ما هكذا يا أجهزة الأمن ترد الاحتجاجات!
مشاهد مرعبة تلك التي تناقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مساء يوم الأربعاء، أي قبل يوم واحد من عيد الفطر.
من دوار المنارة وسط رام الله، قنابل غاز وأخرى صوتية وضرب وعنف وسحل، إلى آخره ضد محتجين سلميين. لأول وهلة اعتقدت صادقا أن جيش الاحتلال اقتحم المدينة كي يفسد على أهل رام الله فرحة العيد، لكن الوضع لم يكن كذلك، فالصور كانت لرجال الشرطة والأجهزة الأمنية الفلسطينية، بعضهم بالزي الرسمي والآخر باللباس المدني، وهم يعتدون بالضرب والركل والسحل وبحماس منقطع النظير، على المشاركين في وقفة احتجاجية سلمية في إطار الحراك الشعبي في الضفة الغربية، لتحقيق المصالحة ورفع الظلم والعقوبات عن أهلنا في قطاع غزة.
الأمن الفلسطيني برر أعمال العنف والانتهاكات التي ارتكبها، بأنها محاولة لمنع تعكير فرحة العيد، وهذا عذر أقبح من ذنب، كما يقول المثل، فقد جاءت تصرفات أفراده لتفسد فعلا أجواء العيد، ليس على المتضررين من اعتداءاتهم، بل لكل من رأى بأم عينيه تلك المشاهد البشعة، رجال شرطة وأمن فلسطينيون يضربون بلا شفقة أو رحمة مواطنهم الفلسطيني وكأنه عدو لدود.
حتى الصحافيون بمعداتهم لم ينجوا من اعتداءات رجال الأمن، فانقضوا عليهم كالوحوش الكاسرة، ونالهم وكاميراتهم جزء كبير من العنف. ومنعا لانتشار صورهم وهم يضربون ويسحلون، صادروا الكاميرات ومعدات التصوير، غير مدركين حقيقة التقدم التكنولوجي، وان كل شخص وعابر سبيل يمكن أن يكون مصورا بأجهزة الهاتف التي يحملها. وأيضا غير مدركين أنه لا يمكن إخفاء الحقيقة، وأن الشمس لا يمكن حجبها بغربال.
تتزامن هذه التصرفات، التي أقل ما يقال عنها أنها حمقاء إذا ما أحسنا الظن، مع مشروع قانون أقرته اللجنة الدستورية في الكنيست، يقضي بمعاقبة كل من يلتقط صورا لجنود الاحتلال خلال تأدية أعمالهم في الأراضي المحتلة، أي أثناء تنكيلهم بالفلسطينيين وممارسة ساديتهم عليهم، وتصل العقوبة إلى السجن الفعلي لكل ما يمسك متلبسا، لمدة أقصاها عشر سنوات.
فماذا ترك رجال أمننا لجنود الاحتلال وحرس حدوده وشرطته؟ كيف لنا أن نلوم أجهزة قمع الاحتلال عندما ينهالون على الفلسطينيين، ومن جميع الأعمار، ضربا وركلا وسحلا، يقذفونهم بقنابل الغاز السامة والصوتية؟ كيف لنا أن نلوم جنود الاحتلال وهم يسفكون دماء الفلسطينيين شيبا وشبابا ورجالا ونساء وأطفالا في قطاع غزة والضفة؟
رجال الأمن بهذه التصرفات إنما يعطون مبررا لأفعال الاحتلال، ويلقمون ماكنة الدعاية الإسرائيلية بالذخيرة التي تحتاجها، كما فعل صلاح البردويل عندما أعاد الحياة لماكنة الدعاية الإسرائيلية التي أدخلها أهل غزة غرفة الانعاش باحتجاجاتهم الشعبية وتجاوب وتعاطف وسائل الاعلام العالمية معهم، إلى أن جاء البردويل باعترافه العبقري بأن50 ممن استشهدوا في «الاثنين الأسود» 14 مايو الماضي، هم عناصر في حماس، فمد لنتنياهو وحكومته شريان الحياة الذي كانا في أمس الحاجة إليه.
وأبى أمن غزة على ما يبدو أن يسجل عليه أمن رام الله نقطة في هذا السباق، فاعتدت مجموعات من أعضائه، وهم يرتدون اللباس المدني، قالت فتح والشعبية إنها مجموعة من أمن حماس في غزة، رغم نفي الأخيرة، على المشاركين في باكورة فعاليات حراك دعا إليها أسرى محررون في القطاع، مطالبين بإنهاء الانقسام ورفع العقوبات عن غزة والدعوة للحفاظ على المشروع الوطني. وخربت عليهم وقفتهم بعد أن قام عدد من المندسين بتخريب الفعالية والاعتداء بالضرب على المشاركين، وتدمير المنصة الرئيسية، في اللحظة التي انهى فيها مدير الأمن في غزة اللواء توفيق ابو نعيم، خطابه.
