معاناة المرضى المعوزين بين العلاج في مستشفيات عمومية مفلسة والعلاج الباهظ في المصحات
من أهم المؤشرات المعتبرة في ترتب الأمم تقدما أو تخلفا جودة أو رداءة التطبيب إلى جانب مؤشرات أخرى كجودة أو رداءة التعليم ، وكارتفاع أو انخفاض الدخل ...إلى غير ذلك من المؤشرات .
وإذا ما كان فقراء المغاربة يردون ألم الجوع باللقمة واللقمتين ،ويواجهون العري بالأسمال ، ويحتمون من العراء بأكواخ الصفيح ، فإنهم يقفون عاجزين أمام تكاليف العلاج حين تبطش بهم الأمراض المزمنة ،علما بأنهم أكثر الفئات تعرضا لتلك الأمراض الفتاكة بسبب ظروف عيشهم القاسية .
ولا تكاد أسرة مغربية معوزة تبتلى بمرض أحد أفرادها بمرض عضال حتى تضيق عليها الدنيا بما رحبت لأنها يجد أنفسها بين سندان مستشفيات عمومية مفلسة ، ومطرقة مصحات تمتص دماءها امتصاصا .
أما المستشفيات فقد أفلست ماديا بسبب افتقارها الحاد إلى العتاد الطبي بدءا بالأسرة، ومرورا بما يتطلبه التطبيب من لوزم وأدوية وانتهاء بالأجهزة الكاشفة والمحللة ، كما أنها أفلست بشريا من خلال النقص الفادح في الطواقم الطبية التي يجمع بعضها بين الاشتغال بها والاشتغال بالمصحات أو الانتقال إليها كليا.
ولا يكاد المرضى الفقراء يجدون أدنى بصيص أمل لتلقي العلاج في المستشفيات العمومية وذلك لما يواجهون به من تيئيس في الحصول على فرص العلاج التي تضرب لها مواعيد طويلة الأمد تكون كافية لفتك الأمراض بهم . وإذا ما قاوموا تلك الأمراض إلى غاية حلول مواعد التطبيب ، فإنه يبدأ من جديد مسلسل التيئيس في الحصول على الأدوية ، أو الكشوفات والتحليلات الطبية التي تضرب لها مواعيد أخرى أطول تزيد من تهور صحتهم . وقد يقضي الكثير منهم قبل حلول مواعيد استقبالهم أو مواعيد خضوعهم للكشوفات والتحليلات أو مواعيد توفير الأدوية لهم .
وتلعب عملية تيئيس هؤلاء البؤساء من التطبيب بالمستشفيات العمومية دورا في دفعهم للتفكير في التوجه إلى المصحات لتجنب الهلاك ، فتبدأ معاناتهم معها . وأول ما يواجههم هو ارتفاع سعر الإقامة بها والذي يفوق سعر الإقامة في أفخم الفنادق ذات النجوم مع أن قاعاتها لا تفوق مساحاتها مساحات زنازن أو عنابر السجون والمعتقلات . ويستهلك استئجار أسرّة بها كل ما يجمعونه بيعا أو رهنا لما في حوزتهم إن كان لديهم ما يبيعون أو يرهنون أو استجداء يتجهمهم فيه من يتجهمهم ،ويصدهم من يصدهم قبل الحصول على القليل الذي يكلفهم كثيرأ من الإذلال والهوان والمن والأذى .
وتصير المصحات بالنسبة إليهم عبارة عن جحيم لا يطاق بسبب غلاء تكاليف العلاج . ويمر هؤلاء البؤساء في تلك المصحات بعمليات ابتزاز واستنزاف بلا رحمة لتسدبد فواتير التحليلات ، والكشوفات والفحوصات بأنواع مختلفة من الأجهزة . وتبرم تلك المصحات صفقات بينها وبين المختبرات والصيدليات قبل إجراء العمليات أو مباشرة العلاجات .
وقد يهلك المرضى الفقراء في المصحات بعد استهلاكها ما في أيديهم مع سبق علمها بحتمية هلاكهم ولا جدوى علاجهم فيها، لأن همّ أربابها والعاملين بها هو الربح على حساب مستضعفين أذلهم الفقر دون أدنى شعور بوخز ضمير .
فالله الله للمرضى الفقراء في بلادنا والمعلق مصيرهم بين مستشفيات عمومية لا تسعف ، و بين مصحات لا ترحم .
وسوم: العدد 796