ما تبقى مني ..جزء 3
ماهي المرأة ؟
هذا ماجال بخاطر وداد وهي تجلس على شرفة المنزل تحدق بالطريق .لقد تغير ملامح كل شيء حتى ملامحها هي قد تغيرت.
المرأة كما تراها هي .قلب تواق للخفقان ..فراشة تواقة للتحليق ..وروح تواقة للحب
هي تراها كذلك ..اما الرجل .فلا تجد له تعريف ..
كانت قد قررت ان تستسلم في النهاية لذلك الحب الجارف..
لياسر ...
كان لابد لها ان تجد في النهاية حضنا ليحتويها ..وقلب يتسع لها ..فقد اتعبها برد الشتاء ..وارادت ان تبحث في النهاية عن دفىء ..وهل اجمل من دفىء الحب .؟؟
ولكن؟
ياسر ذلك الرجل الغريب الذي يظهر في لحظات ويختفي في اخرى.
منذ 3 ايام لا يجيب على هاتفه.
تراه انسحب كما فعل بالسابق .
كان لا بد لها من ان تعرف .ان قلبها كان لابد له ان يرتاح بعد رحيل احمد.
كان لابد لها ان تعطي قلبها اجازة بعيدة عن كل شيء
ولكن لاين ؟
لاين تستطيع ان تسافر .
لقد مر شهر على اخر مرة رأت فيها ياسر .
وما عاد يجيب على هاتفه .
لقد لغته من قاموسها ...
وداد...هل تعلمين ...قالت زميلتها بالعمل
ماذا اعلم ..قالت وداد
السيد ياسر ...انه متعب بالعناية المكثفة ؟...اجابت زميلتها
وقفت وداد للحضات غير مصدقة ...
ثم تابعت عملها وكأن شيئا لم يكن...
ذلك الشخص الذي انتظرته قبل اكثر من 17 عاما وقرر الانسحاب
عاد مرة اخرى وقرر الانسحاب من حياتها وبنفس الطريقة
وكأن شريط الحياة يعيد نفسه ...
لا تنكر انها كانت سعيدة بعرض ياسر ...
وكانت على وشك ان توافق
ولكنه كان بغاية الانانية ...
يمر كطيف ...ويذهب كطيف
ليحرك بها كل مواجع الحب ...
ليجعل بحرها هائجا بلا هواده
كيف تستطيع ان تسامحه على ما فعله...
لا لن تسامحه
كانت تتمنى ان تعرف وضعه الصحي ...
ولكن الان عرفت ...انه وضعه الصحي بغاية الصعوبة
كيف لها ان تسامحه على ذلك
لا تدري ولا تريد ان تعرف ......
مفاجئة ...
سنذهب نحن لزيارة السيد ياسر ...قال باسل احد موظفي الشركة
ماذا سنحمل معنا ...قالت موظفة اخرى
باقة زهور ...اجابت وداد
وانا ساعدها نفسي اضافت بحزم
ولمعت عيناها لمعانا غريبا
\لم يلاحظ احد يوما ذلك الحب القديم بينها وبين السيد ياسر
حتى حين اختارت هي ان تنسق باقة الزهور ..لم يشك احد ان هذه السيدة كانت يوما ستكون شريكة حياته ...
في ذلك اليوم امضت وداد ساعتان تنسق باقة الزهور ...كانت ابنت خالتها تملك محل البلاد للازهار
ساعتين وكانت دموعها تغسل كل زهرة
مابك يا وداد...قالت سلوى ابن خالتها
اردت حين اموت يا سلوى ان تصنعي لي باقة بمثل هذا الجمال ...من زهور الاقحوان التي طالما احببتها واحبتني ...
ولا تنسي الزنبقة السوداء البنفسجية ...
نظرت اليها سلوى بحزن...
ماهذا الكلام يا وداد
وانفجرت كلاهما بالبكاء ...احتضنت سلوى وداد حضنا كالعالم ...وكان كل منهما تواسي الاخرى على مصابها
فسلوى ابنة ال22 ربيعا فقد زوجها في احد احياء الشام ...ولم يعرف له اثر
اما وداد...فأحمد مات ...ودفن في مكان ليس ببعيد ...لم تره وداد الا مرة واحده فقط ...في جنازته.
أما ياسر فكان حكاية اخرى ...حكاية لم تفهما هي ..
ذلك الرجل الغامض ...العاصف بالحب ...
ذلك الرجل الذي يجرفها الى محيطه ويتركها وسط بحر هائج ...متلاطم الامواج
لماذا ذهبت لتراه...لماذا لم تنسحب من حياته كما فعل هو...
لماذا اختارت هي تنسيق ازهار نعشة القريب ...
لماذا؟
ولماذا؟
لم تجد هي جوابا ...
ربما لانها لم تستطع ان تكون مثله ...
منسحبة من وسط معترك وضعتها الحياة فيه
انهى الموظفون عملهم واجتمعو في المكان المعهود ليذهبو لزيارة مدير مجموعة الشركات السيد ياسر .
