لا تكونوا كالكرة على مضرب الفاسدين
لعلَّنا نحتاج فعلاً تعديل الصورة الذهنية عن الفاسدين؛ فالفاسد ليس له شكل أو مظهر معيَّن, إنما هو بشرٌ من البشر, قد يكون في ماضيه من حملة القيم الصالحين، ولا تستغربوا الأمر فالفتنة تظهر حقائق البشر في ساحات العمل، أشخاص تبدو عليهم صفات الورع لدرجة أنهم هم أنفسهم لا يعلمون بكونهم بذرة من بذور الفساد ثبتت لأنهم لم يخلوا بمحارم الله ليكتشفوا أنفسهم، وقد يرتقي ليكون قدوة المظلومين، أو أنها اتخذت من تعظيم مظلمتها لتكون مصدرًا للتشريع.
فلابد من إعادة تصحيح مسارات هؤلاء وليس الاستجابة لتبريرهم لواقع حالهم، ففسادهم تشويه وتباعد للهدف، هم ليسوا أغلبية, لكنهم خطر عندما يكونوا في توجه يزين الكراهية بثوب الرضا، أما أولئك الذين لا يلتجئون للدين ساعة ضعفهم فهم أشد نكالاً وأخطر فعلاً، أنانيتهم تجعلهم يلبسون أي زي, ويركبون كل موجة, فلا صلاح لهم، يكتسبون كوابيس ولا أحلام لهم، ويضعونها بأبشع صورة على شعوبهم متى آل إليهم أمره، فمن يجعل المال معبوده، وكرسي السلطة معبدَه, لا يرى إلا طريقًا تؤدي إليه.
بعد الطغاة المغامرين.. يبحث اليوم أصحاب المصالح في الغرب عن هؤلاء الفاسدين – للأسف – الذين سيكونون بمثابة المضرب لمن يحمل هموم أهله في طرده والتنكيل به أو استغلال حسن نواياه؛ فلا ينبغي لهؤلاء أن يكونوا كالكرة على مضرب الفاسدين.
الفاسدون أناس همهم الدنيا, تغرهم مناصبها، الأمانة عندهم مغنم, والتبرير لسلوكهم منهج..
ولقد رأينا هذا الوضوح من السلوك بأقدام المحتلين وصفة لبعض من يوصفون بالدين، لكنهم محض جهلة مفتونين وما انفكوا يبررون لأنفسهم قتل النفس وسرقة المال بل نهبه، ومنهم من جاءت بهم الطائفية وما هم بمتدينين, ليكونوا شيوخًا للفاسدين, ومعلمين لطرق الفساد والنهب واستغلال المشاعر لإحداث الفتن؛ أدوات تدمير, يظنون كل الظنّ أنّهم يحسنون صنعًا، لدرجة لا يرون غضاضة في التبجح بما يفعلون, ويهيمنون على من يرتزق بفتات نهبهم متسترًا منهم أو يكون كبش فداء ليبدو أسياده كالصالحين.
قد كانوا في يوم ما ضحيَّة؟ ربما، والأرجح أنّهم محض ميكروبات لا حيلة لها, نمت في وسط القذارة الصالح لإنشائها، واليوم أضحت أكبر الأسلحة الجرثومية التي ضربت بها البلاد حين كيفت الوسط لمعيشتها وتناميها بين أمثالهم من الناشئين.
إنَّ أدوات الظلم لا تصنع التغيير, والشجرة الخبيثة لا تلبث أن تنمو ما لم تقلع من جذورها، وليس صلاحًا أبدًا زراعة الفاسدين، لأن منظومة تنمية التخلف توصف بعض فاعليتها بنمو الأعشاب الضارة التي تقتل النبات الصالح أو تمنع ثمره من أن يكون قوتًا طيبًا للناس الطيبين، هم مرض في قومهم، أدوات هدم، عبيد لأعداء أمتهم، آلية للمحتلين.
حين يحتل الفساد أيدلوجيا ما يضحي الناس في ألمٍ مُفجعٍ كبير، تتشوه الرؤيا والأفعال ويضيع تأثير الضمير، فالقلب لا يعود دليل صدق عند المؤمنين، لأنَّ إيمانهم قد اهتز فلا يرون بعين الله، لكن الأمر ليس مخفيًّا, فالله يفضح كيد المجرمين, فالبعرة تدل على البعير, وهؤلاء أكثروا من دلائل فسادهم بل أضحى الأمر بحاجة إلى تغيير، فقد تصلح آثار الفساد أو الضلال، لكن كيف تصلح من اعتلى منهج المفسدين.
حين يجنَّد الدين لا يجنَّد للدين، وحين تصبح الغاية فاسدة والوسيلة فاسدة بآلية فاسدة، وحين يؤتمن الخائن ويخون الأمين، فالصمت.. يا قوم.. ليس حكمة, والجهاد بإظهار الحقيقة فرض عين.
على القادة المصلحين، في الثورات العربية وأينما كانوا, أن يمحصوا أمرهم لمن يكلوه، فمن غيرت جيناته لينبت في أرضنا لابد أن تناله الثورة الحقيقة ولكل ما أتى من المفسدين. ذلك أنَّ كيد الشيطان كان ضعيفًا.. إذًا فقوتهم بضعف الصالحين.
إنَّنا إن تعاملنا مع الآخرين فينبغي أن تظهر حقيقة شخصيتنا لا مرآة الساحرة أو كما يريد منا الآخرون.
لقد سئمنا شياطين الباطن أسود الظاهر، نريد أن نكون كما نحن بشرًا, نبني مع غيرنا وننهض بالإنسانيَّة معًا, لا نستغل أحدًا ولا يستغلنا أحد، لا نهدم أوطانا ولا تهدم أوطاننا, بل في إعمار الأرض مشاركين.
أعلم أنَّ هذا صعب, وقد انتشر الفساد في الأرض وعلا المفسدون، لكننا لم نُكلَّف بالنتائج, وإنَّما بما تجني أيدينا محاسبون. وللكون سنن لا تحيد. سبحان ربي العظيم.
وسوم: العدد 790