لماذا خطاب الكراهية والتحريض ضد المسلمين؟!
خطبة الجمعة 29/ 7/ 2016م
24 شوال/ 1437هـ
نشهد ارتفاع وتيرة خطاب الكراهية والتحريض ضد الإسلام والمسلمين، إذ يتحدث بعض مرشحي رئاسة في الغرب أو رؤساء أو مسؤولون أو شبه مسؤولين أو إعلاميون عن الإرهاب الإسلامي، ويكون الخطاب أحياناً فيه لغة الاتهام لعموم المسلمين مما يثير موجةً من الكراهيةِ والتطرف، مستغلين أعمالاً مرفوضة عندنا ومدانة من قِبلِ جميع علماء المسلمين ومفكريهم وقادتهم بل وشعوبهم.
إننا جميعاً ندين وبقوة كل الأعمال الإجرامية التي تقع في الغرب سواءً في كنيسة أو شارع أو سوق أو ملهى من أياً كانوا أو في أي مكان ضد أي إنسان، وبعضها يقع من أناسٍ لا نعرف دوافعهم ولا حقيقتهم، وربما نُـــــــــسِــب بعضهم إلى الإسلام.
كما وندين هذا الصمت والتواطؤ أحياناً إذ تقع مذابح ومجازر ضد بعض شعوب المسلمين كما يحدث في حلب من حصار طويل وتدمير للمستشفيات وقتل للأطفال ثم لا أحد يتحرك، كما وندين هذا الظلم الذي يقع ضد شعبنا وأهلنا في فلسطين، ونتساءل لماذا مع كل هذه الإدانة الحقيقية من قِبلنا تجاه كل عمل إجرامي وظالم وإرهاب يقع في الغرب، لماذا لا يقبلون إدانتنا؟ ولماذا لا يتصرفون لرفع الظلم والحيف عن شعوبنا؟ إننا وإذ نلحظ هذا الخطاب المتوتر الجائر من بعض الجهات الغربية ولا نعمم وإذ تحرض ضد الإسلام والمسلمين، لنا أن نتساءل ما هي الخفايا الحقيقية وراء هذا الخطاب الذي يحاول أن يتهم الإسلام بالإرهاب والتطرف وينفر الشعوب الغربية من الإسلام، ويحرض ضد المسلمين.
نتساءل لماذا؟
هل هو:
1- صراع الحضارات واختلاف الثقافات؟
2- أم الخوف على المصالح؟
3- أم هو سوء الفهم للإسلام عمداً أو جهلاً؟
4- أم هو الرغبة في التشويه للإسلام ابتداءً خوفاً من ثقافتنا؟
5- أم هو استغلال لسلوكيات بعض المسلمين الخاطئة؟
6- أم هي الأهواء التي من شأنها أن تعادي الحق أياً كان؟
7- أم هو كل ذلك؟
نعلم إن الصراع بين الحق والباطل والخير والشر قديم ومستمر وسنة من سنن الله في الكون، إذ وقف معظم الناس تجاه دعوات الأنبياء مواقف العداء الصريح عدواناً وظلماً وبغياً.
يدور هذا الصراع في إطار السنن إذ البعض لن يخضع للحق وسيرفضه بكل ما أوتي من قوة وتحت ذرائع شتى؛ ولذلك ندرك أنه سيكون صراع حضارات واختلاف ثقافات.
حوار لا صراع:
لكن الفرق بيننا وبينهم أن الإسلام أراد أن يكون حوار حضارات وتنوع ثقافات لا صراع حضارات، لذلك أكد القرآن ﴿ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 99].
وأكد ﴿ لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ ﴾ [الغاشية: 22]
وأكد ﴿ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29]
وأكد ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256]
إذاً أرادها الإسلام حوار حضارات وتنوع ثقافات ولم يدع أبداً إلى إلغاء الآخر ولا إقصائه ولا إنهائه ولا يمكن ذلك، لذا قال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ﴾[هود: 118-119] ، ولذا نحن آمنا بحوار الحضارات واختلاف الثقافات وفقط نقوم بدعوة الآخرين إلى ثقافتنا وقيمنا سلماً ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]
﴿ وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [العنكبوت: 46]
إذاً لماذا يقع هذا الصراع الحضاري والثقافي بدل الحوار والتكامل، ولماذا خطاب الكراهية والتحريض؟
إن الجواب عندي أن بعض أولئك يرفض ثقافتنا وقيمنا ويصر على أن يفرض ثقافته وقيمه.