حضرت وداد بباقة ازهار لا ينكر الجميع انها من اجمل ما رأوا وان كان اللون القاتم الحزين قد كان السمة الغالبة بها .
كم كلفتلك هذا الباقة يا سيدة وداد.
قال السيد كريم رئيس شؤون الموظفين في الشركة
ساقوم اعطاء الفاتورة للسكرتيرة يا سيدي .اجابت وداد بنبرة هادئة . اقرب للهمس ...
.....جيد ... اضاف السيد كريم
********
لقد كان الموقف اصعب مما توقعته وداد...
عفوا يا سيدي ...يمنع دخول اكثر من شخص او شخصين لغرفة العناية المكثفة ...
حسنا ...فليذهب مدير شؤؤن الموظفين ..و السيد سالم نائبه ...
ويكفي الموظفين الاخيرن الحضور
لمواساة العائلة...
مرحبا نحن من احدى فروع شركة السيد ياسر جئنا لمواساتكم بحالته..وان شاء الله نرجو له الشافاء العاجل ...قال احد الموظفين وهو يصافح اقارب السيد ياسر ..
نظر السيد سالم .نائب السيد ياسر الى وداد وقال : هل تعرفين من هؤلاء يا سيدة وداد
صافحت السيدةوداد سيدة عجوز .هذه السيدة نعمات والدة السيد ياسر
السيدة عفاف .زوجة السيد ياسر .
الاء . ابنة السيد ياسر
و فادي ابنه...
وكانت المفاجئة .....
وقفت وداد طويلا وهي تصافح ابنة السيد ياسر ...
وبدأت تشعر بدوامة قوية ...
لديه
زوجة
وابناء
لقد كان كل كلامه خداع
لقد كذب علي كما فعل بالماضي
كيف كان يراني لا ادري
ماذا اراد مني ؟
يا الهي .....
وبقيت الدوامة تدور بوداد
تدور وتدور
الى ان سقطت على الارض
وغابت عن الوعي
....وكانت المفاجئة .......قوية وصاعقة ...قوية بدرجة تكفي ان تجعلها تغادر الوعي ...وحتى الحياة ....
فرصة ....
كل الحياة كما تقول امها فرص
استيقظت وداد وهي ممددة على سرير في ذلك المشفى الكبير ...
لقد كان واقفا الى جوارها السيد كريم مدير شؤون الموظفين .وسلمى زميلتها بالعمل يطمئنان على صحتها من الطبيب.
مابها يا دكتور؟.... قالت سلمى
القليل من التعب وقلة الطعام ..والكثير من السهر .اجاب الطبيب
كانت وداد قد استيقظت ...وان كانت تظن انها غابت عن الوعي لساعات طويلة
لاحظت سلمى استيقاظها ...فارعت نحوها قائلة ...
سلامتك يا وداد...
ابتسمت وداد شكرا لك يا سلمى ..سابقى معك الى ان تتعافي ...
نهضت وداد من الفراش ...انا بخير ...ساعود الى البيت
تقدم السيد كريم :سلامتك يا سيدة وداد.لابد لك ان تنتبهي لصحتك.
ابتسمت وداد .ساحمل على هذه النصيحة ان كنت تملك القليل من السجائر
انفجر السيد كريم ضاحكا .يا لحس دعابتك يا سيدتي .واخرج من جيبه سيجارة وقدمها للسيدة وداد .ولكن تعرفين ممنوع التدخين هنا ..نظرت اليه وداد
اعلم هذا ساتجه الى منطقة المدخنين ...هذا وعد
ضحك السيد كريم مرة اخرى ...حسنا ساقبل بهذا الكلام
اراك لاحقا ...قال السيد كريم وهو يهم بالانصراف .
لحظة يا سيدي ...قالت وداد
ماذا يا وداد تراجع السيد كريم عن الذهاب ..وحدق بوداد..انا لن اعود للعمل .اعتبر هذه استقالة شفهية الى ان ابعث بالاستقالة الرسمية لاحقا
نظر اليها السيد كريم .وابتسم لابد انك تمزحين
لا . لن اعود.و لا اريد من الشركة اي تعويض .
شكر ا لك يا سيد كريم . قالت وداد. على السيجارة
و نهضت وهي ترتدي معطفها . و تهم بالخروج
نظر اليها السيد كريم . هكذا دون اسباب .
سابعث لك كل شيء لاحقا على ايميلك ...
و غابت عن ناظريه ............................
وهي تسير بسرعة ...كانت سلمى لا تزال واقفة تحدق بالمشهد ..غير مصدقة لما قالته وداد
فهي من افضل الموجودين بالشركة
ولماذا قررت هذا ؟
لا تدري
ولماذا تجنبت وجودها . ايضا لاتدري
ولكن لابد ان وداد كانت بحاله صعبة للغاية . غاية بالتوتر . والحيرة...وغاية بالالم
لقد كانت الحياة قد اعطتها الكثير من الفرص ...
فرصة لتغير عالمها ..