«برافو النتيجة تعادل إيجابي، هدف واحد لأمن السلطة وهدف لأمن حماس، يعني لا غالب ولا مغلوب! ويبقى الوضع على ما هو عليه في انتظار جولة أخرى، نأمل ألا تعاد.
ماذا تقول لنا هذه التصرفات غريبة الأطوار وماذا يمكن أن نستخلص منها، أن الأمن في الطرفين ربما هو الذي يرفض المصالحة وإنهاء الانقسام لغرض في نفس يعقوب، ويحارب أي جهات تدعو إلى ذلك، هكذا تبدو الصورة من الخارج، وربما هي كذلك.
يجب ان نستوعب أن هناك حقوقا يكفلها الدستور للمواطن، وأي انتهاك لها هو انتهاك للدستور يعاقب عليها القانون، وما حصل مساء الاربعاء 13 يونيو الموافق 28 رمضان، وما تبعه في قطاع غزة يوم الاثنين الموافق 18 يونيو الحالي هو انتهاك صارخ للدستور، ويجب أن يعاقب عليه رجال الذين شاركوا في التنكيل وكذلك من أصدر الأوامر إليهم للتصرف بهذا الأسلوب الهمجي.
لا خطأ في التظاهر، فمن حق المواطن أن يعبر عن غضبه، وأن يرفع صوته محتجا على الظلم الذي يحل بأهلنا في غزة، أو أي مكان آخر في فلسطين، واحتجاجا على استمرار الانقسام الذي يضر بالمشروع الوطني، خاصة في مثل هذه الأيام التي تشهد تحركات محمومة من قبل الولايات المتحدة ممثلة بالثالوث الصهيوني (كوشنر- غرينبلات – وديفيد فريدمان) المسؤول في البيت الأبيض، عما يسمى العملية السلمية في الشرق الاوسط، الذي يطوف عواصم عربية لإقناعها بالقبول بصفقة القرن، التي يروجون لها مع بعض العرب، ويحاولون فرضها على الفلسطينيين، مستخدمين العصا لرام الله التي أعلنت رفضها القاطع للتعامل مع أي صفقات لا تشمل دولة فلسطينية ضمن حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحل مشكلة اللاجئين، وفق القرار الأممي 194. والجزرة لقطاع غزة، من أجل إخراجه من معادلة الصراع بالتلويح بتحسين الظروف المعيشية والحالة الاقتصادية لأهله، الذين يعانون من الخنق والحصار منذ نحو 12 عاما، عبر إقامة مشاريع اقتصادية في صحراء سيناء، أو بناء ميناء في غزة أو في قبرص، أو حتى السماح بتخصيص جزء من ميناء أسدود الإسرائيلي لهذا الغرض. وهذا يحمل معاني كثيرة في مقدمتها، تقطيع الأراضي الفلسطينية الى كانتونات، وربما إمارات في محاولة للقضاء على الحلم الفلسطيني بالدولة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية.
إذن يأتي هذا القمع في وقت، القضية الفلسطينية تحتاج فيه إلى وحدة الصف الفلسطيني والالتفاف الجماهيري حول برنامج سياسي ونضالي واضح المعالم، قادر على مواجهة التحديات، وما شهدناه في رام الله وغزة يمزق الوحدة لا يحققها.
واخيرا إن ما فعلتموه هو استعداء للجمهور، الوضع الفلسطيني في غنى عنه، خاصة أنه يأتي في لحظة نحن في أمس الحاجة فيها للالتفاف الجماهيري حول موقف وطني صلب واحد، رافض للضغوطات العربية قبل الامريكية للقبول بـ»صفقة القرن».
الوقفات الاحتجاجية كانت سلمية، ولم تخل بنظام ولم تثر شغبا، ومن حق المحتجين أن يحتجوا ويتظاهروا ويعبروا عن قناعاتهم.
وأيا كانت نوايا المحتجين، وأيا كان من يقف وراء تلك الوقفات الاحتجاجية، ما هكذا تورد الابل يا «أجهزتنا الأمنية»، ولا يعطى الحق لك في أن تتصرفي بهذا الأسلوب اللاحضاري، وبهذا الأسلوب، وهذه الكمية من العنف التي كان يجب أن تُوفر للعدو الحقيقي الذي ينتظرنا على الابواب.
واختتم بالأمل في أن تكون هذه الخطيئة، هي الخطيئة الاخيرة، ونأمل أيضا في أن يكون أمن حماس قد تعلم هو الاخر درسا فلا يكرر فعلته المشينة والسماح للانسان الفلسطيني المقهور أصلا، بأن يمارس حقوقه في التظاهر وحرية التعبير، التي يكفلها له الدستور والاخلاقيات، والأهم من ذلك الأوضاع التي يعيشها في هذه الظروف الصعبة. ثمة مؤشر إيجابي وهو ان قرارا اتخذ على اعلى المستويات في السلطة بعدم تكرار ما حصل وعدم التعرض للوقفات الاحتجاجية، حرصا على الحريات العامة مع التأكيد على اهمية الحفاظ على القانون ونأمل من حماس أن تتخذ موقفا مماثلا.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
وسوم: العدد 778