حق المواطن العراقي في المياه
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
الماء سر الحياة وقد عبر القرآن الحكيم عن هذه الحقيقة بقوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) "الأنبياء - 30" ويقول تعالى في موطن أخر (وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْـمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)"الحج - 5" وقد أثبت العلم ان الماء يشكل 70% من جسم الإنسان وبدونه لا يمكن للجسم ان يحصل على الغذاء أو تطرح الفضلات منه، ودلت النصوص الشرعية على ضرورة الحفاظ على الماء إذ يقول تعالى (وَكُلوا وَاشرَبوا وَلا تُسرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفينَ) "الأعراف – 31" وقد نهى النبي محمد والعترة الطاهرة عن الإسراف في الماء أو تعريضه للتلوث كما لو قام أحدهم بالإحداث في الماء أورمي الفضلات وغيرها لأهمية الماء للإنسان وكونه ثروة طبيعية حقيقية.
من الجانب القانوني لم تعترف لوائح الأمم المتحدة وإعلاناتها بالماء كحق مستقل للإنسان بيد إن العديد من النصوص وردت في الاتفاقيات والمعاهدات ارتقت به إلى مصاف الحقوق الأساسية، ولعل السؤال هنا ليس عن أهمية الماء المقطوع بها بل عن طبيعة التزام الدولة بمؤسساتها الرسمية تجاه مواطنيها بتوفيره لمختلف الاستعمالات والتزام الدول الأخرى في عدم العدوان على الماء أو إنقاص حصص الدول المتشاطئة التي تتقاسم مياه نهر دولي معها بما من شأنه أن يؤثر على شعب وحقوق دولة المجرى أو المصب بالتصرفات التي تجريها دولة المنبع؟
وتشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى ان ما يربو على (2) مليار من البشر لا يحصلون على مياه شرب صالحة للاستعمال البشري والمفارقة إن هذه المشكلة ليست حكراً على الدول الفقيرة بل حتى الدول المتقدمة التي يعاني سكانها من نسب تلوث عالية جداً في مياه الشرب والصرف الصحي وبدا واضحاً في الوقت الراهن أن من أهم حقوق الإنسان في العراق على وجه الخصوص والعالم هو "تلبية الاحتياجات الأساسية من المياه الصالحة للاستعمال البشري في الشرب والصرف الصحي وغيرها من الاستعمالات الأساسية التي لا غنى عنها" وفي العقد الماضي بدا اهتمام الدول بهذه المعضلة يتزايد فقد دعا الاتحاد الأوربي إلى تبني إستراتيجية تقوم على حق الجميع الحصول على مياه كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية، وأعلن قادة منطقة آسيا والمحيط الهادئ في طوكيو العام 2007 إن الاعتراف حتمي بحق الإنسان في الحصول على المياه النقية للاستهلاك وإنها تعد أحد مقومات الأمن البشري، وتعرف اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية المنبثقة عن العهد الدولي الذي أقر العام 1966 حق الإنسان في الحصول على المياه بأنه حق كل فرد في أن يحصل على كمية مناسبة من الماء تكون كافية ومأمونة ومقبولة ويمكن الحصول عليها مادياً وميسورة مالياً لاستخدامها في الأغراض الشخصية والمنزلية.
فرغم إن العهد المذكور لم يفرد مادة خاصة لحماية الحق في المياه إلا أن المعاهدات الشارعة الأخرى من أمثال اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 أشارت لهذا الحق في المادة (24و27) كما تضمنت إشارة لهذا الحق اتفاقية الأشخاص من ذوي الإعاقة لعام 2006 في المادة (28) كما إن اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين 1977 أكدا أهمية حياد المياه وعدم تعريض الماء لأي نوع من الاعتداء في جميع المنازعات الدولية وغير الدولية، والعراق وهو يضم بين جنباته نهري دجلة والفرات يعاني الكثير من أفراد شعبة من مشكلة عدم الحصول على المياه للشرب أو للصرف الصحي وغير ذلك من الاستعمالات المعتادة وبعيداً عن الجدل الذي يدور حول حقوق العراق المكتسبة في مياه نهري دجلة والفرات بناءً على الاتفاقيات التي أبرمت لهذا الغرض مع الجانب التركي ومنها اتفاقية العام 1946 وبروتوكولاتها لاسيما الأول، وكذلك قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية والتي أقرتها الأمم المتحدة وصادقت عليها الجمعية العمومية بالقرار رقم (2669 في 8 كانون الأول 1970) والتي أنضم إليها العراق بالقانون رقم (39) لسنة 2001، وهنالك اتفاقيات عديدة تعود للعام 1966 و1997 تؤكد حقوق العراق في مياه نهريه بيد ان دول الجوار تعتدي على حصة البلد منذ سنوات خلت ما تسبب بهلاك آلاف الدونمات وتحولها من أراضي زراعية إلى صحاري قاحلة، ثم المشكلة لا تقف عند هذا الحد ففي الداخل العراقي العديد من الإشكاليات التي من شأنها ان تهدد حق العراقي في الحصول على المياه للاستهلاك اليومي ومنها:
1- الصراع مع الإرهاب الذي أثر سلبا على البنى التحتية ومنها السدود ومشاريع تحلية وتصفية المياه في عموم البلد.
