دلالات فوز الإسلاميين في انتخابات المالديف وموريتانيا وماليزيا
في توقيت واحد تقريبا، فاز زعيم المعارضة المقرب من الإخوان المسلمين برئاسة المالديف، وفاز رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد برئاسة بلاده بالتحالف مع الاسلاميين المقربين من الإخوان، فيما فاز حزب الإخوان (تواصل) في موريتانيا بالمركز الثاني في الانتخابات البرلمانية والبلدية، بعد الحزب الحاكم.
فوز المقربين من الإسلاميين عمومًا، وجماعة الإخوان المسلمين خصوصًا، أغضب علمانيي العالم العربي وأقلق الانقلابيين في مصر ودول أخرى بعدما تصوروا أن الثورات المضادة قضت على التيارات الإسلامية، وتشويه إعلامهم الانقلابي للإسلاميين سيدفع الشعوب للتخلي عنهم.
إذ يعتبر هذا السيناريو مشابهًا إلى حد كبير لما حدث مؤخرًا في ماليزيا؛ حيث فازت قوى المعارضة على حساب نجيب عبدالرزاق، رجل السعودية الأول المتهم بالفساد أيضًا.
وكان أبرز المتضررين من هذه الانتصارات سلطة الانقلاب في مصر والسعودية والإمارات، فضلا عن الاحتلال الصهيوني وجهات دولية تعتبر وجود الإسلاميين في السلطة مهددا لمصالحها الإمبريالية التي تأتي على حساب حريات الشعوب.
ومثلت خسارة رئيس المالديف عبد الله يامين، الذي مولته السعودية بملايين الدولارات، وفوز المعارضة بقيادة إبراهيم محمد صليح، صفعة جديدة تتلقاها السعودية
الإمارات على غرار سقوط نجيب عبد الرازق في ماليزيا؛ الذي مولته السعودية بمئات الملايين وأحيل إلى المحاكمة، وفوز مهاتير محمد القريب من التيار الإسلامي.
المالديف: فوز المعارضة وعودة الإسلاميين
كانت آخر هذه السلسلة من انتصارات الإسلاميين هي الفوز المفاجئ لمرشح المعارضة في المالديف إبراهيم محمد صليح بالانتخابات الرئاسية، بعدما حصد 58.3% من الأصوات، على الرئيس المنتهية ولايته عبد الله يامين؛ الذي يوصف بأنه "رجل السعودية"، والمتورط بقضايا فساد، وسعى لاعتقال معارضين من الإخوان المسلمين ومحاكمتهم في محاكمات باطلة للتخلص منهم.
ولأن الرئيس الجديد للبلاد (مرشح المعارضة) معروف بقربه من جماعة الإخوان المسلمين، يتوقع أن يبدأ حكمه بمجموعة إصلاحات، منها مكافحة الفساد وإطلاق سجناء الرأي وإعادة الاعتبار للرئيس السابق محمد نشيد (إخوان مسلمين) المنفي خارج البلاد حاليًان والذي تم إجباره على الاستقالة بعد تمرد قادته قوات الشرطة والجيش عام 2012.
وتعرض الرئيس المهزوم "يامين" لانتقادات، جراء سجنه معارضين في البلد السياحي، الواقع جنوبي آسيا، والذي يشهد صراعًا على النفوذ بين الهند والصين، بعدما سجن أخاه غير الشقيق والرئيس الأسبق للبلاد مأمون عبد القيوم، وكذا محمد نشيد، الرئيس السابق للمالديف وأول رئيس يُنتخب ديمقراطيًا للبلاد، إضافة إلى قاضيين من المحكمة العليا.
وأعلن "يامين" حالة الطوارئ في فبراير 2018 لإلغاء حكم المحكمة العليا الذي يبطل أحكام الإدانة الصادرة بحق 9 من زعماء المعارضة، منهم الرئيس السابق محمد نشيد، الذي حُكم عليه عام 2015 بالسجن 13 سنة، إضافة الي قاضيين من المحكمة العليا بتهم ذات دوافع سياسية بعد صدور أحكام لصالح المعارضة.
