تحرير الإسلام من قبضة المخابرات يؤدي إلى الاستقرار

تحرير الإسلام من قبضة المخابرات

يؤدي إلى الاستقرار

محمد المليص

يخطئ كل من يحاول أن يقارن الإسلام بالديانات الأخرى. الإسلام ليس دين فحسب, وإنما هو ثورة سياسية وإقتصادية وثقافية تهدف إلى تحرير الإنسان من الإستعباد والإستبداد وتحكم رؤوس الأموال والقبيلة والتعصب الأعمى للعرق أو الدين أو اللغة أو أي فكر. الإسلام هو نظام سياسي ديمقراطي يؤمن بتعدد الأديان والأفكار, لكن الحكم للغالبية وفق الشورى التي هي الديمقراطية بعينها. فإن كان المسلمون أقلية فعليهم أن يحترموا رأي الغالبية أو أن يهاجروا إلى حيث يشاؤون. من يتم إجباره على الدخول في الإسلام, هو ليس بمسلم. الإسلام دين الإقناع بأسلوب الحوار المنطقي والمحاكمة والتفكير.

أعداء الإسلام ليسوا الكفار أو اليهود أو النصارى, وإنما أعداؤه من لا يسمح بالحوار الديمقراطي وحرية النقد وكشف عيوب القيادات السياسية والدينية والإجتماعية بعيدا عن أي إرهاب مباشر أو غير مباشر. إن المسلم المستبد الذي يحرم الناس حق النقد لكشف الفساد السياسي والديني والإجتماعي أمام الملأ هو عدو للإسلام أكثر من أي كافر يؤمن بحق النقد والحوار الديمقراطي.

الكافر أو المسيحي أو اليهودي يصبح عدوا للإسلام فقط عندما يعادي الإسلام ويعد العدة لمحاربة الإسلام أو يدعم من يحارب الإسلام. وغير ذلك هو إنسان له حق الحياة والعيش الكريم لأنه مخلوق الله وإن الله هو الذي يحاسبه على كفره أو شركه أو عدم إقتناعه بالإسلام. "من شاء فاليؤمن ومن شاء فاليكفر", "وقاتلوا الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا". أي حتى الإعتداء على من يقاتل الإسلام هو حرام. المسموح هو فقط ردع المعتدي وإيقافه عند حده وليس الإعتداء عليه أكثر مما اعتدى هو.

العبادات في الإسلام ليست مقياس لصلاح المواطن. "إنما الأعمال بالنيات ولكل امرء ما نوى", قد تجد تاجراُ يقوم بكل العبادات, لكنه يستغل الناس ويغشهم ويستعمل عباداته وبنائه للمساجد ومساعدته للفقراء للتمويه على فساد ذمته وتعاملاته المافيوية مع هذا النظام السياسي أو ذلك التنظيم الفاسد أو الحزب الإستبدادي. بينما قد تجد مسلم آخر لا يقيم إلا جزءاً يسيراً من العبادات, لكنه عادل ويعادي الظلم ويساعد المظلوم ولو بالكلمة, فهذا المسلم الذي له الذنوب الكثيرة بينه وبين ربه هو خير ألف مرة من ذالك التاجر الذي يقيم كل العبادات لكنه يستغل الناس في تجارته.

من هنا نستطيع القول بأن ما يهم الناس هو علاقة المسلم معهم وليس علاقته بربه, علاقته بربه هي بينه وبين ربه, قد يكون صادقاً مع ربه وقد يكون منافقاً, إن صلى أو لم يصل فهذا شأنه, لكن أن يعتدي على حقوق الناس أو أن يستغل منصبه أو ماله أو حتى كلمته في الفساد والإستبداد فهذا شأن الناس ومن حقهم أن ينتقدوه ويثوروا ضده, وإن كل عالم دين أو خطيب أو داعية يحاول أن يدافع عن هكذا مسلم  بسبب أنه يقيم كل الشعائر وأنه يبني المساجد, هو عالم دين وخطيب وداعية مجرم يجب على المسلمين نصحه أن يكف عن إجرامه وأن يقف مع الحق, فإن أبى فإن فضحه في كل الصحف ومن ثم مقاضاته وسجنه هو السبيل كي يتم تطهير المجتمع من أخطبوطات تلبس قبعات دينية وتدعم الفساد بحجة ضرورة نصرة أخيك المسلم إن كان ظالما أو مظلوماً, ناسين أن نصرة أخيك الظالم هو بزجره وبتهذيبه ولو بالقوة إذا أبى ذلك.

بإختصار إن الإسلام هو ليس عبادات فحسب, وإنما هو حركة سياسية تصحيحية دائمة ما دام الإنسان على هذه الأرض. لذا كان الإسلام تهديدا كبيرا لكل مراكز القوة في العالم لأنه يحرض شعوب الأرض على رفض الظلم ونشر العدالة بين الناس. الإسلام دين الفطرة, هناك الكثيرون من الملحدين الذين يضحون من أجل العدالة, هم مسلمون بشكل غير مباشر لأنهم بالفطرة هم ضد الظلم, وكذلك هو الإسلام دين الفطرة.

عند بذوغ فجر الإسلام انتفض التعصب القبلي في وجه الإسلام وكذلك أرباب التجارة والجاه والنفوذ, كما استنفرت القوى الدولية من الروم والفرس وراحوا يعدون العدة للإجهاز على الإسلام والقضاء عليه ومحوه من الوجود, ليس بسبب العبادات, وإنما بسبب أن الإسلام جيش الشعوب وحرضهم على الإنتفاض في وجه الظلم بكل أشكاله. فكان لزاما على الدولة الإسلامية الناشئة أن لا تنام حتى تردع هذه القوى العدوانية داخليا وخارجيا, وكان ذلك ببضع عقود ودخل الناس في الإسلام أفواجا, ليس خوفا, وإنما حبا بعدالته ونصرته للمظلوم. لكن مكر بعض أهل النفوذ السياسي والمالي وأنانيتهم وحبهم للسلطة وللإستبداد أدى إلى التآمر على الإسلام ووضعه تحت الإقامة الجبرية في ظل حراسة مخابراتية قوية إقليميا ودوليا.

