البصرة تُسقِط ورق توت المسؤولين!
محافظة البصرة العراقية الجنوبية أصبحت تماماً كـ"حلبة ملاكمة" بين الشخصيات والأحزاب الحاكمة، والكل يحاول توجيه الضربة القاضية للطرف الآخر، وصارت التسقيطات السياسية أهم من تقديم الخدمات للمتظاهرين، وكأن المظاهرات كانت سبباً لإظهار حقيقة التحالفات الهشة بين معظم الأحزاب الحاكمة في العراق!
مظاهرات جنوب العراق ذهب ضحيتها أكثر من 30 قتيلاً وعشرات الجرحى الذين اختطف بعضهم من المستشفيات وما زالوا حتى الآن في عداد المفقودين، وهذه المظاهرات أحرجت حكومة حيدر العبادي، رئيس حكومة تصريف الأعمال اليومية،
إحراجاً كبيراً؛ وبالتالي رأينا أن الحكومة، ومعها كافة الكتل الشيعية الكبرى في البرلمان الجديد، حاولت استيعاب الصدمة والذهاب إلى جلسة طارئة، كما دعا السيد مقتدى الصدر.
جلسة البرلمان الطارئة التي عقدت يوم السبت الماضي؛ كانت مليئة بالملفات الفاضحة للسياسيين بعضهم ضد البعض الآخر!
وخلال الجلسة وقعت مشادة كلامية، بين رئيس الحكومة، العبادي، ومحافظ البصرة أسعد العيداني؛ الذي وجه انتقادات إلى السياسيين العراقيين، مؤكداً أن "أحاديثهم بعيدة عن الواقع، وأن البصرة تحترق، وأن القرارات التي تحدث عنها العبادي في الجلسة لدعم البصرة، قيلت له قبل شهرين، لكن لم يطبق منها شيء، والحكومة لم تصرف مستحقات المحافظة المالية".
من جانبها، كشفت النائب ماجدة التميمي أن "الإيرادات الحقيقية للعراق ليست تلك التي تظهر في الموازنة، وهناك إيرادات من تحت الطاولة، تذهب للأحزاب والمليشيات، وأن 95 في المئة من إيرادات المنافذ الحدودية (الجمارك) والضرائب تذهب إلى الفاسدين، وأن 5 في المئة فقط تذهب إلى الخزينة، ونصف عقارات الدولة غير مسجلة في قاعدة البيانات، وتم إشغالها من شخصيات متنفذة، وأن هناك خللاً في إدارة الدولة، وعدم محاسبة للفاسدين"!
رئيس الحكومة، الذي لم يكن مُقْنِعاً في جلسة البرلمان، حاول ركوب الموجة، وأن يجعل من البصرة الميناء الذي يرسو عليه للولاية الثانية، وعمل على إحراج خصومه حينما زار البصرة يوم الاثنين الماضي مصطحباً وزراء النفط والداخلية والصحة والعمل، معلناً أنه لن يعود لبغداد قبل إنجاز مهمته.
العبادي أكد فور وصوله البصرة أن "الأجهزة الأمنية الرقابية ستشرع بالتحقيق في مواضع صرف مبلغ الـ109 مليارات دينار الذي صرفته الحكومة الاتحادية للبصرة لحل مشكلة ملف المياه فيها".
زيارة العبادي المفاجئة للبصرة واجهتها جملة من المطبات، التي دفعته للعودة لبغداد في ذات المساء، وسنحاول التركيز على أهم العقبات، أو اللكمات التي وجهت للعبادي في "حلبة البصرة":
- محافظ البصرة أسعد العيداني لم يكن في استقبال العبادي عند وصوله المحافظة، نتيجة المشادة العلنية التي حدثت بينهما في جلسة البرلمان الطارئة!
- فشل الاجتماع بين العبادي وأعضاء الحكومة المحلية، وشيوخ العشائر الذين وجهوا انتقادات حادة لأداء حكومته، مما اضطره للخروج غاضباً من الاجتماع!
- خروج مظاهرات لبعض مليشيات الحشد الشعبي بالتزامن مع زيارة العبادي، الذي سبق وأن اتهمها بأن "ما حصل في البصرة نتيجة لخلافات سياسية وبعض الكتل السياسية التي تمتلك أجنحة عسكرية حاولت إحراق المحافظة".
- انتقاد النائب عدي عواد، قائد عصائب أهل الحق في البصرة، لتصريحات العبادي حول المتسبب بإحراق مقرات الحشد والبنايات الحكومية، مؤكداً على ضرورة أن "يُحاسب رئيس الوزراء على هذا التصريح؛ لأنه تستّر على وجود جماعات مسلّحة على خلاف الدستور".
- انْتقاص النائب عدي عواد من إعلان العبادي عن شركات لإنشاء مشاريع جديدة بالمحافظة، بقوله: "بإمكان رئيس الحكومة أن يأتي بشركات يابانية، أو كورية، لكنه اختار شركات ضعيفة"!
المعركة بين الأطراف المتصارعة في البصرة لن تتوقف إلا بعد انتهاء مارثون الكتلة الأكبر، وتسمية رئيس الحكومة، وفي ذات اللحظة ستعود البصرة (وبقية مدن العراق) لمرحلة النسيان والإهمال، وهذا ما أثبتته تجارب السنوات الماضية!
المضمار الحقيقي لمعرفة ولاء المسؤول ونزاهته وتفانيه؛ هو ميدان خدمة الناس، والسعي لتقدم الأفضل لهم، فهل أدى هؤلاء الساسة الواجبات الملقاة على عواتقهم، أم أنهم انشغلوا بتجارة المناصب، وأهملوا من أوصلوهم لتلك المناصب؟
ترقيعات أو إصلاحات حكومة بغداد تأتي بعد خراب البصرة، وسقوط ورق التوت عن غالبية مسؤولي المحافظة والحكومة، فهل ستنفع هذه الإصلاحات، أم أن الحكاية وصلت لفصل جديد يتطلب منا الانتظار والترقب؟
وسوم: العدد 790