قراءة في هوية حكومة الشاهد الثالثة وفي الانتماءات الفكرية والسياسية والحزبية لأعضائها
التعديل الوزاري الموسع الذي أجراه رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد مساء الاثنين 05 نوفمبر الحالي، شمل كما هو معلوم 13 حقيبة وزارية و5 كتابات دولة، وهي خطوة تعبر عن بحث للتجسيد الفعلي والعملي للتوازنات السياسية الجديدة بالبلاد، الا ان جدلا اعقب التغيير الحكومي حول إصباغ البعض للبعد السياسي والفكري الواحد على الحكومة الحالية خاصة في ظل أجندة بعض قياديي نداء تونس لإقناع الراي العام بأن التحوير هو محاولة انقلابية من الشاهد وحركة النهضة على الرئيس والدستور، فماهي سمات الحكومة الجديدة وما هويتها السياسية وما هي فعليا حقيقة الانتماءات الفكرية والسياسية للحكومة الحالية؟
** الأحزاب المشاركة في مفاوضات تشكيل الحكومة
ضمت التشكيلة الوزارية الجديدة 39 وزيرا و10 كتاب دولة (مساعدي وزراء) وقد أعلن الشاهد ولادتها عقب مفاوضات شملت أطيافا سياسية متعددة، وغابت عنها، رسميا، حركة “نداء تونس” (أحد مكونات الائتلاف الحاكم قبل الإعلان عن التحوير)، وعمليا شاركت في مفاوضات التعديل الوزاري، الأحزاب التالية:
* حركة “النهضة” ذات المرجعية الإسلامية (68 نائبا)، ولها عمليا في التركيبة الجديدة أربع وزراء وأربع كتاب دولة….
* حركة “مشروع تونس”، وهو حزب يعتبر ليبرالي التوجه رغم ان بعض قياداته يساريون سابقون (فيما الآخرون تجمعيون ومسؤولين سابقين في نظام الرئيس المخلوع)، وتضم كتلته حاليا 14 نائبا، وعمليا تحصل في الحكومة على 03 حقائب وزارية وكتابة دولة واحدة…
* حزب “المبادرة الوطنية الدستورية”، وهو حزب يؤكد في بياناته على الخلفية الدستورية وله 3 نواب، وله حقيبتان وزاريتان في التشكيلة الجديدة…
* حزب المسار الديمقراطي، وهو وريث حركة التجديد اليسارية والتي أسسها قياديو الحزب الشيوعي المتونس سنة 1937 بعد تأسيسه سنة 1919، والحزب لا نواب له، ويمثله وزير الفلاحة سمير الطيب والمختلف مع حزبه في عضوية الحكومة الحالية، مع أن الوزير قيادي سابق في تيار الوطد الماركسي ومنسحب منه عام 1979…
* كتلة “الائتلاف الوطني” القريبة من الشاهد (40 نائبا)، والتي تعتبر لبنة أولى في حزب قد يسمى لاحقا “أمل تونس”، والذي سيلتحق به اغلب الوزراء المستقلين وبعض أعضاء الحكومة الندائيين في الحكومة الحالية اذ سبق لهم رفض حضور اجتماع لهم مع المدير التنفيذي ولم يحضره الا كاتب الدولة المتخلى عنه عماد جبري…
** أعضاء حكومة ندائيين رغم موقف الحزب الرافض للتحوير
رسميا، لم يشارك حزب نداء تونس في المفاوضات التي افضت للحكومة الحالية مع أن رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد سيظل عضوا في الحزب رغم تجميد عضويته الى حدود مؤتمر جانفي المقبل أو تأسيسه لحزبه الجديد، وعمليا بقي للحزب من حيث الانتماء 6 وزراء واثنان من كتاب الدولة، حيث حافظ خميس الجهيناوي على منصبه وزيرا للخارجية، ومحمد زين العابدين وزيرا للثقافة، وحاتم بن سالم على وزارة التربية، ومحمد رضا شلغوم وزيرا للمالية، وجميعهم لم يكونوا من مؤسسي الحزب بل التحقوا به بعد سبتمبر 2014 تباعا …
فيما انتقل رضوان عيارة من وزارة النقل إلى وزير لدى رئيس الحكومة مكلف بالعلاقة مع مجلس النواب، وتدرّج شكري بن حسن (المعتمد والتجمعي السابق) من كاتب دولة لدى وزير الشؤون المحلية والبيئة، إلى وزير لدى رئيس الحكومة مكلف بالاقتصاد الاجتماعي التضامني….
