يبدو أن دم الصحفي خاشقجي سيذهب هدرا بسبب تلكؤ الدول
يبدو أن دم الصحفي خاشقجي سيذهب هدرا بسبب تلكؤ الدول القادرة على إلزام نظام بلاده بالكشف عمن أصدر الأمر بتصفيته
حبس الرأي العام العالمي أنفاسه كما يقال ما يقرب من شهر كامل ليظهر الرئيس أردوغان في قاعة البرلمان التركي ليطرح أسئلة على النظام السعودي تتعلق بمقتل الصحفي المقتول غدرا وعمدا وعن سبق إصرار حسب الروايتين التركية والسعودية . ومن الأسئلة التي طرحها الرئيس التركي : من هي الجهة التي أصدرت الأمر بتصفيته ، ومن هو الطرف التركي الذي سلمت له جثة القتيل ؟ كما أنه طالب بصيغة مناشدة بتسليم الجناة للعدالة التركية لاستنطاقهم لأنهم ارتكبوا جرمهم فوق التراب التركي ،وإن كان داخل قنصلية بلادهم مع إشارته إلى وجود قوانين تنص على ذلك .
وحبس الرأي العام العالمي مرة أخرى أنفاسه مدة من الزمن بعد الإعلان عن زيارة المدعي العام السعودي تركيا للقاء المدعي العام التركي لتكشف بعض وسائل الإعلام أنه لم يبد تعاونا مع الطرف التركي، الشيء الذي يعني أن الطرف السعودي يرفض الاستجابة لطلب تسليم القتلة ، والإفصاح عن الجهة التركية التي سلمت لها جثة أو أشلاء القتيل .
وأمام هذا الموقف السعودي الرافض للكشف عن جريمة قتل أقر بها، وهو يتحمل مسؤوليتها لا تزيد تصريحات الدول القادرة على إلزام النظام السعودي بالانصياع التام للقانون عن تكرار عبارات إدانة جريمة القتل والمطالبة بالكشف عن ملابساتها ، وهو تلكؤ واضح منها للتغطية على فضيحة تورط فيها النظام السعودي ، وسبب التلكؤ هو صفقات الأسلحة المبرمة معه ، واستثماراته المدرة للأرباح .
وعلى رأس الدول المتلكئة الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة نصيب الأسد في صفقات الأسلحة والاستثمارات وحتى الابتزازات ، وهي أول مبتز للنظام السعودي بذريعة حمايته عسكريا حسب تصريح رئيسها في كل مهرجاناته الخطابية التي يستميل خلالها الرأي العام الأمريكي بابتزازه للنظام السعودي، وذلك للفوز بفترة رئاسية قادمة . وتحذو أنظمة غربية أخرى حذو الولايات المتحدة الأمريكية في إظهار الأسف على مقتل الصحفي، وفي نفس الوقت تصر على الإبقاء على الصفقات والمعاملات مع النظام السعودي .
أما الرئيس التركي الذي قصرت بلاده في الواجب من خلال عدم الإقدام على منع الجناة من مغادرة الأراضي التركية ، و من خلال عدم اقتحام القنصلية السعودية ساعة علمها بوقوع الجريمة ، فلا زال يناشد النظام السعودي بتسليم الجناة ، والإجابة عن أسئلته التي وجهها إليه من مقر البرلمان . وكان من المنتظر أن يكون موقف الرئيس التركي غير هذا الموقف لأن الاعتداء على مواطن سعودي من طرف دولته فوق التراب التركي يعتبر مساسا بكرامة بلاده وسمعتها . وإذا ما سمح لكل دولة باغتيال مواطنيها فوق تراب دولة أخرى دون متابعتها ومحاسبتها ومعاقبتها ، فإن ذلك يعني الاستخفاف بالمواثيق الدولية وبالعدالة وبالقيم الإنسانية وبالشرائع السماوية والوضعية .
وأمام هذا الموقف التركي لا يمكن استثناء تركيا من التلكؤ في قضية الصحفي القتيل أيضا بسبب نفس الغرض الذي من أجله تتلكأ الدول القادرة على لي ذراع النظام السعودي للكشف عن ملابسات جريمته ومحاسبة المسؤولين عنها .
ولقد أصبحت مصداقية الرئيس التركي في مهب الريح، وهو الذي يصرح بالدفاع عن القضايا العادلة وعن حقوق الإنسان أو أصبحت على المحك إن هو لم يتحرك في الاتجاه الصحيح ،ولم يغادر موقف التلكؤ ، و ينتقل من خطاب مناشدة النظام السعودي بتسليم الجناة وطرح الأسئلة عليه والتي ظلت بلا أجوبة لحد الساعة ،إلى إلزامه وإحراجه ، وعليه أن يختار بين المصالح وبين احترام المبادىء ، فيعلن بكل جرأة وشجاعة ما تريد الدول الغربية السكوت عنه سكوت الشيطان الأخرس حرصا على الصفقات والاستثمارات مقابل التنكر للعدالة وللقيم الإنسانية التي تتبجح بالدفاع عنها وتعلن نفسها وصية عليها ، وتعطي فيها الدروس لغيرها .
وأخيرا نقول ما لم تقل العدالة كلمتها في هذه الجريمة النكراء التي هي واحدة من جرائم عدة لم يفصح عنها ، فإن الدول القادرة على إرغام النظام السعودي على الانصياع للقانون كلها ستأثم ، وسيظل دم القتلى وصمة عار على جبينها.
وعلى الصحفيين في كل بقاع العالم إذا ما ذهب دم خاشقجي هدرا أن يحملوا من الآن فصاعدا أكفانهم على أكتافهم حيثما حلوا وارتحلوا لأنهم صاروا أضيع من الأيتام في مؤدبة اللئام.
وسوم: العدد 796