبة تفرق
وآخرُ كلمةٍ للنظام وجلاوزة النظام أقول: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً
عَمَّا يَعْمَلُ الظّالِمُون}
{وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون}
شكرًا لإصغائكم والسلام عليكم