الربيع العربي تسونامي شعبي ضد الظلم وليس مؤامرة

الربيع العربي

تسونامي شعبي ضد الظلم وليس مؤامرة

محمد المليص

إن التمرد الشعبي في الدول العربية جاء متأخراً عقوداً من الزمن بسبب الأنظمة الإستبدادية التي تآمرت مع القوى العظمى شرقية كانت أم غربية لكم أفواه الشعوب بالحديد والنار, والعمل على شراء الذمم ونشر الفساد المالي لبناء طبقة شعبية فاسدة تخدم تلك الأنظمة في إرهابها لمعظم أطياف المجتمع التي ترفض الإستبداد وسرقة السلطة والثروة وبالتالي إضعاف البلاد وتركها لقمة سائغة للطامعين الشرقيين والغربيين على حد سواء.

إن بعض الكتاب, وما يدعى بالمفكرين والباحثين, والذين معظمهم موظفون لدى مراكز وصحف ممولة من هذا النظام الإستبدادي أو ذاك أو هذا الحزب الإستبدادي الفاسد أو ذاك, يدعون بأن الشعوب العربية جاهلة وينخر عظامها المذاهب والتطرف الديني والأحقاد, وبالتالي هي ليست مؤهلة للديمقراطية بعد. لذا إن استمرار الأنظمة الحالية الإستبدادية مع الإصلاح طويل الأمد ولقرون هو الحل الأمثل للحفاظ على الأمن والإستقرار ووحدة البلاد.

إن أمثال هؤلاء الكتاب والمفكرين والباحثين يعون في داخلهم أنهم يكذبون ويخونون الشعوب, وهم إما مستفيدين من الواقع الحالي, وإما متورطين في الإنحياز لعشيرة أو عائلة حاكمة أو حزب إستبدادي فاسد أو متطرفين دينيا أو عرقيا. والدليل على ذلك مايلي:

أولاً عندما يثور أي شعب, فهو لا يثور لأنه عاشق للإنتخابات الديمقراطية التي تربى عليها أجداده, بل إنه يثور في وجه طغمة حاكمة تستأثر بالسلطة بالقوة وتسرق الثروات وتسجن وتقتل بغير حق, وتفرخ شريحة فاسدة في المجتمع للتحكم بباقي أطياف المجتمع. كثيرا من الشعوب التي ثارت في وجه طغاتها وانتصرت, قد مكنت نخبة من الثوار لإدراة البلاد مشترطين العدالة بعيدا عن الظلم الذي اعتادوه على يد الطغاة البائدين. لكن الخبرة البشرية أثتبت أن تلك النخب الثائرة سرعان ما تستبد ثانية وتصبح كالطفاة السابقين, من هنا ابتدعت البشرية, بعد خبرات مريرة, أنه لا بد من شيء اسمه صناديق الإنتخابات التي تمكن الشعب كل أربع سنوات من تغيير قياداتها كي لا تستبد وتسرق الأوطان وتظلم وتقتل بغير حق. أي الإنتخابات الديمقراطية ليست قمة العدالة, وإنما أقل شراً من أي نظام حكم إستبدادي.

ثانياً على هؤلاء الحثالة من الكتاب والمفكرين والباحثين أن يرحموا الأنظمة العربية الحاكمة ويبينوا لهم مخاطر عدم تسليم السلطة رويدا وريدا وبخطى متسارعة, وليس خلال عقود وقرون, للشعب وذلك قبل أن يداهمهم التسونامي الشعبي الذي لن يرحم, لأن التسونامي الشعبي سيكون مغمض العينين من شدة الظلم والحرمان, يريد أن يغمر الطوفان كل أركان النظام بصالحهم وبطالحهم خوفاً من بقاء ولو عجوز منهم على قيد الحياة فيستبد بالشعوب ثانية من خلال الإعتماد على الحثالة من الشعب وعلى القوى الخارجية

إن عصر الأنظمة الإستبدادية إن كانت تقدمية أو رجعية, عائلية أو عشائرية, دينية أو علمانية, مذهبية أو عرقية, قد أضحت من الماضي, وكل الباقين هم يعيشوا في الوقت الضائع وليس أمامهم سوى ضربات الجزاء المحسومة لصالح الشعوب, فطوبى لمن بدأ بحزم أمتعته من الأنظمة العربية وبدأ بتسليم السلطة للشعب. إن بعض الأنظمة العربية بدأت فعلاً بتسليم السلطة من خلال صناديق الإنتخابات, لكن المطلوب المتابعة والإسراع للحفاظ على مقدرات الوطن والشعب والقضاء على الفساد والظلم المتفشي في كل نواحي الحياة

