هل غيَر السوريون من طباعهم وأخلاقهم حتى يستحقوا النصر؟؟؟
لقد مضى تسع وثمانونا شهرا بالضبط على إنطلاق الثورة السورية.. أكثر من ألفين وسبعمائة يوم من الصراع.. والكفاح.. والنضال مع عدو حاقد.. لدود عنيد.. لا يشابهه أي عدو آخر في الدنيا..
يستبيح كل شىء للمحافظة على وجوده.. ألفين وسبعمائة يوم من الآلام.. والأحزان.. وشلالات الدماء.. وآلاف الضحايا.. والجرحى.. والمعتقلين.. ومئات الألوف من المشردين.. والنازحين.. الهائمين على وجوههم في البراري والصحارى.. بعضهم قد يجد خيمة يؤوي إليها.. وآخرون لا يجدون سوى الأرض يفترشونها.. والسماء يلتحفونها...
بعد كل هذه الأهوال.. والشدائد.. والمعاناة القاسية التي لاقاها أهلنا.. وظهور آلاف الضفادع.. والعناكب.. والعقارب السامة.. والخونة.. والمندسين في صفوف الثورة!!!
يجدر بنا أن نقف مع بعضنا البعض وقفة تأمل.. وقفة شجاعة وجريئة.. وقفة نقد ذاتي.. نتعرف فيه على أحوالنا.. وأوضاعنا.. وأخطائنا.. وسلبياتنا.. بدلاً من أن نبقى نكيل التهم بإستمرار لغيرنا على تقصيرهم.. وعجزهم.. عن مساعدتنا.. وخذلانهم لنا – وإن كان انتقادنا لغيرنا محقا..لأن واجبهم الإنساني.. والديني.. والقومي.. والأخلاقي.. يقتضي منهم القيام بالمساعدة – ولكن انتقاد أنفسنا أولى.. والعمل على تغيير مسيرتنا أهم وأجدى..
ومن هنا أنطلق إلى الحديث عن بعض السلبيات.. والتصرفات غير الحسنة.. التي لا تزال موجودة عند البعض الغالب من شعبنا – وليس الكل –
ولكن قبل أن أبدأ في ذكر السلبيات..
أريد أن أقطع الطريق على الذين قد يتربصون بالشعب السوري الدوائر.. ويريدون الإصطياد في الماء العكر.. وينتهزون الفرصة.. للشماتة به.. والفرح لما أصابه..
أريد أن أؤكد على حقيقة طبيعية لدى كل البشرية..
أنه لم.. ولن يوجد نقاء كامل من كل الشوائب.. لدى أي فصيل من فصائل البشر.. حتى في أزهى وأشرف عصورها.. وهو عصر الصحابة.. لم يخل من بعض شوائب.. وسلبيات..
الحقيقة الثانية: التي أريدها من السوريين أن يعرفوها – قبل أن تنطلق الإتهامات والإحتجاجات – أن ذكر هذه المثالب لدى شعبنا.. ليس فيه شين.. ولا عيب.. ولا نشر غسيل.. ولا فضيحة.. لأننا لا نعيِر.. ولا نعيب شخصاً.. أو مجموعة معينة.. وإنما نتحدث بشكل عام.. ولا نقول أن كل الشعب يتصف بها.. وإنما الغالبية العظمى.. وليس لدينا طريقة لإيصال هذه الرسالة بشكل سري لكل فرد من الثلاث وعشرين مليون إنسان.. إلا الكتابة ونشرها في وسائل الإعلام المختلفة..
الحقيقة الثالثة: أن الشعب السوري قد خطا في الفترة الماضيةً خطوات جيدة في التغيير .. والتخلص من السلبيات.. إلا أنه للأسف لم يصل إلى القدر المطلوب منه.. وإني أستشف من قدر الله – ولا أدعي معرفة الغيب – كأنه يريد تطهير هذا الشعب العظيم في غالبيته العظمى.. من العيوب.. والمثالب التي سأذكر قسما منها – ولا أدعي أني قد أحطت بكل شىء – ويُعِده لأمر عظيم يزيده شرفاً.. ورفعةً.. وعلواً... على شعوب الأرض قاطبةً.. تحقيقا لوعد الله لرسوله.. كما جاء في الأحاديث الشريفة:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَحَوَّلَ خِيَارُ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِلَى الشَّامِ، وَشِرَارُ أَهْلِ الشَّامِ إِلَى الْعِرَاقِ»(5) وعَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ الْأَسَدِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَهْلُ الشَّامِ سَوْطُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ، وَلَا يَمُوتُوا إِلَّا غَمًّا وَهَمًّا»
السلبية الأولى: انتشار الكراهية والعداوة بين الناس، والحزازات.. والحذر.. والخوف الشديد.. من بعضهم البعض.. نتيجة ما زرعه النظام الأسدي من مخبرين كثر.. يتجسسون.. ويشون على بعضهم البعض.. حتى أن الواحد منهم لا يتورع أن يشي بأخيه.. أو أمه.. أو أبيه.. أو جاره.. أو صديقه من أجل كلمة صغيرة.. فيها انتقاد للنظام.. ولو بشكل غير مباشر.. حتى أن شابا حمصياً جاءني للعيادة منذ فترة قال لي: حينما جئت إلى دبي قبل سنتين حذرني ألصق الأصحاب لي.. بألا أخالط الجالية السورية.. وألا أتواصل مع أي واحد منهم.. خشية أن يصيبني الأذى.. والضرر منهم...
