ربط توقيت المغرب بتوقيت البلد المحتل سابقا يؤثر سلبا على حياة المغاربة ومصالحهم الدينية والدنيوية

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي خبرا مفاده أن شركات أجنبية ،وتحديدا الفرنسية منها هي التي كانت وراء قرار اعتماد الحكومة المغربية  توقيت غرينتش زائد ساعة مراعاة لمصالحها الاقتصادية التي من شأنها أن تعرف ارتباكا بسبب الفرق في التوقيت بين الشركات الأمهات خارج المغرب وفروعها داخله .

 فإذا صح هذا الخبر، فإن ربط توقيت المغرب بفرنسا له آثار سلبية على حياة المغاربة في شتى المجالات .وعلى رأس تلك التأثيرات السلبية عدم مراعاة تدين المغاربة من خلال فرض توقيت لا يضع في الاعتبار مواقيت الصلوات اليومية، علما بأن الصلاة هي عمود الدين ، وإذا ما أهمل العمود من خلال تجاهل مواقيته التي جعلها الله عز وجل كتابا موقوتا  انهار الدين برمته .

 ولقد ظل المغاربة منذ الفتح الإسلامي يخضعون توقيت أعمالهم اليومية لمواقيت الصلاة ، ولا يقدمون على واجب الصلوات غيرها من أعمالهم وسعيهم اليومي .

 وبدخول المحتل الفرنسي إلى المغرب انتهج سياسة تهميش مظاهر التدين لدى المغاربة، فأحدث تغييرات في حياتهم للمساس بتدينهم، وكان من ضمنها فرض توقيته الذي لا يوافق خصوصية حياة المغاربة المبنية على أساس مواقيت الصلاة . وكان ما يسمى بالمعمرين يحرمون من يشتغل  من المغاربة في مزارعهم أو أوراشهم أو مصانعهم  أو غيرها من ممارسة عبادة الصلاة في أوقاتها المحددة شرعا كما كان شأنهم قبل الاحتلال ومنذ الفتح الإسلامي .

وبعد خروج المحتل ظل اعتماد توقيته مستمرا من ضمن ما استمر من مخلفات الاحتلال حتى صار هذا التوقيت أمرا واقعا ومسلما به لا يناقش وكأنه وحي يوحى.

 ومعلوم أن ما يسمى بالتوقيت الصيفي وهو زيادة ساعة على توقيت  حديقة غرينتش في بريطانيا الذي يعتمد كتوقيت عالمي لم يكن معروفا عند المغاربة ، وهو توقيت كانت الدول الأوروبية تعتمده مع حلول فصل الصيف بسبب مواقعها الجغرافية ليوافق خدمة مصالحها الاقتصادية ، فانتقل هذا التوقيت إلى المغرب عن طريق التقليد الأعمى من ضمن ما انتقل إليه من الدول الأوروبية لأنها ترسخت قناعة لدى أصحاب القرار فيه أن كل ما يفد من أوروبا  والغرب عموما لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه ، ويسمونه المعايير الدولية التي تعتبر  عندهم مقاسا قسطاسا .

وأخطر ما لحق تدين المغاربة هو حرمان العاملين في شتى القطاعات من أداء الصلوات التي يتزامن وقتها مع وقت العمل ، وراجت فكرة مفادها أن العامل يكون في عبادة وهي كلمة حق أريد بها باطل، ذلك أنه صحيح اعتبار العمل عبادة لأن المسلم يحاسب عليه كما يحاسب على عبادته، ولكن لا يمكن تأخير أوقات عبادة الصلاة وهي الكتاب الموقوت الذي وقّته الخالق جلا جلاله وتقديم العمل الذي وقّته المخلوق ،لأن  وقت العمل يحب أن يتنكب أوقات الصلاة . وبسبب تضييق أوقات العمل على أوقات الصلاة، انتشرت ظاهرة  ما يسمى بقاعات الصلاة في مرافق العمل  بديلة عن المساجد ، وهي عبارة عن أحياز لا يليق أغلبها  بعبادة الصلاة بعد مطالبات متكررة من العمال والموظفين  بها لأداء واجبهم الديني ، وصارت فيما بعد ذريعة  المشغلين والمسؤولين لمنعهم من الصلاة في المساجد وإن كانت هذه الأخيرة  قريبة من مقار العمل .