2- تقادم العديد من المشاريع الخاصة بتوصيل المياه للمواطنين.
3- توقف أو تلكؤ المشاريع الجديدة التي باشرت بها الحكومات المحلية أو الوزارات الاتحادية والخاصة بالمياه والصرف الصحي أو غيرها.
4- التلوث الذي أصاب مجمل البيئة في العراق وعلى رأسها البيئة المائية فعلى الرغم من إقرار قانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) لسنة 2009 الذي عالج تلوث المياه في المواد 14 وما بعدها إلا ان المعالجات لا تزال دون مستوى الذكر لا الطموح.
5- تداخل الاختصاصات وتعارض القرارات بين المحافظات العراقية وغياب دور الحكومة المركزية في إقرار خطة حقيقية لتوزيع الحصص المائية بنحو من العدالة على المحافظات العراقية إذ ان الدستور العراقي للعام 2005 أشار إلى ان هذه المهمة تدخل ضمن صلاحيات الهيئات الاتحادية في المادة (110) التي تنص في البند الثامن على (تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق وضمان مناسيب تدفق المياه وتوزيعها العادل داخل العراق) ثم أردفت المادة (114) الخاصة بالاختصاصات المشتركة القول ان (رسم سياسة الموارد المائية الداخلية وتنظيمها بما يضمن توزيعاً عادلاً لها وينظم ذلك بقانون) وفي كلا الحالتين الموارد الخارجية أو الداخلية لم تستثمر بشكل جيد ولم يصدر قانون بالأمر.
6- الزيادة المطردة في المناطق السكنية والعمرانية وتزايد البناء العشوائي وانعكاس ذلك على استخدام المياه بشكل مباشر.
7- سوء التخطيط لاستغلال الثروة المائية في العراق.
8- الفشل الحكومي في ملف المفاوضات مع الجانب التركي والإيراني لضمان مناسيب مياه عادلة للعراق من شأنها ان تغطي حاجة العراقيين من المياه.
9- تكاسل الدبلوماسية العراقية في النهوض بوجه اعتداءات الجانب التركي على الخصوص على حصة العراق المائية في نهري دجلة والفرات طيلة الخمسة عشر سنة الماضية.
10- فشل ذريع للدبلوماسية العراقية في إقناع الجهات المانحة التي مولت سد "اليسو" التركي بالضغط على الجانب التركي لاحترام حصة العراق من المياه.
11- فشل الخارجية العراقية في نقل المشكلة إلى المحافل الدولية لاسيما مجلس الأمن ليصدر ولو بيان إدانة لتحويل مياه نهر دجلة إلى خزانات سد اليسو أو على الأقل استغلال صداقة العراق مع الدول الكبرى لتحث الجانب التركي على احترام حصة العراق.
12- عدم السعي الجدي لدى منظمات الأمم المتحدة لتشكل عامل ضغط على الجانب التركي فإنقاص حصة العراق قد ينهي الأهوار في الجنوب ويهددها بالزوال وقبل سنتين كنا نحتفل بإدراجها على قائمة التراث الإنساني لدى اليونسكو.
13- عدم قدرة الحكومة العراقية على استغلال ورقة التبادل التجاري مع الجارتين إيران وتركيا للضغط عليهما في احترام حصة العراق المائية.
دستوريا السلطات العامة في العراق ملزمة بتوفير الماء لأفراد الشعب العراقي وذلك وفق الالتزامات الآتية:
أ- منع تلوث المياه: إذ تنص المادة (33/ تكفل الدولة حماية البيئة والتنوع الإحيائي والحفاظ عليها) ونقص المياه يسبب تلوثاً للماء ويفوت الفرصة في استعماله بشرياً.
ب- الحق في حياة كريمة: إذ تنص المادة (30/ ان الدولة تكفل للعراقيين.. المقومات الأساسية للعيش في حياة حرة كريمة).
ت- الحق في الحياة كأصل من الأصول الثابتة فقد ورد في المادة (15/ ان لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية...).
