توجيهات "العلامة" بشار بن حافظ الأسد!

المساجد الواقعة في المناطق التي استرجعها النظام كلها، وكذا المدارس الواقعة في المناطق التي استرجعها النظام كلها، كما باقي المساجد والمدارس والمؤسسات الواقعة تحت حكم الأسد؛ كل ذلك صار خاضعاً لتوجيهات "العلامة" بشار بن حافظ الأسد الدينية، عبر وزارة الأوقاف السورية. في الغوطة الشرقية -على سبيل المثال لا الحصر- صار أئمة المساجد ملزمين بالدعاء "للسيد الرئيس".

قد يظن كثيرون أن بشار مجرد ديكتاتور علوي، وأن إلزام الناس بتبجيله لا يشذ عن سلوكيات الطغاة، لكن ما يخفى على كثيرين أن بشار الأسد نصب نفسه علامة منذ العام 2014 عندما أطلق مشروع الموسوعة الفقهية: "فقه الأزمة"، المكون من أربعة أجزاء، "بعد خطاب تاريخي لدعاة وداعيات وعلماء بلاد الشام"، حيث "اعتبر علماء بلاد الشام أن أقوال الرئيس الأسد منهجاً فقهياً اعتمدوا عليها في أبحاثهم التي من خلالها أنتجوا سلسلة تنويرية بعنوان فقه الأزمة"، وفقاً لوزير أوقاف النظام السوري محمد عبد الستار. 

الموسوعة الفقهية نفسها ضجت بأقوال "العلامة" بشار؛ على سبيل المثال لا الحصر: "إذا لم نقم باسترداد الإسلام إلى موقعه الطبيعي لغوياً وثقافياً وعقائدياً من خلال المصطلحات فسنكون أمام إسلام إما عثماني أو قطري أو أمريكي. عندما نخسر المصطلح نخسر العقيدة وعندما نخسر العقيدة نخسر الثقافة ونخسر معها الأخلاق والاقتصاد والسياسة والمجتمع ونخسر كل شيء. عندما نفصل الدين عن الأخلاق فمعناه أننا نمارس كل الشعائر ولا نمارس أي شيء من أخلاقيات الدين. عندما يحصل انفصال بين العروبة والإسلام معناه أن هناك عدم استقرار اجتماعي وبالتالي أمني. نحن مسلمون ولسنا إسلاميين. سقوط الإسلام السياسي يعني عودة الإسلام الدعوي. الإرهاب ليس حالة أمنية بل هو حالة فكرية لها مظاهرها السياسية والأمنية وحتى الثقافية. 

وبعد مقدمة طويلة عن أقوال للسيد الرئيس يعرض الفهرس لأبواب الموسوعة؛ على سبيل المثال لا الحصر: الوهابيون خوارج العصر- الإخوان المسلمون بداية دين بلا دين (الجزء الأول)- جهاد النكاح وحقوق المرأة في الإسلام (الجزء الثاني).. فيما يبرز العنوان الأغرب والأطول في الجزء الثالث: "خارطة طريق العمل الدعوي والإرشادي من خلال المنظومة الفكرية العلمية في خطاب السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد لصياغة وبناء الوطن والأمة في ضوء الفهم الصحيح للإسلام الحقيقي/ دراسة تحليلية. 

يقول وزير الأوقاف عن هذه الموسوعة في مقابلة على قناة الميادين (4/12/2014): "تنبهت وزارة الأوقاف السورية بإدارة وزير الأوقاف الدكتور السيد فوضعت موسوعة راقية بعنوان فقه الأزمة، في محاولة من هذه الوزارة تصحيح مسار 14 قرناً، وحملت على عاتقها إنتاج فكر إسلامي متأصل بمصادر التشريع، في محاولة لإنقاذ الإنسان المسلم الذي أصبح هدفاً للقتل والذبح من الوريد إلى الوريد، حتى قيل إن الإسلام يقتل مسلميه.. ومنذ بدأت حركة الفقه في التاريخ الإسلامي كان الفقه يتطرّق إلى بابين لا ثالث لهما: فقه العبادات وفقه المعاملات. المفكرون والعلماء والفقهاء خلال الفترات الزمانية السابقة لم يضعوا لنا فقهاً للأزمات حتى يكون مرجعاً لنا أمام هول ما نراه اليوم".

بناءً على ما سبق أصدر وزير الأوقاف: "معايير وضوابط الخطاب الديني والخطابة المنبرية ومهام القائمين بالشعائر الدينية في سورية وأسس الخطابة المنبرية من خلال المصطلحات التاريخية في خطاب السيد الرئيس بشار الأسد أمام الدعاة والداعيات" العام الماضي، وهي بدورها صارت المعايير واجبة الاتباع في مناطق سيطرة النظام السوري، بما فيها تلك المحررة، تحت طائلة العقاب. 

أما في 31/7/2018؛ فقد ألقى وزير الأوقاف إياه محاضرة "في حشد كبير من العلماء؛ تحدث فيها عن تفسير القرآن الكريم تفسيراً معاصراً، وفق المرتكزات الفكرية للسيد الرئيس بشار الأسد في الإصلاح الديني"، وفقا لما جاء في الإعلان الرسمي الصادر عن الوزارة. أعقب ذلك إصداره كتاباً رسمياً لتشديد الرقابة "على المساجد والمعاهد والمدارس الشرعية في سوريا" التي تحوي كتباً مندسة "لابن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب، وسواهم من التكفيريين أصحاب الفكر الضال...". 

الغريب في الأمر، أن ديدن الطغاة مطالبة العلماء بعدم التدخل في السياسة، رغم أنهم يحشدون في بطانتهم العلماء دائماً... أما بشار فقد نصب نفسه علامة، وقد باتت أقواله فقهاً "يصحح خلل 14 قرناً"، و"تفسيراً إصلاحياً للقرآن الكريم".

وسوم: العدد 785