إدارة الاختلاف
خطبة الجمعة 11/ 3/ 2016م
1 جمادى الآخرة/ 1437هـ
أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم, أذكركم ونفسي بحديث رسول الله r (عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه) أخرجه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان وهو حديث حسن.
فماذا أعددنا للموت وللقاء الله الحق، ماذا تركت من ذكر طيب وعمل صالح، وقد قال عمر: (من خاف الله لم يشف غيظه، ومن اتقاه لم يصنع ما يريد، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون) فما أحرانا أن نستعد للقاء الله بقلب مؤمن تقي ، قال رسول الله r: (أتحب أن يلين قلبك و تدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم و امسح رأسه و أطعمه من طعامك يلن قلبك، و تدرك حاجتك)(الطبراني، صحيح).
وبعد:
كنت تكلمت عن آدب أهل الحق في بيان الحق إذا كان الآخر مُبطِلاً؛ فرأينا من آداب الإسلام عجباً:
أن تخاطب بالحسنى، أن لا تدعي أنك على الحق ﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ [سبأ: 24].
أن تقول القول الذي تسلم به، أن تقدم الحجة والبيان والبرهان، ومع ذلك وجهنا القرآن أن نكشف زيف الفكرة وخطأ السلوك والانحراف دون أن نخوض في الشخوص ولا تجريح الهيئات والشخصيات بأسمائهم؛ وأن نتحمل مسؤولية الموقف ونحمِّل الآخر مسؤولية الموقف بألطف خطاب، ومع ذلك نقول الحق بقوة لكن بحكمة ، والترفع عن الدنيا، وتحقيق الإخلاص، وإرادة الخير للغير، والعدل والانصاف، وقد يكون في الآخر إيجابيات وقواسم مشتركة نبينها.
فإذا كان هذا الواجب تجاه الآخر الذي نختلف معه وهو ليس على الحق، بل على الباطل، ومن خارج المنهج، فكيف إذا كان من داخل الدائرة الإسلامية؟ كيف إذا كان المختلفان كلاهما مسلماً؟ كيف إذا كان كلاهما داعية؟ أو فقيهاً؟ ما هو الواجب؟
نعم الأصل عدم الاختلاف، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [الأنعام: 159]
﴿ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى: 13].
لكن التنوع سنة ماضية في الحياة وفرق بين الاختلاف والخلاف
إذ الخلاف هو التنازع والتفرق والتمزق والخصومة والعداوة والبغضاء، فهذا قطعاً غير جائز.
لكن الاختلاف بمعنى التنوع والتعدد فيما فيه احتمال، فهذا سنة الله في خلقه ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ﴾ [هود: 118-119].
علينا أن ننظر في أسباب الرحمة لنكون محل نظر الله ونعالج اختلافاتنا، وقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56].
فأول الواجبات أن نرتقي إلى مقام الإحسان، المراقبة لله سبحانه، والخوف منه، بأن تُعد جوابك بين يدي الله قبل جوابك أمام من اختلفت معه، أن تستحضر عذرك عند الله، فإنما يعذرك ربك عندما تصدق وتخلص وتتحرى الحق، ولا تكابر إذا ظهر الحق، ولا تجادل بالباطل، ويكون قصدك فعلاً هو الحق ولا شيء سوى الحق.
فإذاً الواجب الأول أن تستحضر وقوفك بين يدي الله.
أسس التعامل مع الاختلاف:
إذاً لا بد أن نتبين أسس التعامل مع الاختلاف ومن أهمها:
1- الوحدة، والحرص عليها، والتماسك والحب في الله، فذلك فرض ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]
2- (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) مسلم، 2586.
فإذا وجد الحب والإيخاء تلاشى النزاع والاختلاف، أو أحسنَّ إدارته.
3- إخلاص النية
4- البحث عن الحق.
5- الخضوع للحق.
6- أن تحب أن يظهر الحق مع أخيك.
7- التثبت.
8- تحرير محل النزاع.
9- عدم الاتهام للمخالف، وعدم التجريح.
10- فلا تكفير ولا تبديع ولا تضليل.
11- عدم اتهام النوايا.
