السيسي.. مرحلة مؤقتة !!
تشي تصرفات السيسي في كثير من المناسبات بشعوره أنه "مؤقت" وأن الأمر لم يستتب له. مرت خمس سنوات لم تظهر بادرة واحدة على المستوى الداخلي يمكنها أن تقلقه، فحالة التحفز التي يتصرف بها تجاه كل صوت معارض حتى لو اتفق معه في الثوابت الانقلابية، تكشف بلا شك عن انعدام ثقة وتوجس. وشتان بين رغبته في أن يستمر وبين شعوره بأنه قد جيء به لمهمة محددة وأن دوره سينتهي سريعاً.
بين السيسي وبيونيشيه
يشبه الأمر كثيراً سيناريو بينوشيه الذي انقلب على الرئيس المنتخب في تشيلي سنة 1973 ومعه بدأ عصر من الإرهاب دام عدة سنوات، وإن كانت مقارنة الحالة التشيلية بالحالة المصرية ربما تدفعنا لوصف انقلاب تشيلي بالرقة أو بأوصاف ستبدو مضحكة إن أطلقت على انقلاب عسكري، فرغم وحشية الانقلاب في تشيلي ورغم قيامه بسد أفق الحياة السياسية بالكامل كما يفعل الانقلابي السيسي في مصر تماماً، إلا أن نظرة على الأرقام المعتمدة لدى المنظمات الحقوقية الدولية للمختفين والمعتقلين في أعقاب الانقلاب، ومقارنتها بمثيلاتها في مصر ستكشف عن أن انقلاب تشيلي لم يكن إلا تلميذا صغيرا في مدرسة الانقلاب المصرية. فقد بلغت أعداد المختفين ثلاثة آلاف بينما وصلت تقديرات أعداد الشهداء في مصر إلى عدة آلاف والأعداد مختلف عليها. أما أعداد المعتلقين في تشيلي فبلغت ثلاثين ألفاً بينما وصلت في مصر إلى نحو مائة ألف.
بالتأكيد يخطط السيسي لأن يبقى، وهو بالتأكيد لم يقم بالانقلاب إلا ليحاول أن يبقى ولكن افتتاحية مرحلة ما بعد الانقلاب بمشهد إضرام النيران في مسجد رابعة وتلك المذبحة المروعة بتفاصيلها الرهيبة المحفورة حفراً في نفوس مناهضي حكم العسكر، وصمت المرحلة الانقلابية من بدايتها بأنها مؤقتة ومهدت لمرحلة ما بعد رحيله. فكما لم يكن من الممكن أن تستمر العشرية السوداء في الجزائر، والتي تتشارك بالمناسبة في كثير من تفاصيلها مع الانقلاب في مصر، فلم يكن من الممكن أن يستمر السيسي وأن تنتج مرحلته الانقلابية استمرارية يرضى عنها الناس.
تجفيف ينابيع المعارضة
والانقلاب يسيطر على مصر بمعادلة إرهاب وغلاء واضحة، ويجب أن نعترف أن هذه الأساليب الوحشية قد نجحت في إعادة الشعب إلى مرحلة ما قبل انتزاع الحق في التظاهر لكنه لم ينجح في تطبيع الأوضاع السياسية في مصر. بل هو لا يستطيع حتى أن يتظاهر بأن الأمور على ما يُرام ويبدو حتى مرعوباً من السماح بحياة سياسية حتى لو خلت من خصومه التقليديين وهم الإخوان المسلمون، ولا يملك نتيجة لذعره هذا إلا أن يقوم بسد الأفق السياسي وتجفيف أي مصدر معارضة حتى لو كانت معارضة تعترف بالانقلاب.
وهذه المعادلة تتصادم بالكامل مع رغبته هو الشخصية في أن يستقر له الحكم، والنتيجة الحتمية لهذه التصرفات المذعورة التي يقوم بها هي أنه يحشد يومياً كل شرائح المجتمع ضده، ولا يملك تجاه هذا إلا المزيد من القمع، والقمع يحشد المزيد من الناس ضده وهكذا حتى تصل الأمور إلى طريق مسدود.
انسداد يزداد كل لحظة ولا يمكن معالجته إلا برحيله، ولكنه لا يملك لعلاج أعراضه إلا المزيد من الانسداد. والنتيجة أنه يتصرف يومياً بنفس عقلية اعتقالات سبتمبر التي قام بها السادات في نهاية عهده، فكل تصرفاته تكشف عن خوفه الدائم، وكيف لا وقد قتل الآلاف واعتقل الآلاف وأفسد بلداً يسكنه الملايين. وهو كمن سار في طريق محتوم لا يستطيع الرجوع منه ولا يستطيع الانحراف عنه ولا يملك إلا أن يسير فيه إلى نهايته.
وسوم: العدد 796