انتشار ظاهرة الرؤوس المقزّعة والسراويل المفتوقة على الركب والأفخاذ في مؤسساتنا التربوية
كان من المنتظر أن يحزم كل من أولياء أمور المتعلمين آباء، وأمهات، وأقارب ومن المربين طواقم إدارية ،وتربوية أمرهم بخصوص هندام المتعلمين بناء على توجيهات الوزارة الوصية على قطاع التربية والقاضية بضبط هذا الهندام من خلال مواصفات تجعله يعبر عن وضعية المتعلمين التربوية داخل المؤسسات التعليمية، إلا أن واقع الحال كان عكس ذلك حيث ألقى الجميع الحبل على الغارب كما يقال، فانتشرت ظاهرة الرؤوس المقزعة بالنسبة للمتعلمين الذكور ، والسراويل المفتوقة على الركب والأفخاذ بالنسبة للذكور والإناث على حد سواء ، وهي هيئات لا تمت بصلة لهويتنا الإسلامية التي تحرص منظومتنا التربوية على ترسيخها في الناشئة المتعلمة من خلال مناهج وبرامج دراسية .
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع ، وهو حلق بعض شعر الرأس وترك البعض الآخر نتفا متفرقة ،الشيء الذي يشوه منظر الحليق حلاقة القزع خلافا للصورة الجميلة المتناسقة التي صوّره الله عز وجل عليها .
ومعلوم أن الشيطان الرجيم لعنه الله أقسم أن يأمر بني آدم بتغيير خلق الله عز وجل كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى :(( وإن يدعون إلا شيطانا مريدا لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنّهم ولأمنينّهم ولآمرنّهم فليبتكن ّآذان الأنعام ولآمرنّهم فليغيرنّ خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ))، كما أنه لعنه الله من فتنته نزع ستر اللباس عن الإنسان كما أخبر ذلك الله عز وجل في قوله : (( يا بني آدم لا يفتننّكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون )).
إن الشيطان قد عشش في مؤسساتنا التربوية فأمر بالقزع في رؤوس المتعلمين الذكور ، لتغيير خلق الله عز وجل الذي كسا الرؤوس بشعر يضفي عليها رونقا وجمالا ، كما أمر بفتق سراويلهم وسراويل الإناث أيضا على الركب والأفخاذ للكشف عن السوآت أو العورات . ولا شك أنه سيمضي هو وقبيله من الإنس
قدما في إدخال المزيد من التغيرات على خلق الله للمزيد من تشويه منظر بني آدم ، و في إدخال المزيد من الفتق على لباس بني آدم لتزداد السوآت والعورات انكشافا . ومع أن الله عز وجل امتن على بني آدم بالستر في قوله عز من قائل : (( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذّكّرون )) ، فإن الناس يتبعون الشيطان بكشف الستر عنهم .
وإذا ما تأملنا الرؤوس المقزعة لناشئتنا المتعلمة نلاحظ فكرة تعمد تغيير خلق الله الشيطانية جلية وواضحة، ذلك أن منظرهم يثير الاشمئزاز في النفوس ، ويحولهم من مخلوقات أحسن البارىء المصور سبحانه خلقها إلى مخلوقات مشوهة المنظر ، وهو شكل يوحي بمضمون لا يقل عنه تشوها، ذلك أن ما يصدر عن بعض أصحاب تلك الحلاقة المزرية بالرؤوس من بذي الكلام وساقطه يتناغم مع شكل حلاقتهم .
وإذا ما تأملنا السراويل المفتوقة على الركب والأفخاذ، نلاحظ أيضا بوضوح فكرة نزع الستر الشيطانية عن الناشئة ذكورا وإناثا ، ذلك أن الركب والأفخاذ من أجزاء الجسد البشري التي أمر الله عز وجل بسترها ، لأن عورة الذكر في شريعة الإسلام ما بين سرته وركبتيه ، وعورة الأنثى كل جسدها باستثناء الوجه والكفين. ولا يخفى ما تثيره تلك الأجزاء من الجسد غريزيا بين الجنسين ، وهو ما لا يجوز داخل فصول ومحيط المؤسسات التربوية أو خارجها .ولا يمكن أن يشكك أحد في أن فكرة فتق السراويل تعني الكشف عما خفي من أجزاء الجسد الحساسة ،الشيء الذي يرمز بوضوح إلى فكرة الإثارة الجنسية ، وهو ما يخالف تعاليم ديننا التي تفرض الستر على الجنسين مع غض الأبصار منعا لوقوع الإثارة الجنسية بينهما .ويتوقع مستقبلا أن يتسع الفتق على الرتق كما يقال ،فيتم الكشف عن أجزاء أخرى من الجسد أكثر إثارة جنسية .