نيتجة الإقامة الجبرية والظلم والقهر الذي مورس على الإسلام, تم إستنساخ مئات الألوان من الإسلام وذلك من أجل الخلاص من الإسلام الأصلي الذي هو ثورة سياسية إقتصادية ثقافية إجتماعية ضد الظلم والقهر والإستغلال وتحكم رؤوس الأموال بالشعوب.

لم ينج من الإقامة الجبرية المحروسة مخابراتيا إلا من رحم ربك, والناجون ليسوا أكثر من شهب منفلتة لا تؤثر على سير كواكب المخابرات الإقليمية والدولية.

كل مخابرات لها تياراتها الدينية التي تجود القرآن وتفسره وتخطب بالناس على الإيقاع الذي تحدده تلك المخابرات, والذي لا علاقة له بالإسلام, إلا بالشكل, أما الجوهر فهو يصب في خدمة القمع والإستبداد والفساد, وكل ذلك باسم الأمن والإستقرار والوحدة الوطنية.

إذن أصبح الإسلام في متاحف المخابرات الإقليمية والدولية, يتم توظيفه لغسيل الأدمغة ولمحاربة كل من يحاول أن يمارس الإسلام الناقد للظلم. كما تم تفريخ ملايين الدعاة والخطباء الذين يخدرون الناس ويكمون أفواههم مستخدمين آيات وأحاديث بأسلوب مزور وتفاسير خاطئة. فإن انتقد مسلم ظلم نظام مستبد, سلط عليه وابل من الدعاة متشدقين ب "وأطيعوا أولي الأمر منكم", وإن انتقد مسلم موظف يرتشي, واجه جيشاً من الدعاة يتشدقون ب "قاطع الأعناق ولا قاطع الأرزاق", وإن انتقد مسلم تاجر يصلي وملتحي لكنه يغش الناس, واجه هذا الناقد جيشاً من الدعاة يتشدقون بحرمة النميمة والغيبة وأكل لحم أخيك المسلم ميتا"

الإسلام الآن مضغوط كضغط الغاز في جوف الأرض إلى درجة الإنفجار, ولذا نرى بداية البراكين والزلازل الإسلامية هنا وهناك. إنه صراع بين الإسلام المخابراتي والإسلام الشعبي الفطري الهادف إلى التحرر من نير الإستعباد, ومن نير الدعاة المخابراتيين والتيارات الإسلامية التي تباع وتشرى في سوق النخاسة الأمريكية أو الروسية. من نير رؤوس الأموال التي ترتدي قبعة الإسلام لمص دماء الشعوب باسم الإسلام, ومن نير التكتلات السياسية ذات النهج المافيوي التي لا مبدأ لها سوى المصالح.

الإسلام الآن كزورق يبحر في مياه آسنة فتفوح رائحة الجيف والرواسب المزمنة. وفي نفس الوقت إن هذا الزورق يتعرض إلى رياح من هنا وهناك لحرفه ومنعه عن الوصول إلى ميناء الشعوب المضطهدة. إنها معركة قذرة بين قوى مخابراتية إقليمية ودولية تهدف إلى الإستمرار في إستعباد الشعوب وكم أفواهها وبقائها كأغنام تباع وتشرى في سوق النخاسة الدولية.

لكن الأمل يأتي من بدايات القرن الحادي والعشرين المباركة, حيث الشعوب تخوض معركة تحرر من الرق المتطور جدا عن الرق القديم. لن ينتهي هذا القرن قبل أن تزحف جميع شعوب الأرض إلى كل مراكز المخابرات وتحولها إلى مراحيض عامة. ومن يعتقد أن هناك نظام مخابراتي واحد في العالم لا يتحكم بمصير الشعوب من خلال الفساد والأعمال المافيوية فهو واهم, إن المخابرات الأمريكية والغربية والروسية والصينية هي المدارس الإستبدادية التي فرخت كل مراكز المخابرات في العالم. إن التنافر بين مراكز المخابرات هو كتنافس عصابات مافيوية على الحصص من دماء الشعوب.

لا شك أن حصول الشعوب الغربية على جزء كبير من حقوقها حجم إجرام مخابراتها, لكن للأسف إن مخابراتها لا زالت هي الحاكم الفعلي لأنها ركبت موجة الديمقراطية بذكاء وراحت تتحكم برؤوس المال والشركات والإعلام لغسيل أدمغة الشعوب وشراء الذمم ونشر الرعب داخليا وخارجيا بالظلام الدامس بعيدا عن أعين الشعوب, لكن ما يجري الآن في العالم سينشر الوعي بين كل شعوب الأرض على ضرورة السيطرة على كل مراكز المخابرات في العالم وجعل هذه المراكز مجرد مستخدمين تحت سيطرة البرلمانات شأنها شأن أي مركز موظفي القمامة الذين لا يستطيعوا أن ينشروا الفساد والظلم باسم الأمن. إنه مشوار طويل, لكن الشعوب تسير بثقة نحو هذا الهدف العظيم, ومن سار على الدرب وصل. إن التاريخ أثبت أن البشرية تدفن الظلم رويدا رويدا ولو عبر قرون. أين عصر فرعون الآن؟