فاتحة خطاب العرش لهذه السنة انتكاسة كبرى للدين يستهدفون استقرار وأمن المغرب

لقد تضمنت فاتحة خطاب العرش لهذه السنة رسالة واضحة للذين يستهدفون استقرار وأمن المغرب ، ولا شك أنهم  شعروا بنكسة كبرى وخيبة أمل خصوصا وأنهم كانوا لا يفوتون فرصة حراك اجتماعي أو فيسوبوكي دون النفخ فيما يهدد أمن واستقرار الوطن  حتى أنه ليخيل لمن يستعرض تصريحاتهم الإعلامية  أن الوطن على شفا انهيار تام  . ومنهم من لا يتردد في التعبير صراحة أن المغرب يواجه مصيرا مجهولا ، وهؤلاء يسخرون ممن يتحدث عن نعمة الأمن والاستقرار التي ينعم بها وطننا مقارنة مع ما تمر به بلدان شقيقة في الوطن العربي  من عدم انعدام الأمن  والاستقرار .

وقول جلالة الملك في خطابه : " إن الوطنية الحقة  تعزز الوحدة والتضامن  وخاصة في المراحل الصعبة . والمغاربة الأحرار لا تؤثر فيهم تقلبات الظروف رغم قساوتها أحيانا بل تزيدهم إيمانا على إيمانهم ، وتقوي عزمهم على مواجهة الصعاب ، ورفع التحديات .وإني واثق من أنهم لن يسمحوا  لدعاة السلبية والعدمية  وبائعي الأوهام باستغلال بغض الاختلالات للتطاول على أمن المغرب واستقراره أو لتبخيس مكاسبه ومنجزاته لأنهم يدركون أن الخاسر الأكبر من إشاعة الفوضى والفتنة هو الوطن والمواطن على حد سواء "

قد حدد بالضبط الذين يستهدفون استقرار الوطن وأمنه ، ويريدون إشاعة الفوضى والفتنة فيه ، وقد سماهم دعاة السلبية والعدمية وبائعي الأوهام ، وهي صفات تنسحب على كل الذين يركبون كل حدث يقع في الوطن لجعله وسيلة لإشعال نار الفتنة .

 ومعلوم أن المغرب بحكم موقعه الجغرافي  شمال القارة السمراء وجنوب القارة العجوز ، وغرب الوطن العربي الذي يشهد مشرقه فتنا عظمى  تحير الحليم وتشيّب الوليد لا يمكنه ألا يتأثر بأحداث المنطقة التي يوجد فيها، ذلك أن القارة السمراء ألقت بفلذات أكبادها نحو القارة العجوز الذين فروا من  ويلات الحروب الطاحنة والمجاعات والاستبداد، والذين يتخذون  منه معبرا وبوابة إلى وجهتهم التي يعتبرونها جنة النعيم ، و يعتبرونه محطة انتظار لعبور عباب المتوسط على متن قوارب الموت الهالك فيها أكثر من الناجي ، وأهل القارة العجوز يعملون كل ما في وسعهم لسد كل المنافذ في وجوههم  منعا لزحفهم الذي يعتبرونه  منغصا ينغص عليهم نعيمهم  ولذة رفاهيتهم التي صنعوها بمقدرات بلدان من صاروا يهاجرون إليهم  في فترة احتلالها وبعدها  وهم من يسوقون الأسلحة إليها وهم صناع الحروب الطاحنة فيها .

 والشرق الأوسط أيضا ألقى بفلذات أكباده الفارين من جحيم الحروب الطاحنة  نحو القارة العجوز، ومنهم من يتخذ المغرب معبرا إليها أو محطة انتظار للعبور أو مستقرا ومقاما .

ولو لم يكن غير هذا الوضع الكارثي المتعلق بهجرة الأفارقة و هجرة الأشقاء العرب تحديا يواجهه المغرب لكفى  لخلق صعوبات ليس من السهل  عليه مواجهتها .

ومعلوم أن تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التي ظهرت بوادرها سنة 2008 ولا زالت قائمة إلى أجل غير معلوم  بعد مرور عقد من الزمن لم يسلم المغرب منها ، وهي أيضا وحدها كافية لجعله تحت رحمة وضع اقتصادي في منتهى الصعوبة  والتعقيد . وإذا كانت دول في القارة العجوز وفي القارة خلف المحيط الأطلسي،  وهي من هي قوة اقتصاد قد نالت منها هذه الأزمة الخانقة التي صنعها صناع خبراء في صنع الأزمات بمكر وخبث ودهاء قد ضاق بها الأمر، فكيف  يكون حال المغرب البلد المتواضع اقتصاديا قياسا مع البلدان العملاقة ،والتي تدير اقتصاد العالم كما تشاء ، ولا يثبت أمام مؤامرتها الاقتصادية أحد ،فهي إن شاءت أفقرت وإن شاءت أغنت ـ  وأستغفر الله  العظيم عن هذا التعبير لأنه  وحده المفقر المغني ـ وإنما قصدي هو  التعبير عن ممارسات تلك الدول التي تستهدف زعزعة الاستقرار الاقتصادي لبلدان ما يسمى بالعالم الثالث متى شاءت ، ومن ثم زعزعة أمنها وسلامها واستقرارها السياسي والاجتماعي .

