على الدولة المغربية أن تواجه التطرف العلماني بنفس الصرامة التي تواجه بها التطرف المحسوب على الدين

من المعلوم أن فكرة محاربة التطرف الديني  انطلقت من الدول الغربية العلمانية على إثر أحداث الحادي عشر من شتنبر سنة 2001، وهي أحداث لن نخوض في موضوع حقيقتها أو فبركتها لأن ما تلاها من أحداث فصلت في القضية فصلا لا يماري فيه إلا مغفل أو معاند ، ولكن سنجعلها منطلقا للحديث عن دور التوجه الغربي العلماني في استعداء الرأي العام العالمي على دين الإسلام الذي خرج منه التطرف الديني  على حد قول أصحابها .

ومع أن الديانتين اليهودية والمسيحية فيهما تطرف واعتدال حسب ما يصرح به أصحابهما ، فإن العلمانية الغربية تقصر التطرف على الدين الإسلامي وحده ، وتنسب له بموجب ذلك الإرهاب ، علما بأن الكيان الصهيوني هو من سوق لفكرة الإرهاب وألصقها بالمقاومة الفلسطينية خصوصا تلك التي تعلن عن مرجعيتها الإسلامية كحركتي حماس والجهاد الإسلامي ، وعن إسرائيل تلقف الغرب العلماني مصطلح الإرهاب ونسبه لكل من يعلن عن مرجعيته الدينية، وعن الغرب تلقفت باقي دول العالم هذا المصطلح ، واستغلته كثير من الأنظمة  في الوطن العربي لتصفية حساباتها مع كل معارضة ذات مرجعية إسلامية ، وبات من السهل على تلك الأنظمة أن تطارد وتحاكم وتصفي من يعارضونها إذا ما أعلنوا مرجعيتهم الإسلامية كما حصل في مصر التي أجهضت فيها أول تجربة ديمقراطية عن طريق انقلاب عسكري دموي ضد المتظاهرين المدنيين العزل ، ولا زالت المحاكم المصرية تصدر يوميا عشرات الأحكام بالإعدام على أولئك المدنيين العزل بتهمة التطرف والإرهاب الدينيين . ولا يختلف الأمر عن ذلك في بعض دول الخليج حيث تم الزج بمئات الأئمة والدعاة والمفكرين في السجون بسبب مرجعيتهم الدينية التي لم يعد النظام يتبناها ،وقد كان من قبل يعتمد على هؤلاء في إرساء دعائم حكمه بل كان يصدر مرجعيته الدينية إلى مختلف البلاد العربية ، ويصرف على ذلك أموالا طائلة .

ولقد فرض الغرب العلماني على كل دول العالم فكرة محاربة التطرف والإرهاب الإسلاميين بما فيها الدول العربية التي تبنت قانون  محاربة الإرهاب . ولا أحد يمكنه مناقشة هذا القانون  أو مناقشة احتمال إساءة استعماله ، فيكون بذلك  حقا  يراد به باطل كما يقال . ولا تخلو فكرة محاربة التطرف الديني المفضي إلى الإرهاب من تأثير إضمار العلمانية الغربية العداء للدين عموما وللإسلام على وجه الخصوص .

وفي ظل سيادة قانون محاربة التطرف الديني نشطت الحركات العلمانية في الوطن العربي بشكل غير مسبوق ، واستغلت الظرف للتعبير عن حقدها على الإسلام وأهله ، وصارت تصرح به  بعدما كانت لا تجرؤ من قبل على ذلك .

ولم تنتبه الأنظمة العربية أو لعلها لا تريد ذلك  إلى دور التطرف العلماني في صناعة التطرف الديني بحيث يكون هذا الأخير كرد فعل على الأول .

ولقد باتت الحركات العلمانية في الوطن العربي بعد ربيعه  تستفز المشاعر الدينية للشعوب العربية ، وهو ما يغذي الكراهية  ، ويأخذ  الأمرعند بعض المتدينين منحى خطيرا ينتهي إلى التفكير في العنف والانتقام انتصارا للمشاعر الدينية التي يستبيحها العلمانيون في ما يعبرون عنه  وما يكتبونه  عبر وسائل الإعلام  المختلفة ، و عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ومن نماذج الاستفزازات العلمانية أن بعض المحسوبين على الفكر والبحث وهم في الحقيقة مجرد دعاة  إلى الطائفية  ومن المتعصبين لها إلا أنهم يتقنعون بقناع الفكر والبحث، يعتبرون الفتح الإسلامي لبلاد المغرب غزوا عربيا تكريسا منهم للعداء الطائفي للعرب وللعربية ، وعن هذه الفكرة انبثقت فكرة المطالبة باستبدال اللغة العربية بلهجتها العامية في التدريس أو بغيرها من اللغات  .

 ومن نماذج الاستفزازات أيضا مجاهرة بعضهم بالانحلال الخلقي من رضائية ومثلية كما يسمونهما تحت ذريعة المطالبة بالحريات ،ومنها ما يسمى بحرية الجسد .

فمثل هذه الاستفزازات  وغيرها  تستنفر المتدينين ،فتكون النتيجة هي مواجهة التطرف العلماني بتطرف يسحب على الإسلام وهو منه براء خصوصا لدى الفئات المتدينة ذات  المستويات  الثقافية والعلمية المتواضعة جدا والتي تنقل الحوار والنقاش بسرعة من الهدوء إلى العنف .

ولهذا يتعين على الدولة المغربية بل تقع عليها مسؤولية اجتثاث التطرف بنوعيه العلماني والمحسوب على الدين، لأن التسامح مع نوع منهما يكون بمثابة تغذية للآخر ، ولهذا تنامى التطرف العلماني  بشكل غير مسبوق في ظرف محاربة الدولة للتطرف المحسوب على الدين والذي مع الأسف  لم تخف وتيرته بالرغم من الحرب  التي لا هوادة فيها المعلنة عليه، لأن مسبباته التي منها التطرف العلماني لم تستأصل كأسلوب من أساليب القضاء المبرم على التطرف وتجفيف منابعه .

فهل ستفكر الدولة المغربية في تدارك أمر التطرف بنوعيه العلماني والمحسوب على الدين قبل استفحالهما  خصوصا مع ظهور بوادر أو مؤشرات على اندلاع صراع  مجتمعي قد لا تحمد عقباه في المجتمع المغربي منها ردة فعل الرأي العام الوطني  العنيفة على دعوة إدراج العامية في التدريس . فعلى غرار ردة الفعل هذه ستتوالى مواقف مشابهة  وستأخذ منحى العنف على باقي الدعوات التي  يرفعها العلمانيون وعلى رأسها دعوات التهتك والانحلال الخلقي وما شابه ذلك ؟؟؟

وسوم: العدد 790