والحق في المياه يلقي على الحكومة التزامات أخرى منها ضرورة توفيره للجميع لغرض إدامة الاستعمال الاعتيادي للمياه وعلى رأسها الاستهلاك اليومي الذي يعد حق طبيعي يتهاوى بسبب نقص المياه خصوصاً في الصيف وانقطاع المياه الصالحة للشرب عن العديد من المناطق السكنية أو وصول مياه لا تتلاءم مع الاستهلاك البشري فالمواطن له إزاء الحكومة.
1- يجب أن تكون إمدادات المياه كافية وبصورة مستمرة لتغطي مختلف أنواع الاستعمالات اليومية.
2- يجب أن تكون المياه صالحة للغرض المخصصة له، بيد ان الحكومة فشلت بكل ما تقدم فعلى سبيل المثال المبازل في العراق تنفث الأملاح في نهري دجلة والفرات وترتفع معدلات الملوحة فيهما بشكل مخيف كلما اتجهنا صوب الجنوب ليتحول ماءهما إلى غير صالح للاستهلاك في مدن ميسان وذي قار والبصرة ولا معالجات رسمية تذكر.
3- يجب تأمين خزين استراتيجي يغذي مرافق تحلية وتصفية المياه في فصل الصيف وهو المقصود من إنشاء السدود والبحيرات الصناعية والأهوار الطبيعية في الجنوب بيد ان الواقع يشير إلى اهمال حكومي وقرارات غير مدروسة في هذا الخصوص.
4- ينبغي ان يصل الماء إلى المواطن مادياً وعبر مشاريع حديثة تلبي الطلب بيد ان التقارير تؤشر اضطرار بعض النسوة الريفيات في بعض القرى والقصبات إلى السير لعدة كيلو مترات في الجنوب للحصول على مياه تستعمل منزلياً رغم انها لا تتطابق مع المعايير الدولية لسلامة المياه.
5- ينبغي ان تكون كلفة الحصول على المياه معقولة وفي متناول الجميع مع تكفل الدولة بإعفاء أصحاب الدخل المحدود من الرسوم نزولاً عند المادة (28/ثانياً) من الدستور.
هنالك صلة للحق بالمياه بالعديد من الحقوق الأخرى للفرد العراقي نذكر منها:
1- الحق في التعليم فعلى الدولة ان توفر مياه شرب صحية للتلاميذ والطلاب ودورة مياه صحية ملائمة للجميع تراعي الجنس أو النوع.
2- الحق بالمياه الصالحة يتصل منطقياً بالحق في الصحة الذي تضمنه الدستور بالمادة (31) وقانون الصحة العامة رقم (89) لسنة 1981 المعدل.
على الجانب الأخر ان قيام الجارتين تركيا وإيران بإنقاص حصة العراق في المياه يعد وبحق إنكار لحقوق الإنسان العراقي ومخالفة واضحة لكل القيم الإنسانية والالتزامات القانونية التي تمنع من ان تكون الموارد الأساسية للحياة الحرة الكريمة للفرد موطنا للتعرض لها بحال من الأحوال سواء في وقت السلم والحرب على حد سواء ولعلنا نكتفي بالإشارة إلى اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية التي تبنتها الأمم المتحدة في 8 تموز 1997 والتي تعرف مادتها الثانية المجرى المائي الدولي بأنه "أي مجرى مائي تقع أجزاؤه في دول مختلفة" وتؤكد المادة الخامسة من الاتفاقية إنه "تنتفع دول المجرى المائي كل في إقليمها بالمجرى المائي الدولي بطريقة منصفة ومعقولة...".
وتعطي المادة السابعة للعراق وغيره من الدول التي تتقاسم مياه نهر دولي الحق باتخاذ التدابير المناسبة للحيلولة دون وقوع ضرر عليها في حال عدم وجود اتفاق ثنائي مع الدولة الأخرى، وبعيداً عن الجدل الفقهي حول إلزامية الاتفاقية الدولية للجانب التركي من عدمه ورفض تركيا التصويت عليها في الجمعية العمومية، وموعد دخولها حيز النفاذ، نقول ان الحفاظ على حقوق العراق المائية ان لم يوجد له أساس اتفاقي، فالأساس العرفي في القانون الدولي كفيل بسد النقص أو القصور، علاوة على كل ما تقدم ان التزام تركيا تجاه الشعب العراقي لا يتحدد في اتفاقية 1997 بل يمتد إلى اتفاقية هلسنكي 1966 وكل اللوائح والإعلانات المتعلقة بحقوق الإنسان لاتصال المياه بحاجة أساسية لا يمكن ان يحتج قبلها بالسيادة على الإقليم لعمل التصرفات الضارة بالغير ومصادرة الحقوق الإنسانية والتاريخية للعراق والعراقيين في مياه نهري دجلة والفرات.
وسوم: العدد 780