أما حاتم الفرجاني، فحافظ على منصبه كاتب دولة لدى وزير الخارجية مكلفا بالدبلوماسية الاقتصادية، فيما عيّن عادل الجربوعي (تجمعي سابق ومقرب من النداء) كاتب دولة لدى وزير النقل…
** “النهضة” طرف رئيسي وفاعل في الحكومة
حافظت حركة “النهضة” في حكومة الشاهد الثالثة على عدد الحقائب الوزارية أي 4 وزراء (مغادرة الحمامي للصحة وتعيين الونيسي وزيرة للتشغيل)، فيما ارتفعت كتابات الدولة المسندة لها من 03 الى 04، بعد أن كانت ممثلة بـ 4 وزراء و3 كتاب دولة في حكومة الشاهد الثانية في سبتمبر 2017….
وعمليا حافظ أمين عام الحركة زياد العذاري على منصبه في وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، وكذلك توفيق الراجحي الذي استمر وزيرا لدى رئيس الحكومة مكلفا بالإصلاحات الكبرى بينما حافظ أنور معروف على منصبه على رأس وزارة تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي، فيما عينت سيدة الونيسي كاتبة الدولة السابقة لدى وزير التكوين المهني والتشغيل، بمهام الوزارة ذاتها.
أما بالنسبة إلى كتاب الدولة، فقد تم تعيين بسمة الجبالي كاتبة دولة لدى وزير الشؤون المحلية والبيئة، وهي تدخل الحكومة لأول مرة.
فيما حافظ خليل العميري على منصبه كاتب دولة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي، مكلفا بالبحث العلمي.
وتم تعيين أحمد قعلول كاتب دولة لدى وزيرة شؤون الشباب والرياضة مكلفا بالرياضة، وهو يدخل الحكومة لأول مرة.
وحافظ حبيب الدبابي على منصب كاتب دولة، إلا أنه انتقل من وزارة تكنولوجيات الاتصال والاقتصاد الرقمي إلى كاتب دولة لدى الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، مكلفا بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة.
** مشروع تونس” لأول مرة وثالث قوة عددية في الحكومة
رغم التأرجح في مواقف أمينه العام محسن مرزوق (غادر “نداء تونس” نهاية 2015) حول المشاركة في حكومة تضم “النهضة”، اختار الحزب المشاركة وحصل على 3 وزارات وكتابة دولة واحدة، حيث حصل على وزارة الصحة التي تقلد مهامها عبد الرؤوف الشريف (ندائي سابق دو خليفة يسارية تاريخيا) والذي خلف الوزير النهضاوي “عماد الحمامي”…
كما تم تعيين سنية بالشيخ (ليبرالية التوجه) وزيرة لشؤون الشباب والرياضة، ومحمد فاضل محفوظ وزيرا لدى رئيس الحكومة مكلفا بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، وهذا الأخير قومي التوجه مع منحى يساري في المواقف السياسية…
أما سمير البشوال(ليبرالي)، فقد تقلد مهام كاتب دولة لدى وزير التجارة مكلف بالتجارة الداخلية….
** رئيس “المبادرة” وزيرا ثانيا للحزب في الحكومة
بالنسبة لحزب المبادرة الوطنية الدستورية، حافظت القايدية بالحزب “نزيهة العبيدي” على موقعها كوزيرة للمرأة، في حين تم تعيين رئيس الحزب كمال مرجان، الذي شغل عدة مناصب في عهد الرئيس المخلوع، وزيرا للوظيفة العمومية وتحديث الإدارة والسياسات العمومية، مع العلم وان الأخير كان رئيسا لــ”منظمة الطلبة الاشتراكيين الدستوريين” سنة 1973، وقد شهد حزبه انصهارات مع أحزاب ليبيرالية ودستورية عديدة ولكنها صغيرة بين سنتي 2012 و2016 …
** يسار الوسط يحافظ على تمثيله بوزير
استمر وجود يسار الوسط كما بينا أعلاه في حكومة الشاهد الثالثة من خلال سمير الطيب، الأمين العام لحزب “المسار الديمقراطي الاجتماعي” الذي حافظ على منصبه وزيرا للفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، مع أن مواقف الحزب من حكومتي الشاهد الثانية والثالثة بدت مضطربة ومتقلبة على غرار تصريحات فوزي الشرفي والجنيدي عبد الجواد…
** المستقلون 13 وزيرا و3 كتاب دولة
أما المستقلون فقد حظوا بـ11حقيبة وزارية وكاتب دولة واحد.