وإلى جانب التأثيرات الخارجية على الوضع الداخلي للمغرب، يوجد أعداء  وحدته الترابية  في الخارج الذين يتربصون به لإيجاد منافذ تفضي إلى زعزعة استقراره وتحقيق هدف تفكيكه ، كما يوجد في الداخل من يعتبرون طابورهم الخامس الذي يحاول توظيف كل حراك اجتماعي سببه ظروف المعيشة ليتخذه مطية يركبها لاستهداف وحدة الوطن واستقراره وأمنه خدمة لأهداف  أعداء وحدته الترابية في الخارج .

ومن الطبيعي أن يمر وطننا كسائر بلدان العالم بظروف صعبة  اقتصادية واجتماعية ، والاقتصاد والاجتماع صنوان لا ينفك أحدهما عن الآخر، ولا يمكن أن يكون تجاوز هذه الظروف عن طريق الدفع في اتجاه  التفريط في أمنه واستقراره أو التحريض على ذلك بشتى الطرق والوسائل خصوصا في زمن تطور تكنولوجيا التواصل الاجتماعي التي باتت توظف بشكل رهيب في تسويق الأراجيف المشعلة لأشد الفتن .

وإذا أضفنا إلى ذلك فشل الأحزاب السياسية عندنا ،والتي لم تعد تحظى بثقة المواطنين وقد جربوا يمينها ويسارها ، فوجدوا أن عبارة : " أبناء عبد الواحد كلهم واحد "  التي يستعملها المغاربة كمثل تنطبق عليها، وكلها تبيع الأوهام ، فإننا نفهم لماذا التف المواطنون حول أنفسهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وصاروا يعبرون عبرها عن همومهم وانشغالاتهم ، وصاروا يعبئون بعضهم البعض  محاولة منهم للضغط من أجل تغيير واقعهم ،وتحسين ظروف عيشهم وقد فقدوا الثقة في الأحزاب وفي من صوتوا عليهم ليكونوا سبب معاناتهم .

وبالرغم من كل ما يواجهه المغرب من صعوبات أشار إليها عاهل البلاد  صراحة في خطابه ، فإن نعمة الأمن والاستقرار لا تعدلها نعمة ، لأن  فقدانها وخسارتها لا تعوض . والشعب المغربي له من الكياسة وبعد النظر ما جعل جلالة الملك يثق في أنه يدرك حق الإدراك قيمة هذه النعمة ، وأنه يشكرها ولا يكفرها مهما واجه من صعوبات ، وأنه لن يقبل ببديل عنها  مهما، ولن ينخدع لمن سماهم جلالته العدميين والسلبيين الذي يدفعون في اتجاه تيئيسه ليجازف بنعمة أمنه واستقراره ، ويراهن بها على المجهول الذي هو مجرد سراب بقيعة ،وهي مجازفة يوهمه باعة الأوهام أنها هي الحل والسبيل لتغير أوضاعه وللتخلص من الصعوبات التي يواجهها أويمر بها .

ومعلوم أن الأمم تنفق كل ما لديها من غال ونفيس  من أجل الحصول على نعمة الأمن والاستقرار، لأن الرفاهية والعيش الكريم مرتبطان بها ، وهي أول وكل ما سواها  في المحل الثاني. وكل شعب يجازف بأمنه واستقراره  من أجل المجهول ،لا يمكن  أبدا أن ينعم  بالرفاهية والعيش الكريم . ولقد باع باعة الأوهام لشعوب عربية شقيقة أوهام التخلص من الفساد عن طريق ركوب الفتن والفوضى، فندمت تلك الشعوب أشد الندم على ما فرطت فيه من أمن واستقرار ، فلا هي حافظت على ما كان عندها من مكاسب ، ولا هي حققت ما أغراها به باعة الأوهام ، فدمرت نفسها تدميرا .

وأخيرا لا نشك في أن الشعب المغربي الأصيل سيشاطر قيادته الرشيدة  فكرة صيانة نعمة الأمن والاستقرار قبل كل شيء ، وأن الصعوبات مهما عظمت لا تستعصي على الحل ، ولا يمكن أن تكون سببا في يأسه ، وتفكيره في المغامرة باستقراره وأمنه استجابة لدعاة السلبية والعدمية وباعة الأوهام على حد تعبير عاهل البلاد في خطابه الذي يعتبر أفضل مكاشفة بين ملك وشعبه بينهما رباط متين  لتسير سفينة الوطن بسلام حتى وسط الأمواج العاتية لتصل إلى بر الأمان. ولقد نصح عاهل البلاد شعبه الأصيل نصحا أغاظ الأعداء وعكس مرادهم ، ونأمل أن يكون هذا الشعب كما كان دائما مخلصا في حب وطنه وحب قيادته الرشيدة .

وسوم: العدد 783