رقعة شطرنج ثلاثيّة المحاور
منظرُ "بوتين - روحاني - أردوغان" الماثل أمامي على الشاشة، هو أقرب ما يكون إلى رقعة شطرنج ثلاثيّة المحاور..
كلّ لاعبٍ فيها أمامهُ خصمان عنيدان، يتفقُ أحدهما مع الثاني على الثالث في نقطة ما، وينقلبُ عليه مع ثالثهما بنقطتين في المقابل..
ثلاثة مشاريع مختلفة، وثلاث آيديولوجيّات متضادّة تجلسُ معًا لتُدلي بدلائها من التصريحات الرسميّة ضمن الأعراف والدبلوماسيّة الدوليّة، ثمّ نرى بعد أيّام الفيلة والأحصنة والقلاع تتحرّك بغير ما تُحدّث به اليوم على الشاشة..
روسيا الشيوعيّة ومعها شرعيّة الأسد الدوليّة في القضاء على الإرهاب، والاحتفاظ بنفوذها في الشرق الأوسط ضد تقدّم نفوذ أمريكا وفرنسا والغرب بشكلٍ عام..
إيران الشيعيّة ومعها أحلامها في بناء امبراطوريّتها الفارسيّة من جديد، والحدّ من هيمنة أمريكا وإسرائيل في المنطقة..
تركيا، تلك الدولة التي وقفت على قدميها بعد شللٍ دام طويلًا، وهي اللاعب الأضعف على هذه الرقعة، تسعى لتأمين 910 كم من حدودها مع سوريا، ومنع تدفق المزيد من السوريّين إلى أراضيها، بل ومحاولة إعادة 3 ملايين سوري إلى المناطق التي حرّرتها في الشّمال السوريّ في عمليتيّ درع الفرات وغصن الزيتون..
نظنّ بتركيّا خيرًا، ونعلمُ أنّها في صفّنا لسببين: لأنّنا وإياها -حتى اليوم- ضدّ نظام الأسد ولم تتصالح معه، ولنقل أيضًا: بسبب آيديولوجيّتها وتوجّهها السنيّ المنافس لإيران والتشيّع في منطقة الشرق الأوسط..
ليكن في بالنا كيلا نُدهش كما في كلّ مرة، أنّ تركيّا هي الأضعف أمامهما، والذي سيكتفي بتأمين أمنهِ ومصالحهِ داخلَ حدوده، وسيتخلى عمّا هو خارجها إن اتّحد خصماه عليه..
شعبُنا السوريّ الأبيّ العظيم في إدلبَ وريفها، وريف حماة الشماليّ وريفي حلبَ الغربيّ والشماليّ، أنتم الرّقعة وأنتم الجنود التي يُضحّى بها أولًا، ليكن معهم تحالفاتهم ومصالحهم وخططهم، وليكن معكم الله والدّعاء والمقاومة حتى النّفس الأخير، فذلك ما بقي لديكم ولدينا جميعًا نحن السوريّون.. أو العودة للعيش تحت نظام الأسد من جديدٍ لا سمح الله وقدّر..
البندقيّة، وحليفٌ في السّماء، خيرٌ من جميع من حالفنا وخذلنا ويخذلنا كلّ يوم..
تذكّروا: "ويمكرون ويمكرُ الله، والله خير الماكرين".
تذكّروا "إن تكونوا تألمون، فإنّهم يألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون".
تذكّروا: "أم أبرموا أمرًا، فإنّا مُبرمون".
تذكّروا: "الذين قال لهم النّاسُ إنّ الناسَ قد جمعوا لكم، فاخشوهم، فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضل لم يمسسهم سوء".
تذكّروا: "ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيمانًا وتسليما".
إنّنا في هذه الأوقات العصيبة -والتي هي أقربُ ما تكون إلى غزوة الخندق ويوم الأحزاب- أحوجُ ما نكون إلى الإيمان بالعاملِ الإلهيّ، والحليف الذي لا يخذُل أهله..
ولنتذكّر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال بعد تلك الموقعة: "اليومَ نغزوهم ولا يغزونا"..
إنّنا بحاجةٍ إلى صدقِ إيماننا مع الله ليس أكثر، ومقاومةٍ حتى الرّمق الأخير.. والله بعد ذلك غالب.. ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون..
وسوم: العدد 789