نعم ثمت خلاف ثقافي لن نلتقي فيه، قال تعالى:
﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 145]
فإذا أوكد على وجود الاختلاف الثقافي بين حضارتنا وحضارتهم وثقافتنا وثقافتهم، نؤكد أن الإسلام لم يأتِ ليزيل الآخرين ولا ليصادر حرياتهم الخاصة، ولا ليلزمهم بسلوكٍ خاص، ولا ليفرض عليهم تعليماتنا الخاصة، وأنه دعا إلى حوار الحضارات والجدال بالتي هي أحسن، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة والبرهان، لكن بعضهم يرفض أن يكون لنا حضارتنا وثقافاتنا وقيمنا وأخلاقنا.
الاختلاف الثقافي بيننا:
فهم لا يتصورن في إطار منطلقهم الثقافي:
عقيدة التوحيد وما يترتب عليها من خضوع قلبي لله، وهم لا يستطيعون أن يتصوروا كيف أن المسلم يتوضأ للصلاة، ويجب أن يغتسل من الجنابة، ولا يتصورون كيف أن المسلم يقصد المسجد خمس مرات في اليوم، ومنها صلاة الفجر بينما هم نيام. ولا يتصورون أن المسلم يحج، ويطوف ويرمي الجمرات، ويقف في عرفات. ولا يستطيعون أن يتصوروا الأحكام الخاصة بالمرأة؛ كالميراث والحجاب، وتعدد الزوجات، وولاية النكاح، ورفض المسلم أن يشرب خمراً أو يأكل خنزيراً، أو لا يلبس الرجل ذهباً أو حريراً.
ولا يتصورون أن المسلم يرفض الاختلاط الفاحش، والتعري والفن الفاحش، وأن المسلم يرفض العلاقة بين الرجل والمرأة إلا في ظلال الزواج المشروع؛ وهم لا يستطيعون أن يتصوروا أحكام الطلاق الدقيقة عندنا التي جاءت لعلاج مشكلاتٍ لا لإدامة المشكلة. وهم لا يتصورون أن يكون من أحكام العقوبات الحدود الشرعية التي أيضاً لها قواعد وضوابط دقيقة في التطبيق، وهم لا يتصورون أن نرفض التعامل مع الربا فقد قام نظامهم الاقتصادي على الربا.
وهم لا يتصورون أن نرفض الشذوذ الجنسي والمثلية بينما يعتبرونها من الحرية، إلى غير ذلك من اختلاف الثقافة
مع أننا نستطيع أن نقول ماذا ينقمون من هذه الأحكام وكلها قائمة على الحكمة المطلقة والخير المطلق من غير أن ندخل في التفاصيل، ومع أننا لا نلزمهم بها لكنهم يرفضون أن نتمسك بها، ويرفضون بالتالي أن تُـسْــتَمد أحكام الشريعة من الله ﷻ ومن القرآن والسنة؛ بل ويريد بعضهم أن يفرض علينا ثقافته وقيمه، فتدور الحرب الثقافية الأخلاقية، ويترتب عليها الخوف على المصالح وتنشأ الرغبة عند بعضهم في تشويه الإسلام بالصد عنه، ومن ثم تتداخل الأهواء ومن ثم يستغلون بعض سلوكيات أناس ربما انتسبوا ظاهراً للإسلام وقاموا بأعمال إجرامية أكدنا مراراً على إدانتها، لكن أمام صراع الثقافات إذ أرادوه صراعاً وأردناه حواراً وأرادوا فرض ثقافتهم وأردنا نشر النور الذي عندنا فكان لا بد من إيجاد عدو يُحارب فنشأ ما يسمى بالإرهاب، ومهما يكن من أمر وإذ نرفض خطاب الكراهية ضد الإسلام والمسلين والذي أعزوه إلى اختلاف الثقافات إذاً وأوكد أن الإسلام لا يلغي الآخر فقط يريد حرية نشر الثقافة وتعميمها ليختار الإنسان الثقافة التي يريد والعقيدة التي يريد والقيم التي يريد، وإذ حولها البعض إلى حرب ضد الإسلام إذ يشعر أن ثقافتنا تتمدد لما فيها من طبيعة الخير والحق وموافقة الفطرة، فأخذ يخشى على ثقافته ومصالحه، مستغلين أعمالاً إجرامياً أدّناها دائماً.
واجبنا:
أقول: مهما يكن فواجبنا الآن هو تمسكنا بثقافتنا وقيمنا وأخلاقنا؛ ذلك أن الله ﷻ يقول: ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ، وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ، أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 48-50].
وقال تعالى في حق ثقافتنا: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾ [البقرة: 138].
الخطبة الثانية:
المطلوب منا أن نتمثل حقائق الإسلام الأخلاقية العظيمة لنكون حجة للإسلام لا حجة عليه، ومن ذلك ما جاء
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ " مسند أحمد، حديث حسن.
والعفة تشمل عفة اليد والفرج والبطن.
وحذر بالمقابل من اخلاق السوء فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْبَعُ خِلاَلٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا " متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وسوم: العدد 679