ماذا نريد من الإصلاح أن يفعل؟

خرج التجمع اليمني للإصلاح من رحم الحركة الإسلامية الوسطية منذ قرابة ثلاثة عقود، وقد اجتهد وجاهد من أجل الانغراس وسط الشعب اليمني بكافة مذاهبه أطيافه ومناطقه وقبائله، بما له من خصوصيات ثقافية واجتماعية، وبما يعاني من تحديات وما له من مطالب متنوعة، وتشهد الوقائع والأحداث بأنه قد صار أكبر الأحزاب اليمنية التي انبعثت من أوساط الجماهير التي تهفو للتغيير، وليس الأحزاب التي وُلدت وترعرعت في أحضان السلطة التي تريد تكريس واقع الظلم والفساد والاستحواذ على خيرات اليمن، وقد شهدت مسيرته الكثير من الانعطافات والأحداث، وحقّق في نضاله العديد من الإنجازات الملموسة، وعانى من الإخفاقات وربما بعض الانكسارات، مما يستدعي تفعيل النقد الذاتي وتشجيع فقه المراجعات، مع الاستفادة من سائر التجارب والخبرات المعاصرة.

وفي الذكرى الثامنة والعشرين لتأسيس هذا الحزب أحبّ كاتب هذه السطور كمواطن يمني وباحث مسلم وكمهتم بحركات النهوض وأحزاب الصحوة وتيارات الاستقلال الحضاري، أن أضع بين يدي قادة هذا الحزب باختصار شديد المطالب الآتية:

1 – تخصيص جهاز كفؤ لتبني المراجعات المطلوبة والقيام بالنقد الذاتي المنشود، سواء تعلق الأمر بالأفكار والرؤى أو بالخُطط والاستراتيجيات أو بالجوانب السلوكية والتنفيذية، مع إخضاع سائر الكتابات الناقدة من خارج الصف للقراءة المتأنية والاستفادة منها ما أمكن، ولو جاءت من أسوأ الخصوم وأشد الأعداء.

2 – تفعيل دوائر التخطيط في سائر فروع الحزب، مع تعزيز إمكانات دائرة التخطيط المركزية بكافة المقومات المطلوبة للقيام بمهامها في التخطيط الاستراتيجي والتخطيط المرحلي، مع الاستفادة مما تتوصل إليه مجموعات النقد وزُمَر المراجعات، من أجل التقليل من حجم ردود الأفعال وتحجيم ظاهرة العشوائية والارتجال التي تبدو في بعض المحطات والحوادث، وحتى تتحول الانفعالات إلى فاعليات، وتتعاظم فاعلية الحزب وتقل الطاقات المهدرة في معارك تفرضها الانفعالات الآنية وتستهلكها المعارك التي لا تساهم في تحقيق التقدم المطلوب والاقتراب من الغاية المنشودة.

3 – الحذر من علّة فقر الرجال، نتيجة النزيف الذي تسببت وتتسبّب به الحرب التي فرضها الانقلابيون على أحرار البلد، ولأن الإصلاح في طليعة قوافل الحرية فإنه الأكثر نزفا لدماء أخلص رجاله، حتى أن تقارير من داخل الحزب تحدثت قبل أشهر عن فقدانه لأكثر من اثني عشر ألف شهيد، مما يوجب إعلان النفير العام وسط الأجهزة التربوية والتعبوية داخل الحزب، حتى يتم تعويض النقص الذي قد يصبح حاداً، وتفعيل التربية المتوازنة التي تكفل رفد الحزب بالمزيد من الكوادر التي تمتلك البوصلة الراشدة والقدرة الكبيرة على العمل في الميدان، مع امتلائها بدوافع التضحية وثقافة الاحتساب، بعيدا عن حسابات المصالح ومعادلات الربح والخسارة.