وجاءت الانتخابات الرئاسية في المالديف في ظل تضييقات أمنية على السياسيين المعارضين، واتهامات دولية ضد النظام الحالي للمالديف بانتهاك حقوق الإنسان، حتى إن شرطة المالديف داهمت المقر الرئيسي للحملة الانتخابية للمرشح إبراهيم محمد صليح، قبل إعلان فوزه بالرئاسة.
وجزر المالديف التي تشتهر بأنها بلد سياحي مكونة من نحو عشرين جزيرة مرجانية، تضم غالبية من السكان المسلمين، عانت مثل بقية الدول الإسلامية من تسلط حكام ديكتاتورين عليها معادين للتيار الإسلامي.
وتعتبر "المالديف" أصغر دولة مسلمة في العالم، وهي أصغر بلد آسيوي في كل من مساحة الأرض وعدد السكان، ويتم منع تداول كل أنواع الكحوليات في الدولة؛ لأنها دولة مسلمة، باستثناء الفنادق والمنتجعات والتي تعتبر مناطق سياحية خاصة يسمح فيها بتناول الكحول.
وسبق أن سعى الرئيس المهزوم المقرب من دول الخليج لاستخدامه النظام القضائي لمعاقبة الخصوم السياسيين، واعتقال وسجن المعارضين بتهم باطلة؛ ففي فبراير 2016 أدانت محكمة في جزر المالديف "شيخ عمران عبد الله"، زعيم حزب العدالة الإسلامي (الإخوان المسلمين)، بالتحريض على العنف خلال احتجاج مناهض للحكومة وسجنته 12 عاما.
كما تم الحكم على وزير الدفاع السابق محمد نظيم والرئيس السابق محمد نشيد بالسجن لفترات طويلة في اتهامات متعلقة بالإرهاب، وكان الرئيس المهزوم في الانتخابات يسعى إلى الفوز بولاية ثانية مدتها 5 سنوات، بعد أن استغل فترة ولايته الأولى في توطيد سلطته، وسجن المعارضين.
* الإخوان المسلمون في المالديف
بدأ ظهور الإخوان المسلمين سياسيا في المالديف عقب السماح بالتعددية السياسية وتأسيس أحزاب، كان منها تدشين "حزب العدالة" عام 2005، برئاسة "شيخ عمران عبد الله"؛ الذي يتحدث اللغة العربية بطلاقة، نتيجة دراسته الجامعية في الخليج، وكذلك الأمر بالنسبة لنائبه الدكتور (معروف حسين)، وهو واحد من أمهر الأطباء في الدولة.
وبالرغم من قصر عمر الحزب فإنه خاض العديد من المعارك والتجارب السياسية، التي كان أبرزها المشاركة في حكومة الرئيس السابق (محمد نشيد)، من خلال تولي وزارة الشئون الدينية عام 2009، حيث تمكن الحزب في هذه الفترة من تغيير الكثير من المفاهيم المغلوطة، وتطوير أوضاع البلاد التي تفتقر بشدة إلى الكثير من الإمكانيات.
وطور الوزير "عبد المجيد عبد الباري"، عضو الحزب الإسلامي، المناهج التعليمية، بمناهج تواكب العصر الحديث، وتحافظ في نفس الوقت على الهوية الإسلامية، وركز على تدريس القرآن الكريم في جميع مراحل التعليم حتى نهاية مرحلة الثانوية، وأسهم الحزب في تطوير خطبة الجمعة إلى خطب حية تعالج القضايا المعاصرة، والمشاكل الموجودة في المجتمع.
وشارك الحزب الإسلامي في حكومة إنقاذ وطني عقب إسقاط حكم الرئيس محمد نشيد، من خلال توليه وزارتي الإسكان والشئون الدينية.
ويعارض حزب العدالة كلاً من العناصر الإسلامية المتطرفة وكذلك العلمانيين، وتقوم شعبية الحزب على عضوية كبار المشايخ فيه، الذين يسافرون لمختلف الجزر بالمالديف ناشرين الوعي الإسلامي، وأبرزهم الشيخ إلياس حسين، أشهر خطباء المالديف الذي يرأس مجلس علماء المالديف.
