الفلسطينيّون يتصدّون للصّهيونيّة
لم نختلف يوما مع اليهوديّة كدين، والتّاريخ يشهد أنّ العرب والمسلمين في الأندلس "اسبانيا" قد احتضنوا اليهود الذين لوحقوا في أوروبّا ووفرّوا لهم الحماية. وعندما خرج المسلمون من الأندلس عام 1492م، خرج اليهود معهم وانتشروا في الشّمال الافريقيّ، وحظي اليهود في المشرق العربيّ "العراق، اليمن، سوريا، لبنان، مصر، ليبيا وفلسطين" بحقّ المواطنة الكاملة، حتّى نشوء الحركة الصّهيونيّة في أواخر القرن التّاسع عشر، والتي عبّأت في فترات متلاحقة اليهود بفكرها، بل إنّها ارتكبت جرائم بحق بعض التّجمعات اليهوديّة كما حصل في العراق، من أجل اجبارهم على الهجرة إلى فلسطين، تمهيد لإقامة دولة اسرائيل. كما قامت بصفقات "تجاريّة" و "رشاوي" لمسؤولين في دول عربيّة لترحيل اليهود إلى فلسطين، كما حصل مع يهود المغرب، اليمن والعراق وحتّى السودان في فترة حكم جعفر النّميري. فآلاف اليهود العراقيّين وصلوا بداية الخمسينات في رحلات جوّية مباشرة من مطار بغداد إلى مطار اللدّ في فلسطين دون رغبة منهم.
والدّارس لتاريخ الصّهيونيّة سيجد أنّ المسيحيّة الصهيونيّة كانت سابقة في الظّهور على الصّهيونيّة اليهوديّة. لكنّ الأخيرة التقطت الفكرة واعتبرتها "حركة تحرّر لتجميع يهود العالم، وإقامة وطن قومي لهم في فلسطين اعتمادا على الموروث التّوراتيّ"، وذلك بعد عدّة مقترحات لإقامتها في مناطق أخرى كأوغندة في شرق افريقيا، وكالأرجنتين في أمريكا الجنوبيّة.
ويلاحظ أنّ الصّهيونيّة حركة عنصريّة، تؤمن بأنّ اليهود "شعب الله المختار". أي أنّها ترى اليهود أفضل من بقيّة البشر. ولم تكتف الصهيونيّة بالتّمييز بين اليهود و"الغوييم" –غير اليهود- بل تتعدّى ذلك إلى التّمييز بين اليهود الغربيّين"الاشكناز" وبين اليهود الشّرقيّين. لذا فإنّ الغالبيّة العظمى من المناصب الرّفيعة في اسرائيل يتبوأها يهود غربيّون. واسرائيل التي وصفها الرّئيس الأمريكي ترامب" بالدّولة الدّيموقراطيّة الفريدة" ووصفها سابقوه في أمريكا وأوروبا "بواحة الدّيموقراطيّة في الشّرق الأوسط" فيها قانونان، قانون يطبّق على مواطنيها العرب، وآخر يطبّق على اليهود. وفيها مؤسّسات لا تسمح بالعمل فيها لغير اليهود.
والصّهيونيّة التي تتحكّم بامبراطوية اعلاميّة كبرى، تغطي العالم جميعه، كما تتحكّم بمؤسّسات وبنوك عالميّة استطاعت تضليل الرّأي العامّ العالميّ، وتجنيده لصالحها، وقد وصلت سطوتها درجة التّحكّم بسياسة أمريكا الدّولة الأعظم في العالم، واستطاعت اقناعها بأنّها الحامية للمصالح الأمريكيّة في الشّرق الأوسط. ونظرا للأطماع التّوسعيّة الصّهيونيّة الحاكمة في اسرائيل، فإنّها فشلت بتحقيق الأمن والسّلام لشعبها. وفرضت عليه أن يعيش في حالة خوف دائم وحروب متواصلة، مع أنّها تملك قوّة عسكريّة تفوق قوّة دول الشّرق الأوسط مجتمعة.
وقد انتبه الشّعب الفلسطينيّ لخطورة الفكر الصّهيونيّ الذي استهدف بلاده فلسطين منذ البدايات، فقاومه رغم امكانيّاته الضّئيلة، منذ انتهاء الحرب العالميّة الأولى، وتشجيع الانتداب البريطاني للهجرات اليهوديّة إلى فلسطين، وإقامة دولة اسرائيل في مايو 1948، واستمرّ في ذلك حتّى يومنا هذا.
وفي المقابل فإنّ النّشاط الصّهيونيّ لم يتوقّف هو الآخر، وإذا كانت أمريكا قد ورثت الدّور البريطانيّ والفرنسيّ في التّحكّم بالمنطقة العربيّة، فإنها من خلال نفوذها وقوّتها وتحالفها الاستراتيجيّ مع اسرائيل قد عملت على خلق "لوبي عربي صهيونيّ" تمثّل في تحالفات أمنيّة وتجاريّة اسرائيليّة مع دول عربيّة، لكنّها لم ولن تستطيع ترويض الشّعب الفلسطينيّ الذي يناضل في سبيل حقّه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف. فهل سيسجّل التّاريخ أنّ الفلسطينيّين قد وقفوا وحدهم في مواجهة الخطر الصّهيونيّ الذي تتخطّى أطماعه حدود فلسطين التّاريخيّة؟
وسوم: العدد 756