صراع الشقيقين على حكم سورية (الحلقة 4)
رفعت الأسد يسعى لتوسيع جبهة المواجهة مع أخيه حافظ
كانت سرايا الدفاع تملك مركز تدريب لعناصر اللواء الجبلي في منطقة "جوبة البرغال" وإضافة لذلك فقد احتل العميد رفعت "تلة الصنوبر" التي تقع على البحر مباشرة وكان يتمركز في هذه المنطقة كتيبة أو أكثر من أفواج الإنزال الجوي.. ولما أخفقت التدابير التي نفذها العميد رفعت ضد الطائفة المرشدية أمر عناصره المرسلة من دمشق لهذه الغاية أن تتمركز في الموقع المذكور لتعزيزه ولأهميته البالغة لقربه من مركز المحافظة وأعني بذلك مدينة اللاذقية.
ولما كان العميد رفعت يعتمد بشكل جدّي على أبناء الطائفة العلوية قرر نقل الصراع إلى هناك، لأن المنطقة حساسة وكان يتصوّر أنه من الصعب على السيد الرئيس أن يأمر سلاح الطيران بقصف الأماكن التي ينشب فيها النزاع وكذلك الأمر بالنسبة للمدفعية والصواريخ، ومن هذا الإحساس الخاطئ بدأت حركات رفعت تتعثر خطوة خطوة لأن ما بني على باطل فهو باطل..
كان رفعت يدغدغ أحلام المتعصبين طائفياً بأن وعدهم أنه سيقيم الدولة العلوية هناك، كما أقام اليهود الدولة العبرية في فلسطين، وكما كان غلاة المتعصبين من الموارنة يحلمون بإقامة الدويلات الطائفية التي ستدور بفلك إسرائيل قولاً واحداً، وشجّع رفعت أن أمريكا سوف ترحّب بالفكرة لأنها مع أي تفكك للأمة العربية لأن هذا يخدم مصالحها الوطنية ومصلحة حليفتها الإستراتيجية إسرائيل.. ونسي العميد رفعت أن والده الراحل "سليمان الأسد" –رحمه الله- كان من أشد المقاومين الشرسين لإنشاء الدولة العلوية وكان من طليعة المناضلين الوطنيين في أواسط الثلاثينيات لمقاومة هذه الفكرة واجتثاثها من جذورها.
بدأ تحرّش العميد رفعت بالنظام هناك بأن أوعز إلى أنصاره في اللاذقية بأن يكتبوا على الجدران عبارات تمجّد بشخصه دون غيره مثل رفعت الأسد الشمس التي لا تغيب.. إلخ.. كما بدءوا بنصب الحواجز الطيّارة لإشعار المواطنين أنهم موجودون بقوة على الساحة في محافظتي الساحل (اللاذقية وطرطوس) واتصلت بالرئيس الأسد وأعطيته المعلومات المتوفرة لدينا عن نوايا العميد رفعت باللاذقية وأنه حاول السيطرة على مسقط رأس الرئيس الأسد حتى يقول للعالم: إذا كان أخي لا يستطيع السيطرة على المحافظة التي ولد فيها فهو بالأحرى غير قادر على السيطرة في باقي المحافظات..
كانت توجيهات القائد الأسد واضحة وضوح الشمس: لا مهادنة أبداً مع الخارجين على النظام.. إضربهم اليوم قبل الغد، لأننا كلما تأخرنا بضربهم وتصفية الحسابات معهم كلما ازدادوا شططاً في أعمالهم وتصرفاتهم وتمادوا في إيذاء الناس والمواطنين وأعطوا العالم العربي والخارجي فكرة مغلوطة عن واقع الحال في سورية..
اتصلت بقائد القوى البحرية اللواء "فضل حسين" وقلت له: عليك أن تنذر المتمردين في معسكر سرايا الدفاع بالاستسلام خلال ساعة واحدة، وبعد ذلك إذا لم يستجيبوا عليك أن تضربهم بالمدفعية الساحلية وأن تحرك باتجاههم كتيبة المشاة البحرية مدعومة بالفوج (826) دبابات، كما طلبت إليه أن يحرك كاسحتي ألغام وستة زوارق صواريخ وأن يتم الرمي على المتمردين بالمدافع المضادة للطائرات (رمي مباشر) وأن يتم تقرب هذه القوات إلى الساحل لضربهم بقذائف الأعماق (المضادة للغواصات) وبالأسلحة الرشاشة الثقيلة المضادة للطائرات والمركبة على زوارق الصواريخ.
وعندما لاحظت عليه أمارات التردد والنذالة وعدم الحسمية أكدت عليه بأنني أعطي الأوامر نيابة عن القائد العام وإذا كان غير قادر على تنفيذ المهمة فنحن جاهزون لإرسال فوج مغاوير (إنزال جوي) ليتكفل بتصفية المتمردين, وأعطيته الأمر أنه بعد ساعة واحدة تنتهي مهلة الإنذار وعليه أن يبدأ بقصف المعسكر بالمدفعية.
وبعد ساعة من هذا الأمر اتصلت بقائد القوى البحرية وقلت له: هل بدأت الرمي.. فقال لي: لقد رشقناهم رشقة ونحن الآن نحصي خسائرهم.
وتيقنت من لهجته أنه كذاب ومراوغ وغير جدي في معالجة الموضوع.. وخائف.. قلت له أين المقدم علي خضور قائد الفوج المدرع؟.. فقال لي: إنه بجانبي..
وطلبته على الهاتف وقلت له: اصعد بنفسك على أول دبابة في الفوج واطلب إلى الرماة أن يسددوا مدافعهم على العربات المصفحة (ب.م.ب) التي يضعها المتمردون على مدخل المعسكر وتدمّرها تماماً بصلية تركيز من سرية دبابات, أي أريد أن ترمي عشر دبابات بآن واحد.
وكانت غايتي الأساسية إحداث صدمة معنوية ضد القوى المناوئة, وبعد دقائق نفذ الأمر وتم تدمير ثلاث ناقلات وجرى إخلاء القتلى والجرحى, واستنجد العميد رفعت متوسلاً الرئيس الأسد بأن نوقف النار لأنه قرر أن يخلي المعسكر وينفذ تعليمات القيادة العامة.
وهكذا تم حسم المشكلة في المنطقة الساحلية وتم استرداد المعسكر وعادت العناصر التابعة لسرايا الدفاع إلى دمشق.
ولا بد من إعلام القارئ عن جو إحدى المناقشات التي جرت في القيادة العامة بعد الاشتباك مباشرة..
قال العماد حكمت الشهابي وأيده في ذلك العماد علي أصلان: بعد أن رجع إلى حمص وطرابلس أكثر من خمسمائة سيارة أصبحت المشكلة مكشوفة للناس جميعاً ولا نستطيع بعد اليوم أن نتستر عليها..
وكان جوابي: لن تقدم أي وكالة أنباء على إذاعة هذا الخبر إطلاقاً وذلك لسببين: الأول: أن وكالات الأنباء الغربية والموجهة من أمريكا لن تذيع النبأ لأنه يبرز انتصار الرئيس الأسد وهم لا يرغبون بذلك.
الثاني: وكالات الأنباء التي تدور في فلك موسكو لن تذيع هي الأخرى هذا النبأ حتى لا تسبب لنا أي إحراج لأننا نحن لم نقم بإذاعته.
وصدقت نبوءتي ولم تقم أية وكالة أنباء أو صحافة أجنبية بإذاعة هذا النبأ, بما في ذلك الصحف اللبنانية المحسوبة على الخط الأمريكي.
يتبع
وسوم: العدد 771