ولكنها وربما لانها تحكم عقلها وليس قلبها ضيعت كل شيء
كل شيء
**********
عتاب .........
كانت تتمنى ان تتجه للعناية المكثفة لتعاتب ياسر
لتصرخ في وجهه ...
لماذا كذبت علي؟
ان تعيد له خاتمه التي باتت متاكدة تمام انه مزيف
ان تساله لاخر مرة
عن سر كل تلك الاكاذيب التي قالها عن انفصاله عن زوجته
وعن عدم قدرته على الانجاب
وعن حقيقة مرضه
وعن ...
وعن...
وعن...
ملايين الكلمات والعتاب ارادت وداد ان تقوم بها...
ولم تستطع ان لا تفعل
ارادت الدخول الى قسم العناية المكثفة لتتحدث مع ياسر حديثها الاخير
صفحة عتاب اخير بينها وبينه
ان تعيد له ما كان له ...
ان تغلق معه كل الصفحات
ان تطوي خلفها كتاب قصتها معها لابد قبل ان تغادر المشفى
بدل ان تضل اطيافه تحوم حولها
و اصوات عتابه تلتهم قلبها
كان لابد لها ان ترتاح
ليس لانها ستجد منه الجواب النهائي ولكن لترتاح من عذابات روحها التي تصرخ في داخلها .
*******************7
الزيارة ممنوعة سيدتي ..قال الممرض وهو يستوقف السيدة وداد عند باب العناية المكثفة
ارجوك انه قريبي وقد جئت من مسافة بعيدة لاودعه ...
كانت الساعة قد تجاوزة الحادية عشر ..وداد لا تزال واقفة عند باب العناية المكثفة تنتظر ان تسمح لها فرصة بالدخول.
عندما مر احد الممرضين وترك الباب مفتوحا امسكت به وداد. وقد كانت ترتدي ملابس معقمة
نظرة اليها احدى اممرضات . سيدتي ممنوع الدخول الان ..
اخذت وداد تبكي ..ارجوك جئت من مسافة بعيدة واريد امن ارى قريبي .قالو لي انه يموت ..
نظرت اممرضة بحزن الى وداد
و قالت ما اسم قريبك ...
السيد ياسر عبد الغني .....
السيد ياسر ...لقد تحسنت حالته ..انه الان بالقسم ..
حدقت وداد بالممرضة
حقا ..يعني انه لن يموت ...
ابتسمت الممرضة ...لا ..انه يعاني نوبة ربو حادة ..فهو مريض ربو مزمن منذ سنوات طويلة .
ربو ؟؟
فقط!!!! الا يعاني من سرطان الدم ؟؟؟؟ قالت وداد
بدى علامات التعجب على الممرضة . التي صمتت قليلا ..وحدقت بوداد . عذارا سيدتي هذه معلومات سرية لا يجب اعطاؤها لاحد .
نظرت اليها وداد . واخرجت من جيبها الخاتم والصندوق . انا خطيبته .
ارجوك اخبريني ...قالت وداد
نظرت اليها الممرضة مرة اخرى وبدت عليها علامات الارتباك اكثر واكثر ..ارجوك يا سيدتي
لا تحرجيني .
يمكنك سؤال الطبيب ...الدكتور موفق .
وتلاشت تلك الممرضى عن الانظار وكانها طيف لم يكن اصلا موجودا.
وبقيت وداد تبحر في بحار الحيرة اكثر واكثر واكثر
ايكون ياسر كذب حتى في مرضه؟؟؟
وما الذي يجعلها تتمسك به للنهاية
لقد اكتشفت ان كل حياته اكاذيب
تبا له ...
لا بد لها ان تنصرف عن عالمه
للابد وللاعودة
ولكن ...
ليس قبل ان تعاتبه ..بكل قسوة ...وبكل عنف ...
............................................................................................
انسحاب ...
استعارت مظروفا قديما بعض الشيء من احد الممرضات
وضعت في صندوقها وخاتمها وطلبت تسليمه للسيد ياسر
و
استعدت للرحيل ...
لقد كذب في كل شيء
ماذا يفيد عتابه الا انه سيضيف اوجاعا على قلبها الموجوع
ولكن لماذا كذب عليها
لا تدري ...
كان لا بد لها ان تنسحب ..
اجل تنسحب كعادتها من وسط المعركة لتحاول مداوات جراحها ...
وان كانت مثخنتا بالجراح لحد الموت ...
لقد نجح ياسر وبكل براعها بالتخلص منها ...
فلم يتبقى منها شيء...
لماذا فعل هذا؟؟
لقد رجته ملايين المرات ان يبتعد عن طريقها ولكنه كان يصر دائما على المضي نحوها بكل قوة وبكل عنف.
ماذا اراد؟؟
والغريب بالامر ان لديه قوة غيربة على الاقناع ...
حملت حقيبتها
وهمت بالخروج من المستشفى
لقد ارادت ان تنسحب ..من كل شيء
وان تطوي صفحات الرجال ..كل الرجال الى الابد..
الى الابد.....
وسوم: العدد 700