وهكذا امتنع على العمال والموظفين أداء  بعض صلوات النهار في المساجد كالظهر والعصر في حال اعتماد ما يسمى بالتوقيت المستمر ،وحتى المغرب في حال اعتماد التوقيت غير المستمر . أما صلاة الجمعة فقد تم التضييق على توقيتها بحيث لا يتمكن معظم العمال والموظفين من أدائها كما يجب استعدادا لها غسلا، وتبكيرا، وذكرا... ذلك أن معظمهم يصل إلى المساجد في آخر لحظة والخطباء على منابرهم يخطبون ، ولا يدركون شيئا من خطبهم، بل قد يدركون ركعتي الجمعة فقط لأن من يشغلونهم لا يطلقون سراحهم إلا  قبيل الآذان بوقت قصير جدا  .

أما المتعلمون  خصوصا المكلفون منهم شرعا، فلا وقت لهم لحضور صلاة الجمعة لأنهم أثناءها يكونون في بيوتهم يتناولون وجبات الغذاء ليعودوا للتو إلى مؤسساتهم التعليمية . وبهذا تضيع صلاة الجمعة عندنا ، ويخفت دورها التربوي بسبب اعتماد توقيت يضيق الخناق على توقيتها مع أن النص القرآني  الذي ينص على وجوب حضورها على كل مسلم مكلف لا عذر شرعي له واضح ومحكم ، ومع ذلك يتجاسر المسؤولون وأرباب العمل على ما فرض الله عز وجل بالتضييق على توقيت واجب إلهي مقدس بطريقة أو بأخرى  لا تخلو من تعمد وسبق إصرار . ولقد بحت حناجر المطالبين  منذ زمن بعيد بتخصيص صبيحة يوم الجمعة لأداء الصلاة ، والانتشار للعمل بعدها كما نص على ذلك القرآن الكريم .

 ويتجاهل المسؤولون وأرباب العمل  عندنا ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم  الذي قال : " لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيؤم الناس ، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى رجال لا يشهدون الصلاة  فأحرق عليهم بيوتهم ". ولو اعتمد هذا الذي عزم على فعله  رسول الله صلى الله عليه وسلم  في زماننا  لشمل الإحراق المسؤولين وأرباب العمل عندنا الذين يضيقون على من يشتغلون عندهم  حتى تفوتهم الصلوات في بيوت الله .

وليس الصلاة وحدها المتضررة بالتوقيت الذي يراعي مشاريع اقتصادية أجنبية فوق أرض المغرب، بل التعليم عندنا أكبر متضرر أيضا، ذلك أن الناشئة  المتعلمة التي لا تعنيها تلك المشاريع الأجنبية  شملها توقيتها أيضا ،وكان ذلك على حساب تحصيلها إذ كيف يمكن وفق التوقيت الذي أعلنت عنه الوزارة الوصية على قطاع التعليم أن يغادر المتعلمون مؤسساتهم التعليمية الساعة الواحدة زوالا ،ويعودوا إليها بعد ساعة فقط ؟ ودونهم مشوار يقطعونه إلى بيوتهم راجلين أو راكبين في البدو والحضر ، ووجبات غذاء يتناولونها، ودورات مياه يرتادونها بعد ملء بطونهم ، و غسل  لا بد منه بعد حصص التربية البدنية ، وواجب صلاة متأخرة يؤدونها، و استعمال وسائل نقل ينتقلون على متنها  إلخ ... ؟ وكيف سيكون تحصيلهم في الفترات الزوالية ؟

ونظرا لارتباط الأسر بأبنائها المتعلمين، فإن  التوقيت الذي يراعي المصالح الاقتصادية للشركات الأجنبية في بلادنا  يربك حياتها اليومية ، ويجعلها تعاني بسببه من مشاكل شتى لا داعي لسردها .

ولهذا وجب على الحكومة أن تقلع عن قرار ربط توقيت المغاربة بتوقيت شركات البلد المحتل سابقا وذلك حفاظا على مصالحهم الدينية والدنيوية إن كانت مقولات الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ودولة الحق والقانون، وحرية الرأي، وحربة التعبير... صحيحة بالفعل ولم تكن مجرد شعارات فارغة .

وسوم: العدد 796