اعطوا للشعب حقه بعدما اعطاكم حقكم
الى رئيس حكومة اقليم كوردستان: من باب وَ ذَكرّ....
بعد التحية:
تعيش كوردستان منذ ما يقارب الخمس سنوات وقع ظروف استثنائية، غير مسبوقة بعد التحولات السياسية على الساحتين الشرق اوسطية بصورة عامة، وعلى الساحة العراقية بصورة خاصة، فمن خضم الاحداث التي لايمكن فصلها بشكلها الاجمالي ولدت حالة يمكن القول بانها وليدة لحالة استثنائية كما سبق وان نوهنا الى ذلك، هذه الحالة التي اعطت لكل شيء بُعد اخر غير مرئي، على الرغم من تشابه الحدث الوضعي العياني، سواء باثارة الفتن في المنطقة او القتل المجاني الذي اصبح ماركة مسجلة باسم ساكني الشرق الاوسط ( سوريا- لبنان – العراق - كوردستان – اليمن – مصر – تونس – ايران – تركيا – ليبيا – فلسطين – اسرائيل....) والمزيد من الدول في هذه البؤرة الموبوءة، او التدخلات الخارجية ضمن تحالفات لاتجر على اهالي المنطقة الا المزيد من الويلات التي نكاد نؤمن تماما بانها لانهاية لها.
دخل أقليم كوردستان الشبه المستقل في دائرة هذه الاحداث بعدما توجهت احقاد ابناء الخليفة الاسلامي المُدعي " ابوبكر البغدادي" صوبها ضمن جغرافية اراد ابناء التنظيم الاسلامي داعش السيطرة عليها لاقامة دولة الخلافة الاسلامية بحيث تجاور تركيا الحليفة الخفية وايران الداعمة للارهاب، وسوريا المتخامة لاسرائيل العدوة في النصوص فقط، والصديقة في الواقع، وبعدما استطاع قوات التنظيم من السيطرة على مناطق واسعة في سوريا وهدد لبنان، وسيطر على الدائرة السنية في العراق توجهت احقادهم نحو كوردستان التي في البداية لم تستطع ان تستوعب حجم القوة التي تمتلكها داعش فتراجعت للوراء ولكن سرعان ما استعادت قوتها وبدعم دولي استعادت جميع اراضيها من تحت سيطرتهم، وكي لااخوض في تفاصيل تلك المرحلة لاسيما فيما يتعلق بالاعمال البطولية للبيشمركة الكوردستانية، اريد ان اتوقف عند المتغيرات الداخلية للسياسة التي اتبعتها الحكومة الكوردية لمعالجة قضاياها في تلك المرحلة.
فمع برزو سطوة داعش كانت كوردستان تعيش وقع صدمة سابقة لعمل لايقل عن اعمال داعش الارهابية، حيث كانت الحكومة العراقية التي كان المالكي يقودها قد فرضت واقعاً سياسياً اقتصادياً صعباً على العراقيين بصورة عامة وعلى كوردستان بصورة خاصة، فيما يتعلق بكوردستان فقد كان قطع الميزانية بحجة عدم ايفاء الحكومة الكوردية باستحقاقاتها من ارسال النفط المطلوب منهم الى بغداد، هذا المبرر كان دافعاً قوياً للمالكي ليجد الدعم من الموالين لسياسته تلك لاسيما الحاقدين على كوردستان بعدما وجدوا فيها التطور المذهل على جميع الاصعدة والرخاء الذي يعيشه الشعب الكوردي بعكس المناطق التي تحت سيطرتهم، فحولوا احقادهم الى صك سياسي في برلمان طائفبي بامتياز وقطعوا الميزانية عن كوردستان، فتحولت الظروف فيها بشكل سريع نحو متاهة يصعب على اية جهة التعامل معها لاسيما وان داعش كانت تنتهك كل ما يقع تحت يدها.