4 – إعادة تنظيم الجهاز الإعلامي بصورة أكثر كفاءة وفاعلية، وتعزيزه بالكفايات الإعلامية المشهود لها بالتفوق والتأثير، وإمداده بالإمكانيات المادية الكافية، حتى يستطيع تحقيق الأهداف المناطة به، وحتى يتمكن من مجابهة القصف الإعلامي الرهيب الذي يَنصبّ على أعضائه وقياداته ليلاً ونهاراً، والذي يعمد إلى شيطنة الإصلاح ويعمل على إحداث تجريف عقلي خطير يصل أحيانا إلى حد غسل عقول الكثيرين، نظرا لقوة الحملات الدعائية المعادية وشموليتها ولما تمتلك من إمكانات مادية ومالية وبشرية ضخمة ومؤثرة.

5 – إحداث تغييرات إيجابية عريضة في الهيكل القيادي للحزب وفق استراتيجية محكمة تتفاعل مع التحديات الكبيرة التي تقف في طريق الإصلاح، فإن كثافة التحديات وكثرة الأعداء تستوجب هذا التغيير ولا تُبرر التأخر عن القيام به، فقد علّمنا الإسلام أن الظروف الاستثنائية والصعبة لا تُبرِّر القعود عن العمل للمستقبل، حيث قال صلى الله عليه وسلم: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها!”

ومعلوم أن المجيئ بقيادة تعي المتغيرات بعمق وتستوعب التحديات بشمول يبتعد عن الوقوع في التهويل أو التهوين، وتمتلك أساليب ووسائل جديدة تستطيع تحقيق الأهداف المرسومة، لهي بحق أهم من آلاف الفَسائل والنَّخَلات!

وتشتد الحاجة إلى هذا التغيير نظرا لأن الحزب يدعو إلى إقامة دولة مدنية، تقدس كرامة الناس وتحترم حرياتهم، وتُكرّس قيمة الشورى في حياة الأفراد والجماعات وفي منظومة الدولة، التي يناضل الحزب مع شركاء الحرية من أجل استعادتها من فم وحش الثيوقراطية الإمامية، ولا شك أن تغيير القيادة أو بعضها في هذه الظروف سيكون أبلغ في التأثير وفي البرهنة على صدقية الحزب في انتمائه إلى ثقافة الحرية والشورى والتبادل السلمي والسلس للقيادة والسلطة، بجانب أنه سيدفع بدماء جديدة وشخصيات أكثر كفاءة إلى مقاعد دفة القيادة ومراكز صناعة القرار؛ مما سيضاعف من فاعلية الحزب وسيكون له تأثيره الإيجابي على كافة الأحزاب.

6 – التخندق بجانب الشعب في كافة مطالبه العادلة، وإظهار الانتماء الكامل له وتبني قضاياه وهمومه بصورة أكبر مما هو موجود الآن، سواء في أروقة الحكومة أو في ساحات المعارضة لكل ما ينال من حريات المواطنين وينتقص من حقوقهم، ذلك أن استماتة الإصلاح في هذه الظروف في الدفاع عن الدولة أمام الانقلاب العسكري والدعوات الطائفية والمناطقية أظهره كأنه يقف في صف الحكام في مواجهة الجماهير؛ وذلك بفعل من القصف الإعلامي المعادي والتشويه المنهجي المتعمد والذي لا يجد المواجهة الكفؤة من قبل إعلام الحزب!

7 – تبني ثورة ثقافية شاملة في مواجهة ثقافة التخلف التي أنتجت آفات الطائفية والمناطقية، وسمحت للفساد بالشيوع ومكّنت المنحرفين من إيجاد مواطئ قدم لهم ومساحات حركة.

ولا شكّ أن شجرة الزّقّوم التي أثمرت كل هذه المرارات، ليست وليدة عشية وضحاها بل هي حصيلة فعل ثقافي متتابع ومخدوم، ومن ثم فلا يمكن اقتلاعها إلا بفؤوس الفكر البنّاء ومعاول الثقافة الإسلامية المستنيرة والتعبئة الوطنية المعتدلة، بعيدا عن عصبيات الجاهلية العمياء وعن الانفعالات الهوجاء.

وسوم: العدد 790