ثالثاً إن الإدعاء بأن هناك تخوف من تسلل الإخوان المسلمين أو أي تيار ديني إلى السلطة من خلال صناديق الإنتخابات إعتمادا على التهييج الديني واستغلال المساجد والخطاب الديني, ولذا الحفاظ على الأنظمة الإستبدادية أرحم من وصول التيارات الدينية إلى السلطة, هو إدعاء باطل يهدف إلى تبرير استمرار أنظمة فاسدة منتهية الصلاحية بنت أوطاناً أوهن من بيوت العنكبوت. إن هكذا إدعاء يعطي التيارات الدينية غطاءاً لأن تمارس إستبداداً معاكساً وإرهاباً وقطع رؤوس وضياع المجتمع بين تيارين من الإستبداد, وإن الشعوب ستتعاطف مع الإستبداد الثاني نكاية بالإستبداد الأول الذي هو أعطى الحجة لكل أنواع الإستبداد المعاكس أن تنتشر في الظلام الدامس بسبب غياب صناديق الإنتخابات.

رابعاً لا يمكن أن يتطور أي شعب في العالم إلا من خلال صناديق الإنتخابات, رغم ما يعتري هذه الإنتخابات من فوضى وشراء ذمم وتهييج عرقي أو ديني أو مذهبي أو فكري. إن صناديق الإنتخابات هي بمثابة نحت العقول الصدئة دينيا أو عرقيا أو مذهبيا أو فكريا, وإن عملية النحت هذه صعبة وقاسية جدا في بدايتها بسبب النتوءات الحادة جداً والتي سببتها الأنظمة الإستبدادية والتخلف الديني الذي عاش في السراديب أو الذي عاش مرابياً لتلك الأنظمة. وبالتالي لا خوف من وصول الإخوان أو الشياطين إلى الحكم من خلال صناديق الإنتخابات, لأن الشعب الذي أوصلهم للسلطة سرعان ما يقتنع, من خلال النقد المضاد وشمس الحرية الساطعة في وجه الفساد والإستبداد الجديد بقبعة ديمقراطية, بأن الوقت حان لرميهم في مزبلة الشعوب لأنهم خانوا الأمانة وغشوا الناس وخدعوهم بشعاراتهم الكاذبة دينية كانت أم علمانية. فيعيد الكرة ويختار الشعب قيادات جديدة ويتم تجريبها ثم يعزلها ويجرب غيرها, وهكذا تضطر الأحزاب إن كانت دينية أم علمانية لأن تبدل من أفكارها ومن ممارساتها بما يؤهلها لأن تفوز برأي غالبية الشعب. أما الطامة الكبرى فهي عندما يتم كم أفواه الشعب لفرض قيادة عائلية أو عشائرية أو حزبية أو دينية بالحديد والنار, فعندها تموت الأمة قيادة وشعباً وتصبح الأوطان أوهن من بيوت العنكبوت.

منذ بداية الربيع العربي, كتبت بأنه لن يقوم قائمة للربيع العربي إذا لم تخطو السعودية خطوات سريعة باتجاه بناء دولة القانون وبحيث يتم تسليم الشعب السعودي السلطة رويدا رويدا بعيدا عن أي فوضى, لكن للاسف إن السعودية الغالية على قلوبنا جميعا بسبب مكانتها الدينية والعربية, لا زالت متمسكة بنظام من العصور الوسطى, وكذلك كل دول الخليج بالإضافة إلى الباقين من الأنظمة العربية.

نعم إن للنظام السعودي تاريخيا, ورغم الفساد المالي والإستئثار بالسلطة, كان نظاماً ضروريا في مرحلة تاريخية حرجة, وقد حافظ هذا النظام, مع علاته وكل سلبياته, على المصالح العربية والإسلامية بحدها الأدنى, من خلال تحالفاته الدولية وخاصة مع مافيا النظام المخابراتي البريطاني والأمريكي. إنه كان عصر المافيات المخابراتية والأنظمة الإستبدادية وتغييب الشعوب عن القيادة, وبالتالي لا يمكن لأحد أن يلوم آل سعود في ذلك الحين, بل هم حقاً يستحقون الشكر على حفاظهم على مكان المملكة عالميا وعلى الحد الأدنى من حقوق الأمة العربية والإسلامية