وضعت قطع الميزانية كوردستان في حالة استنفار واضحة، وبدأت الحكومة باتباع سياسة التقشف الذاتي، وبدأت بالموظفين الذين عانوا ومازالوا يعانون من تبعيات تلك السياسة التي يمكن ان توصف بشبه قمعية اضطرارية، ومع توالي الاشهر و زيادة حدة الحرب مع داعش، كانت الاوضاع الداخلية تسير نحو هاوية لاعمق لها، فاتباع الحكومة سياسة الاستقطاع والنسبة في دفع رواتب الموظفين وجهت صفعة موجعة للجانبين، حيث اهتزت ثقة الشعب بالحكومة، وعانى الشعب الامرين من فقر وحاجة، وجعلت الحكومة تعيش حالة غير طبيعية ولربما لم تحسب لها اي حساب ضمن منظومتها وسياستها لاسيما الداخلية، وهذا بالطبع ما كان ولم يزل موضوع نقاش الطبقة المثقفة التي تتهم الحكومة الكوردية بعدم اتخاذ اية اجراءات احترازية وعدم وجود اية خطط لها يمكنها ان تواجه بها الازمة الاقتصادية التي مرت بها، ومع هذا الاهتزاز الحاصل داخلياً كان لابد من اتخاذ موقف حازم داخلياً في كوردستان وذلك عبر التعامل مع المعارضة بشكل حازم لاسيما بعدما حولت كل اهتمامها على الاتهامات بسرقة قوت الشعب وبدأت تثير القلاقل في بعض المناطق التي تحولت الى فوضى راح ضحيتها العديد من الارواح، وخارجياً مع العراق المتزمت والذي لم يعطي اي انطباع لامكانية حل المشاكل العالقة بين بغداد واربيل، حتى بعدما اوصل الكورد العبادي الى السلطة كما كانوا قد فعلوا مع سابقه المالكي، هذه الظروف خلقت حالة استثنائية في كوردستان، واصبحت الحكومة تعيش واقعاً مأساوياً، فالرواتب على الرغم من كونها استطقعت بشكل مبالغ جدا، فانها لاتوزع الا كل شهرين مرة، وبالتالي حالة الاستنفار الداخلية لم تعد تجدي نفعاً، وكان لابد من اتخاذ موقف مع بغداد يكون باباً لحراك اوسع، ويضع حداً لانتهاكاتهم بحق الشعب الكوردي، فكان الاستفتاء، الذي صوت فيه الكورد بحرية تامة وقالوا كلمتهم التي سجلها التاريخ في 25-9-2017، حيث المطالبة بصوت واضح بالاستقلال، هذا الصوت اوجع الكثيرين في العراق وايضا دول الجوار لاسيما تركيا التي تنازلت عن احقادها تجاه ايران لما يقارب الست قرون ومدت يدها لايران لضرب الكورد وتقويص اصداء الاستفتاء، وكانت بغداد تبحث عن منفذ لها لديهم فوجدته وبدأوا بالتلاعب بمشاعر الكورد، حيث هددوا مع قطع الميزانية باعلان الحرب على كوردستان، وضمن صفقة ستبقى وصمة عار على جبين بعض الخونة دخلت القوات العراقية من الجيش والحشد الشيعي الشعبي كركوك بعدها دخلوا اغلب المناطق المتنازع عليها وفق مادة 140 في الدستور، ولولا بعض المعارك الحاسمة التي استطاع البيشمركة من وضع حد للحشد الشيعي لكانوا هددوا كل من دهوك واربيل، ومن ثم قاموا بقطع الطرق الخارجية ومنع دخول البضائع الى كوردستان وبالفعل استجابة ايران لهم وقطعت منافذ الحدود، ومنعت بغداد الطيران من والى كوردستان، كما قامت باجراءات تعسفية اخرى، كلها لطمس معالم الصوت الكوردي المنادي بالاستقلال في الاستفتاء، ولكن الشعب الكوردي معلوم تاريخياً بتحمله للظروف الصعبة بحيث لم يهتز منذ قرن امام احقاد ايران وتركيا والعرب في سوريا والعراق، بالعكس تماما ظل يناضل رغم الكوراث التي فرضت عليه من حرق وابادة جماعية سواء في عامودا او قصف بالاسلحة الكيماوية في حلبجة ومن العمليات العسكرية المعروفة بالانفال في 1988 ومن العمليات العسكرية التركية الدائمة في المناطق الحدودية فضلا عن الاعدامات والتهجير والقتل الجماعي في مناطق شرق كوردستان، كل هذا لم يثني الكورد عن المطالبة بحقوقهم القومية، لذلك لم تؤثر في الكورد كل هذه الممارسات وبقي صوت الاستفتاء فعالاً لوقتنا هذا وسيبقى للابد طالما هناك كوردي يؤمن بالحرية.