ومنذ مايو 2015، بعد أن نظم حزب العدالة، بالتشارك مع الحزب الديمقراطي، مظاهرة تطالب بإنهاء الفساد في الحكومة وتطالب بالإصلاح القضائي، تم إلقاء القبض على رئيس الحزب، الشيخ عمران عبد الله، وسُجِن بدون محاكمة بأمر من حكومة الرئيس (المهزوم في الانتخابات الأخيرة) يامين عبد القيوم.
وفي 16 أغسطس الماضي 2018، قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته إن تخويف حكومة المالديف للمعارضة السياسية ووسائل الإعلام يهدد فرص إجراء انتخابات حرة ونزيهة في سبتمبر 2018.
وقال "براد آدمز" مدير قسم آسيا في هيومن رايتس ووتش: "تقمع حكومة المالديف أي معارضة، من الناشطين والصحفيين إلى قضاة المحكمة العليا، ثمة حاجة ملحة إلى خطوات فورية لاستعادة الحريات السياسية والحكم الديمقراطي، لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة في سبتمبر 2018".
ووثق تقرير "اعتداء شامل على الديمقراطية: سحق المعارضة في المالديف"، الصادر في 52 صفحة، كيف استخدمت حكومة الرئيس المهزوم "عبد الله يامين عبد القيوم" المراسيم الفضفاضة، والقوانين الغامضة الصياغة لإسكات المعارضة وتخويف المنتقدين واعتقالهم تعسفيا وسجنهم، بما فيها قوانين مكافحة الإرهاب المستخدمة على نطاق واسع ضد نشطاء المعارضة والسياسيين.
* موريتانيا: تفوق الإخوان يزعج الرئيس الانقلابي
كان فوز حزب الإخوان المسلمين (التجمع الوطني للإصلاح والتنمية) المعروف باسم "تواصل"، محبطًا للرئيس الانقلابي الجنرال محمد ولد عبد العزيز الذي قام بانقلاب دموي واستولى على السلطة هناك على غرار ما فعله السيسي في مصر، ليس فقط لأن وجود الإسلاميين في البرلمان والبلديات يقوي شعبيتهم، ولكن لأن وجودهم يعرقل خطط الرئيس الانقلابي للسعي لتمديد فترات رئاسته لأكثر من فترتين (تنتهي رئاسته عام 2019).
لهذا سعى - مثل السيسي - للبطش بمعارضيه وتهيئة الساحة لتعديل الدستور وتمديد رئاسته بالمخالفة لقوانين البلاد.
فقد غضب الجنرال من فوز الإخوان (التجمع الوطني للإصلاح والتنمية) بـ14 مقعدا برلمانيا من أصل 157 مقعدا للبرلمان، خاصة أن هذه الانتخابات هي الأخيرة قبل انتخابات 2019 الرئاسية، التي ليس من حق الجنرال محمد ولد عبد العزيز خوضها لانتهاء ولايته الثانية، وبدأ يهاجم الإخوان بعنف ويتهمهم بالإرهاب، وهدد باتخاذ "إجراءات" ضد حزب الإخوان لم يعلنها.
وحقق حزب الانقلابي "ولد عبد العزيز" الحاكم (الاتحاد من أجل الجمهورية) 89 مقعدا برلمانيا من أصل 157 مقعدا، بينما حصلت جميع أحزاب الموالاة الداعمة للرئيس على 120 مقعدا برلمانيا.
بالمقابل فاز حزب "تواصل" بـ14 مقعدا (نقصت مقعدين عن انتخابات 2013 التي فاز فيها بـ16 مقعدا من أصل 147 مقعدا)، كما حصل على إدارة 9 بلديات؛ فيما وصل عدد مستشاري البلديات للحزب منفردا 292 ووصل عددهم مع حلفائه من المعارضة إلى 448، وكسب الحزب - رغم التزوير ضده - 31 مستشارا في المجالس الجهوية؛ منفردا، و79 مستشارا مع حلفائه.
وهو ما يعد مكسبا في ظل إرهاب السلطة العسكرية المسيطرة على مقاليد الحكم والتي تهدد حاليا الحزب بإجراءات لم تحددها.