السلبية الثانية: الفجور في الخصام.. وسرعة القذف.. والإتهام.. حينما يختلف شخص ما.. مع آخر في أي مسألة.. يبدأ مباشرة في عداوته.. ومهاجمته بأقسى الألفاظ.. وتجريده من دينه.. وأخلاقه.. وإتهامه بالخيانة.. والعمالة لإسرائيل.. وأمريكا.. وسواها..
تهم معلبة.. وجاهزة للتصدير فوراً.. وبالبريد العاجل..
السلبية الثالثة: السب.. والشتم بأقذع الألفاظ.. وبكلمات نابية.. سوقية مهينة.. تهتز لسماعها أركان السموات والأرض.. وهذه الصفة بالذات لم أجدها – مع كل أسى وحزن شديدين - منتشرة بكثرة كاثرة لدى أي شعب عربي آخر.. كما هي منتشرة لدى الشعب السوري.. بناء على معايشتي لكل الشعوب العربية خلال خمس وأربعين سنة.. وزياراتي لمعظم البلدان العربية من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب..
فبمجرد أن يغلط واحد على آخر.. ولو غلطة بسيطة جدا.. يبدأ هذا الآخر بسبه.. وشتمه.. في نفسه.. وأمه.. وأخته وعماته.. وخالاته وبألفاظ معظمها من تحت الحزام..
السلبية الرابعة: حب التأمر.. والرئاسة.. والسيطرة على الآخرين.. بشكل مفرط لا مثيل له عند بقية شعوب الأرض.. إلا نادراً.. وهنا تُروى نكتة أو طرفة عن الرئيس شكري القوتلي – لا أدري مدى صحتها غير أن الطبيعة السورية تصدقها إلى حد كبير – حينما سلَم سورية لعبد الناصر في اتفاقية الوحدة المشؤومة بين سورية ومصر عام 1958 وكان وقتها عدد الشعب السوري أربعة ملايين شخص فقط لا غير.. قال له: لقد سلمتك أربعة ملايين رئيس.. فإعتبرها عبد الناصر وقتها مزحة.. أو فكاهة.. غير أنه لم تمض سوى ثلاث سنوات ونصف.. وإذا بأحد هؤلاء الرؤساء.. وهو العقيد عبد الكريم النحلاوي يقوم بإنقلاب فصل الوحدة في 28 أيلول 1961.. وبعد ستة أشهر يحصل إنقلاب آخر.. ثم بعد سنة وبالضبط في 8 آذار 1963 يحصل إنقلاب أسود.. أدخل سورية في نفق مظلم حتى الساعة...
وهذه الصفة السيئة بالذات هي السبب الرئيسي في تأخير تشكيل جسم موحد للمعارضة عشرين شهرا ، ومع كل أسف .. ومع لوعة وأسى عميقين.. لم يتشكل هذا الجسم إلا بعد الإجبار.. والإكراه.. وبالطريقة التي حددها وأرادها البابا فورد السفير الأمريكي في سورية..
السلبية الخامسة: الإنتقاد الجارح.. المشين.. المعيب.. مع السخرية.. والإستهزاء الشديدين جدا.. إلى حد الإفراط.. بأي كلام يسمعه.. أو يقرأه ولا يُعجِب مزاجه.. وهواه.. وطبيعة تفكيره.. وإطلاق الأحكام السريعة.. الجاهزة بحق الآخر..
السلبية السادسة: سرعة الغضب.. وحدة الإنفعال.. والهيجان مع التوتر العالي.. والتراشق بالكلام المهين.. الخارج عن الآداب والأخلاق.. وقد يصل الأمر إلى الضرب.. والعراك بالأيدي والأرجل.. وإشهار السلاح في وجه الآخر.. لأي كلام يسمعه أو موقف يقع له.. ولا يتطابق ولا ينسجم مع نفسه.. ومع دماغه.. وعقله.. وتكوينه..
وما حادثة قتل شاب أمام خطيبته.. في إحدى حدائق استنبول.. عنكم ببعيدة.. لأجل أمر تافه.. سخيف.. وهو رمي مخلفات الموالح على الأرض..
السلبية السابعة: الأنانية.. حب الأنا وليذهب الآخرون إلى الجحيم.. وليحترق البلد.. متفشية لدى النفس السورية بشكل مفرط.. وإلى حد مهلك ومدمر.. وفي سبيل بروز وسيطرة الأنا.. يسلك كل طرق الإلتفاف على الأخلاق.. والمبادىء.. والقيم..
ونظرة بسيطة.. متأنية.. ومتفحصة لأسماء هيئات الإئتلاف.. تجد أن قسماً غير قليل من الكيانات التي تمثلها تلك الأسماء وهمية.. لا وجود لها على الأرض.. إصطُنِعت على السريع لتبرز الأنا..
حتى أن أحدهم يطلع على التلفاز فيضفي على نفسه لقب رئيس هيئة الإنقاذ.. وهي غير موجودة على وجه الأرض..
ولكن لنفخ شخصيته المهينة يدعي كذبا أنه رئيس الإنقاذ!!!
هذا ما ظهر لي من سلبيات.. وربما آخرون يعرفون سلبيات أخرى..
ولكن كل أملي من هذه المقالة أن نتعاون.. ونتكاتف.. ونتآلف جميعا للعمل على التخلص منها.. ومن غيرها.. بأسرع ما يمكن.. كي نفوز بالنصر.. لأن الله تعالى إشترط..
( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ.) الرعد 13..
وسوم: العدد 786