الكيان الكردي في شمال الامة العربية والدعم الامريكي الصهيوني المتواصل له
اعزائي القراء
في عام ١٩٩٢، حذر البروفسور نجم الدين أربكان من خطط أمريكية إسرائيلية لإنشاء دولة كردية في المنطقة عبر تقسيم الدول، بما فيها تركيا. حيث ينقل أربكان عن عقيد أمريكي قوله لأحد الصحفيين الأتراك في العاصمة السعودية الرياض وهو يشير بيده فوق الخارطة التي تضم مدينتي كركوك والموصل في العراق وغيرها: "هنا ستقام الدولة الكردية".
ويُضيف العقيد الأمريكي: "سيسقط الرئيس العراقي المرحوم صدام حسين وسيبرز فراغ سلطة في المنطقة وفي هذا الوضع سيقوم الأكراد بملء هذا الفراغ بتشكيل دولة مستقلة، وسوف يستولون على الاسلحة العراقية الثقيلة ويفرضون سيطرتهم على أراضٍ تتجاوز حدودهم بعد عام ١٩٩١. وحتى أنهم سوف يطالبون بأراض من تركيا وسوريا".
وعندما قيل للعقيد الأمريكي: "إن تركيا بالتأكيد لن تتماشى مع هذه المؤامرة "، يجيب: "إذن سيضطرون عندها للحرب الإقليمية الاستنزافية العسكرية والاقتصادية مع الأكراد". ويتابع الصحافي التركي: "لكن تركيا لديها جيش منظم وقوي،
ومن جهة أخرى فإن دول المنطقة سوف تعارض هذه المؤامرة، فكيف تتوقعون أن يقاوم الكرد هذه المعارضة؟". عندها يجيب العقيد الأمريكي: "في المستقبل القريب سيكون لأكراد العراق كميات كبيرة من الأسلحة التي تركها الجيش العراقي وستقع في أيديهم، بل اكثر من ذلك سيكون لديهم أسلحة أحدث من أسلحتكم. سيكون لديهم طائرات ومروحيات ودبابات ومدافع رشاشة ومطاراتِهم الخاصة بدعم أمريكي وإسرائيلي".
وللتأكيد تمت هذه المناقشة قبل حرب الخليج التي قادها بوش الاول ١٩٩١."لتحطيم العراق كبداية لمشروع قيام الكيان الكردي
وقد التقط الرئيس اوردوغان تلك المناقشة وبنى عليها استراتيجيته التي عرضته حتى الان الى عدة استنزافات بالاشتراك مع دول إقليمية عربية مع الاسف الشديد.
الاستنزاف الاول: رفض امريكا والناتو الاستجابة له بإقامة منطقة عازلة منذ بداية الثورة السورية حماية للسوريين وحفاظاً على وحدة الاراضي التركية وجعله وحيداً امام الروس.
:الاستنزاف الثاني : تدبير الانقلاب العسكري ضد نظام الحكم التركي القائم حيث استطاع الاتراك حكومة وشعباً إفشاله ، ويومها كنت في استنبول وناقشت بعض الاتراك المثقفين حول مدى تأييدهم للانقلاب الفاشل وكان بعضهم على خط مخالف لخط حزب اوردوغان ، ولكن اجمع الجميع انهم ضد الانقلاب ومع حكومة اوردوغان فهم على الاقل استطاعوا بناء التطور المنشود واقامة المشاريع المنتجة دون قيود من امريكا وغير امريكا . فكان هناك ثمة وعي تركي يحتذى به.
الاستنزاف الثالث: محاولة ضرب الاقتصاد التركي بضرب عملته ويبدو ان هذا الاستنزاف الذي اثر جزئياً على الاقتصاد التركي الا ان سبل التغلب عليه واعده .
الاستنزاف الرابع : كان يصب في اضعاف تركيا أمنياً عبر اختطاف الصحفي السعودي جمال خاشقجي حيث يضيع اثر السيد خاشقجي في استنبول وتتهم تركيا بفلتان الامن فيها، لكن الشهود والبينات والوقائع سارت على عكس ماخطط له المنفذون .