وقد تحدث محمد محمود السيدي رئيس حزب "تواصل" في مؤتمر صحفي بمقر الحزب عقب ظهور النتائج وتهديد جنرال الانقلاب لحزبه، مؤكدا أن اتهامه بالتطرف والإرهاب "فرية وكذبة".
وقال: "إن الهجوم المتكرر لرئيس الجمهورية على الحزب قبل الحملة وأثناءها وبعدها لا يعبّر إلا عن حالة القلق قبل الانتخابات وحالة الصدمة بعدها، كما أن استحقاق انتخابات 2019 الرئاسية يلقي بظلاله على مختلف تصرفات النظام وتصريحاته"، في إشارة لخوف حزب الرئيس الانقلابي من إفساد الإخوان فوزه بفترة رئاسة ثالثة بعد تعديل الدستور الذي يسعى إليه.
وعقب تهديده بـ"اجراءات" ضد الحزب الإسلامي عقب فوزه مجددا في الانتخابات البرلمانية والبلدية، بدأ ديكتاتور موريتانيا بالصدام مع حزب "تواصل" وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين وافتعال حرب وهمية من أجل تمرير تعديلاته الدستورية؛ حيث قرر إغلاق "مركز تكوين العلماء" في موريتانيا الذي يدرّس فيه 45 من كبار العلماء الموريتانيين، فضلاً عن أكثر من 500 طالب من الرجال والنساء من مختلف أرجاء العالم.
وعلق رئيس المركز الشيخ محمد الحسن الددو على قرار الرئيس الموريتاني قائلا: إنه "يهدد الإسلاميين في أعقاب الانتخابات التي دارت في موريتانيا، ولذلك يحاول أن يجعل من المركز مطية لسياساته، وكبش فداء لصراعه مع الإسلاميين داخل البلاد".
فيما قال محمد جميل منصور رئيس حزب الإخوان (تواصل) السابق: إن "إغلاق مركز تكوين العلماء الذي يرأسه العلامة الشيخ محمد الحسن الددو "يشكل إساءة بالغة لموريتانيا تاريخا وسمعة ورصيدا، وتوددا رخيصا لممولي الحرب على الإسلاميين الوسطيين، وتوتيرا داخليا تبرر به أجندة مشبوهة في أفق 2019" في اشارة لسعي الرئيس الانقلابي الترشح للرئاسة مرة ثالث وتعديل الدستور.
دلالات الفوز
يمكن رصد بعض دلالات فوز الإسلاميين رغم قمعهم ومحاربتهم على النحو التالي:
أدركت الشعوب حجم مخاطر وفساد الانقلابين والحكام الديكتاتوريين بعدما ظلوا يعدونهم بالمن والسلوى عقب انقلاباتهم وقمعهم للإسلاميين، فلم يجدوا منهم سوى كل فساد وانهيار للبلاد فقرروا إسقاطهم بصناديق الانتخابات وتهديدات الثورة الشعبية لو زوروا الانتخابات.
ظهر للشعوب أن هدف هؤلاء الحكام الديكتاتوريين هو السلطة والثروة والبقاء في الحكم كهدف لا خدمة الشعب؛ لهذا ثاروا عليهم وأسقطوهم وقاموا بالتصويت للإسلاميين وأنصارهم من المعارضة.
بعد قرابة 5 أعوام على الثورات المضادة في العالم العربي والإسلامي وأكاذيب سلطات الانقلاب والحكام الديكتاتوريين أن الإسلاميين كانوا وراء تدهور أحوال الشعوب وسعوا لمصالحهم الضيقة، أدركت الشعوب أن الإسلاميين خدموهم دون انتظار لمكافأة أو منصب وأن الأوضاع في ظلهم كانت أفضلن فأعادوا التصويت لهم في الانتخابات.
الباطل لا يمكن أن يستمر؛ لأنه مفضوح..، ولا يمكنه العيش سوى في أجواء ومياه فساد، لهذا تفوح رائحة الفساد طال الزمن أم قصر؛ ما يستلزم "بتر" هذا الفساد.. سواء بانتخابات حرة أو ثورات شعبية.
وسوم: العدد 792