لكن عصر ستي وجدي قد تغير وأضحى للشعوب صوت يسمع عالميا, وكثير من الشعوب بدأت تزحف نحو مراكز القيادة. نعم, إن المخابرات الأمريكية, أم الديمقراطية, لا زالت جاثمة على صدور الشعب الأمريكي من خلال أدوات بوليسية وعسكرية تبول على الديمقراطية والإنتخابات وتستعمل رؤسائها كدمى لتنفيذ سياسات إستبدادية داخليا وخارجيا, إلا أنه من الغباء بمكان إذا لم نعترف أن تلك المخابرات الأمريكية المافيوية هي في إنسحاب تدريجي من الإستبداد, رغماً عن أنفها وليس بخيارها, وذلك بسبب الديمقراطية التي أعطت هامش كبير للشعب الأمريكي لكي ينحت في صخرة الإستبداد المخابراتية من خلال صناديق الإنتخابات. لا شك أن المخابرات, ليس فقط تبول في صناديق الإنتخابات لكي ينجح بعض عملائها وتستعملهم في إدارة الديمقراطية وإفسادها وفق الأهواء المخابراتية المافيوية, بل إنها تبرز وتفوح روائح تزكم الأنوف, لكن رغم كل ذلك إن التنين المخابراتي الأمريكي في ضمور لدرجة أنه سيتحول حتماً إلى مجرد جرذ يختبئ في مجاري الشعوب خوفا من المحاسبة الشعبية من خلال صناديق الإنتخابات. لا زال هذا الجرذ متحصن بقوانين ظالمة سنها أيام الظلم والإستبداد, لكن النحت الديمقراطي سيطول هذه القوانين ويغيرها مهما طال الزمن.

إذا كانت الديمقراطية الأمريكية والغربية لا زالت تحبو بسبب الإستبداد المخابراتي, فما بالك بالديمقراطية الروسية وما شابهها. إن كانت الديمقراطية الأمريكية قد خرجت من عنق الزجاجة, رغم أنها لازالت هزيلة, لا شك أن الديمقراطية الروسية لا زالت لم تخرج من عنق الزجاجة لأن قيادات ال ك ج ب لا زالت تحاول إبقاء الشعب الروسي داخل زجاجة الإستبداد, وذلك من خلال تناوب قيادات ال ك ج ب على الفوز الديمقراطي الزائف. لذا لا غرابة من أن تشهد موسكو ربيعاً دمويا إن لم تتخلى ال ك ج ب عن الإستئثار بصناديق الإنتخابات بأسلوب مخابراتي مافيوي

لا شك أن أي مخبارات في العالم تمسك بخيوط المجتمع إقتصاديا وعسكريا وأمنيا وبأسلوب مافيوي مرعب, وبالتالي لا يمكن لأي ديمقراطية أن تهزم هكذا تنين مافيوي من خلال عقد من الزمن, إنها عملية تكسير أنياب ذئب متحصن ولا يبان للشعب إلا بعض أنيابه التي تفتك بالأبرياء, لكن بالتأكيد إن العملية الديمقراطية ستنزع أنياب هذا الذئب رويداً وريداً إلى أن يصبح عديم الأنياب. الطريقة الوحيدة لهزيمة أي مخابرات في العالم هو أن يتم إقتلاع النظام جملة وتفصيلا كما حدث في ليبيا وكما هو جار الآن في سوريا, لكن هذا غير متاح لمعظم شعوب العالم بسبب أن النظام المخابراتي الدولي نظام متكاتف بأسلوب مافيوي ضد شعوب الأرض, لذا وجدنا حتى أمريكا وإسرائيل كانوا متشبثين بعدم إنهيار النظام السوري, وذلك بسبب أن هناك خطوط حمراء كان يفهمها النظام السوري, فهم لا يريدون من الشعوب أن تغير قواعد اللعب المخابراتي الدولي القذر والمجرم بحق شعوب الأرض.

ملخص القول إن الشعوب العربية قد استيقظت بعد سبات قسري لقرون, يمكن للمليارات الخليجية والإيرانية والأمريكية والروسية المسروقة من دماء الشعوب أن تؤخر وصول الشعوب العربية لمراكز القيادة, لكن بالتأكيد لن تستطيع أن تمنعها من الوصول. إنها, إن لم تكن بضع سنين, فإنها بضع عقود وستكون الشعوب العربية في مراكز القيادة, فطوبى للأنظمة العربية التي توقف عرقلتها للربيع العربي وتسلم السلطة رويدا رويدا, والخزي والعار والسقوط في مستنقع آسن للنظام العربي الذي يتآمر على الربيع العربي من أجل استمرار الإستبداد والإستئثار بالسلطة من قبل عائلة أو عشيرة أو مذهب أو حزب ديني أو علماني إستبدادي. شمس العدالة ستحرق قلاع الإستبداد وستنير الطريق للشعوب لبناء الأوطان من خلال صناديق الإنتخابات, وليس من خلال الإستبداد والمخابرات المافيوية. وإن غدا لناظره قريب.