ومعلوم أيضا أن البشر منذ أقدم العصور ، وفي كل الثقافات مجمعون على أن الأسمال إنما ترمز إلى الفقر والفاقة ، فإذا كانت السراويل المفتوقة على الركب والأفخاذ تدخل عرفا ضمن الأسمال ، فإن ارتداءها من طرف غير الفقراء والمحتاجين يعتبر عبثا لا مبرر له بل هو عبارة عن تصنع للفقر والفاقة .
ولا شك أن البعض سيرد على انتقاد رؤوس الناشئة المقزعة عندنا وسراويلهم المفتوقة بأنها تقليعة أو موضة عالمية ، وأن أبناءنا يعيشون في عالم صار عبارة عن قرية صغيرة بلا حواجز بسبب تطور تكنولوجيا التواصل، لهذا لابأس أن سايروا باقي شباب العالم في طريقة حلق رؤوسهم ، أوفي طريقة لباسهم .
والرد على هذا هو أن ناشئتنا في مسايرة غيرها إنما هي ضحية تقليد أعمى ، ولا تستطيع أن تبرر هذا التقليد، ولا تجد ما تجيب به حين تسأل عنه . ولا يخفى أن الألبسة والهيئات البشرية تتحكم فيها أفكار وقناعات وثقافات ، ولا يمكن أن تتوحد تلك الأفكار والقناعات والثقافات في مجموع المعمور ، وعليه لا يمكن أن تتوحد هيئاتهم وألبستهم حفاظا على هوياتهم وخصوصياتهم الفكرية والثقافية والعقدية . وغير خاف أن وحش العولمة يروم من ضمن ما يرومه ابتلاع خصوصيات أمم المعمور لفرض خصوصيات أمم بعينها تمكينا لها في الأرض فكريا وثقافيا وماديا .
وإذا كانت ناشئتنا قد تلقفت القزع والسراويل المفتوقة عن غيرها ، فإنه من اليسير أن تتلقف عنها نمط فكرها وقناعتها ، وعيشها و سلوكها وفق قاعدة عالم العمران المغربي عبد الرحمان بن خلدون رحمه الله ، وهي: " أن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده " . وما لم يع المغلوب ولعه بغالبه وتقليده في أحواله ،فإنه سيظل أبدا مغلوبا على أمره لا يتحرر أبدا من قيود غالبه .
ومعلوم أننا لنرنو باستمرار ، وبحرقة كبيرة إلى أن نتحرر من الغالب الذي قلدناه في كل شيء ،حتى دخلنا جحر الضب وراءه ، ولن نخرج من هذا الجحر المنتن ، ما لم نسترجع الثقة في أنفسنا ، وما لم نتخلص من الولع بمن غلبنا . وإن أخشى ما يخشاه الغالب أن يقلع المغلوب عن الولع به ، فتلك بداية تحرره واستقلاله الفكري الذي يتحقق به الاستقلال الفعلي والنهائي .
فهل سيحزم أولياء أمور المتعلمين والمربون عندنا أمرهم بالتصدي لظاهرة القزع والسروايل المفتوقة المتفشية في مؤسساتنا التربوية أم أنهم سيستسلمون للأمر الواقع ،ويتذرعون بغزو التقاليع والموضات لتبرير خضوعهم واستسلامهم . إنها مسؤولية جسيمة تجاه هويتنا الإسلامية التي باتت مهددة من كل جانب هيئات، وألبسة، وأفكار، وعادات، وأحوال... وهي مسؤولية أمانة عظمى قلدنا إياها ربنا سبحانه وتعالى ، ونبينا عليه الصلاة والسلام ،وصالح سلفنا رحمهم الله ، فمن ضيعها فعليه وزر تضييعها ، ووز من ضيعها بعده من الخلف .
( انتشار ظاهرة الرؤوس المقزعة والسراويل المفتوقة على الركب والأفخاذ في مؤسستنا التربوية )
وسوم: العدد 796