لقد القى الاستفتاء بظلاله على الاوضاع العامة في كوردستان وفي العراق وفي دول الجوار، بحيث اصبح المعنين بالاستفتاء هم اشخاص فقط وتكالب الاعلام المعارض بتوجيه التهم اليهم وكما عمدت الاوساط الخارجية على اظهارهم بانهم انفصاليين، ولكن هذا لم يمنعهم من الثبات بوجه تلك التحديات، والغريب جدا ان بعض التحالفات الكوردية داخل كوردستان استغنت عن مواقفها ماعدا بعض الوطنيين منهم، فجلب موقفهم التخاذلي العار لهم، وهذا ما اثبتته الانتخابات العراقية في 2018 حيث ان اغلب الاحزاب والتيارات التي عادت الاستفتاء لم تنجح، كما دفعت الاطراف التي ساهمت في تسليم كوكوك ضريبة خيانتها، وحتى الاصوات المتجددة لم تستتطع ان تقنع الشارع الكوردي بان الاستفتاء كان عملاً خاطئاً، مع انهم وجهوا كل قوتهم الاعلامية نحو ذلك، فالنتيجة التي حصل عليها حزب الاستفتاء والاستفتائيون كانت صدمة لهم ولامثالهم سواء في داخل كوردستان او خارجها، وهذه كانت اكبر رسالة توجه بالتصويت مرة اخرى الى القائمين في الحكم في بغداد وحتى الى الاحزاب الكوردية التي تعادي الاستقلال بان صوت الحرية لايمكن شرائه ببعض وعود عانى الكورد منها منذ القدم.
سيادة الرئيس: عذرا لهذه المقدمة الطويلة التي تعرف تفاصيلها جيداً، ولكن من باب "ذَكِرّ..." ولعل هذه التذكرة تنفع في القادم، لاننا كشعب سواء من خرج وصوت في الانتخابات العراقية او من امتنع واصر بان صوته لن يكون الا للاستفتاء وللحرية والاستقلال، فاننا جميعا ننتظر منكم ان تُقدموا على ما يعيد اليكم الثقة كحكومة، وهذا لن يتم الا اذا بدات الاصلاحات دون الاعلانات، والشعارات، انما اذا بدت للعيان بشكل فعلي وواقعي، لاسيما فيما يتعلق بالرواتب " لاتؤخروها" ، فالشعب مع كل ما مر به صوت للاستفتاء ولكم في حربكم مع بغداد، لذا لاتخذلوا الشعب مرة اخرى، وابدأوا العمل على وضع خطط مناسبة لاتخدم السلطوية فقط، انما تكون في صالح الشعب الذي عانى ولم يزل يعاني الكثير من الويلات، انهضوا بقوة واعطوا للشعب حقه بعدما اعطاكم الشعب حقكم بالوقوف معكم في كل محنكم.. انها رسالة من مواطن يؤمن بانه لا شيء اقدس من الوطن " كوردستان " ولااحد اقدس من البيشمركة ، لذا لاتخونوا كوردستان والبيشمركة وكونوا اهلاً لحكم هذين المقدسين، كي لايتجرأ حاقد ذليل على دنس علمنا الشامخ شموخ جبالنا.
وسوم: العدد 773