12- التماس العذر للآخر.
13- أن تتهم رأيك ولا تعجب به.
14- الاختلاف لا يفسد للود قضية.
15- الاختلاف سنة ماضية.
16- الاختلاف التنوع والتعدد توسعة.
17- التفريق بين القطعي والظني، والأصول والفروع، والكليات والجزئيات.
18- لا عصمة إلا لكتاب الله ورسله، مع التحقق لما ينسب إلى رسول اللهr.
19- رد المتشابه إلى المحكم.
20- وكل نقطة يمكن أن يفصل فيها المسلم ويستحضر الأدلة والشواهد والقصص والمواقف، لكن نذكرها بإجمال.
21- إنه لا ينكر الاختلاف لكن أين أدب الاختلاف. حيث ظهرت فيها بين الصحابة اختلافات متعددة، ومتنوعة: لكن مع كمال الأدب والحب، وحسن التعامل (كقول حذيفة: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة؛ وخالف الصحابة حذيفة) ،(قصة اختيار الخليفة).
عزل عمر ( سعد بن أبي وقاص ) على إثر اعتراض أهل الكوفة على شخصه ؛ فما عزله إلا درءاً للفتنة؛ قائلا ً في شأن ذلك : " فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة" ....و هو مع ذلك قد جعله ضمن مجلس الستة الذي ائتمنه على خليفة المسلمين من بعده .
واختلف المهاجرون والأنصار على فريقين يوم علم عمر أن الطاعون قد ضرب دمشق وهو إذ ذاك في طريقه إلى الشام ؛ فدعاهم ليستشيرهم؛ فاختلفوا فقال بعضهم: قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه؛ وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء ؛فكان آخر أمره آن عزم على الرجوع فلم يدخل دمشق ...... وقتها عارضه أبو عبيدة بقوله : أفراراً من قدر الله ؟ ورغم ما فيها من اتهام ٍ صريح ٍ إلا أن أحداً لم يراجع أبا عبيدة في ماقاله ؛ و تقبلها منه عمر بقبولٍ حسن ٍ؛ قائلاً : نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله.
و من ذلك رفض أمير المؤمنين عثمان بن عفان – رضي الله عنه – قتال
محاصريه ؛ رغم أن كثيرا ًمن الصحابة كانوا على خلاف رأيه في وجوب الدفاع عنه حتى الموت ؛مما اضطره أن يقول : أعزم على كل من رأى أن لي عليه سمعا وطاعة، إلا كف يده وسلاحه، فإن أفضلكم عندي عناء من كف يده وسلاحه" وقد كانت داره يومئذٍ غاصة بسبعمائة، لو يدعهم لضربوا محاصريه حتى يخرجوهم من أقطارها؛ منهم: ابن عمر والحسن بن علي وعبد الله بن الزبير كما يحكي ابن سيرين..
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: صَلَّى عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعًا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ» ، زَادَ، عَنْ حَفْصٍ، وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا زَادَ مِنْ هَا هُنَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمُ الطُّرُقُ فَلَوَدِدْتُ أَنْ لِي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَيْنِ مُتَقَبَّلَتَيْنِ. قَالَ: الْأَعْمَشُ، فَحَدَّثَنِي مُعَاوِيَةَ بْنُ قُرَّةَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ صَلَّى أَرْبَعًا، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: عِبْتَ عَلَى عُثْمَانَ ثُمَّ صَلَّيْتُ أَرْبَعًا، قَالَ: «الْخِلَافُ شَرٌّ» .سنن أبي داود.
أتاني جبريل من عند الله تبارك و تعالى فقال : يا محمد ! إن الله عز و جل يقول : إني قد فرضت على أمتك خمس صلوات فمن وافى بهن على وضوئهن و مواقيتهن و ركوعهن و سجودهن كان له عندي بهن عهد أن ادخله بهن الجنة و من لقيني قد انتقص من ذلك شيئا فليس له عندي عهد إن شئت عذبته و إن شئت رحمته
(الطيالسي محمد بن نصر في كتاب الصلاة طب الضياء في المختارة) عن عبادة بن الصامت .صحيح.
وسوم: العدد 659