كل هذه الاستنزافات وغيرها كانت تصب في مشروع اضعاف تركيا وتقسيم سوريا وتركيا والعراق لإقامة الكيان الكردي الموحد .ومازالت امريكا تعمل جاهدة في هذا المشروع لتسليم بترول وغاز سوريا لهم اسوة بتسليم بترول العراق للأكراد مع تامين منفذ على المتوسط .
وإن انفصال إقليم شمال العراق لن تسمح به أنقرة ومعها العراق ، وكل الخيارات مطروحة للتعامل معه بما فيها الخيار العسكري سواء بعملية عسكرية أو ضربات جوية مع تدخل عسكري تركي محدود داخل أراضي كردستان العراق لأن تركيا تدرك الحقيقة الاستراتيجية الماثلة إذا نجح أكراد العراق بمخطط انفصالهم عن العراق فإنه سيكون بمثابة كرة الثلج التي تكبر وتتسع لتشمل أكراد تركيا وسوريا لإعلان انفصالهم.
وعند ذلك ستجد تركيا نفسها بحرب استنزافية طويلة لن تقدر على إخمادها لأنها ستكون حرب عصابات وأكراد تركيا وسوريا متمرسون فيها. وقد تستمر هذه الحرب لعدة سنوات للوصول الى مشروع إنشاء كيانات كردية مستقلة مدعومة إسرائيليا وأمريكيا وعليه فان الضغوط على تركيا ستبقى مستمرة لتوريطها بحرب إقليمية استنزافية عسكرية واقتصادية طويلة الأمد
والمنطق يقول: ليس أمام تركيا إلا خيار مواجهة الأكراد عسكريا. وهو خيار استراتيجي وليس تكتيكي، والذي من أجله وضعت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية مشروعهما لقيام كيانات كردية مستقلة على حدود تركيا ...
وبقراءتنا المتواضعة فإنه لا بد من الإشارة إلى الحقائق التالية:على الرغم من العلاقات الاستراتيجية الوثيقة بين تركيا وإقليم شمال العراق، فإن تركيا لن تتردد باستخدام القوة العسكرية ضد الإقليم إذا تعلق الأمر بقيام دولة كردية مستقلة على حدودها مع العراق..
واستنادا لاستراتيجية "مصادر الطاقة التي تجعل من المتنافسين والخصوم شركاء"، فإن تركيا على استعداد للتخلي عن نفط إقليم شمال العراق إذا وضعت بين خياري دولة كردية مستقلة أو نفط كردستان. إلا أن خيار التدخل العسكري التركي ضد الإقليم سيبقى مشروطا بكركوك، والتركمان. وبطلب الحكومة الاتحادية ببغداد لمساعدتها على إدارة المعابر الحدودية وتوفير الحماية العسكرية لموظفي الحكومة الاتحادية، أو في حال رفض إقليم شمال العراق تسليمها، ومنع القوات المسلحة العراقية من دخولها، أو حدثت مواجهة بين الإقليم والجيش العراقي.
وعليه فإن قرار التدخل العسكري وإن كان واقعا إلا أنه سيكون آخر الخيارات التركية ضد الإقليم. لأن ثمن هذا الخيار سيكون مكلفا لتركيا على مستوى سياستها الداخلية (ردود أفعال أكراد تركيا) والخارجية (ردود أفعال الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل) .
الامر معقد ليس امام تركيا فحسب بل امام صناع مؤامرة الانفصال فهذا لن ولن يتم فالشعب السوري الذي يقود معركة تحرره ضد النظام الاستبدادي الطائفي لن يسمح بحصوله على نصف انتصار ، فاما انتصار كامل واما فان عدم استقرار المنطقة سيمتد لسنوات طوال لايعلم مداها الا الله.وسيكون الجميع خاسراً بما فيهم صناع المؤامرات .
وسوم: العدد 794