إذ استمر وزير الداخلية، المستقل هشام الفوراتي (اداري) في منصبه، وكذلك وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي (تكنوقراط)، فيما تم تغيير وزير العدل غازي الجريبي بوزير آخر مستقل هو كريم الجموسي، وبقي وزير الشؤون الدينية أحمد عظوم في منصبه، وتم تغيير وزير البيئة رياض المؤخر بـ “مختار الهمامي” ( تكنوقراط – ليبرالي التوجه)
وجرى تعيين الجامعي نور الدين السالمي (معارض سياسي سابق في عهد الرئيس المخلوع)، وزيرا للتجهيز والإسكان والتهيئة الترابية، بعد أن كان رئيسا لديوان وزير التجارة مع أكثر من وزير ثم رئيسا لديوان وزير التعليم العالي قبل التحوير الحالي…
وحافظ سليم خلبوس وزير التعليم العالي والبحث العلمي على منصبه، وكذلك سليم الفرياني (الأقرب لنداء تونس) وزيرا للصناعة، وإياد الدهماني (القومي العربي من حيث الخلفية الفكرية) وزيرا لدى رئيس الحكومة مكلفا بالعلاقة مع مجلس النواب، ومتحدثا رسميا باسم الحكومة.
فيما حافظ وزيران قريبان من النقابات المركزية الكبرى على منصبيهما:
أ- حيث بقي محمد الطرابلسي القيادي السابق في الاتحاد العام التونسي للشغل والقريب من الرئيس السبسي على رأس وزارة الشؤون الاجتماعية، مع أنه كان من قيادات تيار الوطد اثناء دراسته الجامعية…
ب- حافظ وزير التجارة عمر الباهي، القيادي السابق في “الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري” على منصبه على رأس وزارة التجارة.
وتمت ترقية هشام بن أحمد من كاتب دولة لدى وزير التجارة إلى وزير للنقل، وجرى تعيين مدير ديوان رئيس الحكومة السابق الهادي الماكني، وزيرا لأملاك الدولة والشؤون العقارية خلفا لمبروك كورشيد (المقرب من السبسي والمحسوب تاريخيا على التيار القومي الناصري)….
وبقي كل من صبري باشطبجي (ليبرالي) كاتب دولة لدى وزير الشؤون الخارجية، وعبد الله الرابحي كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري مكلفا بالموارد المائية والصيد البحري في منصبيهما، وكذلك الأمر بالنسبة إلى كاتب الدولة لدى وزيرة شؤون الشباب والرياضة المكلف بالشباب عبد القدوس السعداوي.
**حول هوية حكومة الشاهد الثالثة؟
أ – بناء على ما سلف ذكره واستعراضه من معطيات حول الانتماءات الفكرية والسياسية والحزبية، يُمكن التأكيد أن الحكومة الجديدة ترتكز على خلفية وجود حزام وطابع سياسي وإداري للتمكن من إدارة الملفات في مرحلة حرجة وفي ظل تحديات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة وفي ظل تجاذب سياسي وايديولوجي محلي واقليمي ووسط تحولات دولية مفتوحة على خيارات عدة، وبالتالي فالحكومة الحالية هي حكومة ائتلافية مرحلية ولكن عملها يرتكز على بعد استراتيجي ذو منحى اصلاحي…
ب- استطاع الشاهد تفكيك أغلب الألغام في تركيبة الحكومة السابقة (عبر التخلي عن الوزيرين “كورشيد” و”الشارني” وتعيين وزير جديد للتجهيز بدلا من العرفاوي الذي استفز التونسيين في أحداث القصرين الأخيرة)، كما استطاع اعطاء مسحة حزبية موسعة عبر وجود كل التيارات الفكرية والسياسية والايديلوجية من المدارس السياسية التونسية الخمس فهناك في حكومته دستوريين واسلاميين ويساريين وليبراليين وقوميين عرب، وهو بحث عملي عن التوافق السياسي والمجتمعي، إضافة الى تمثيلية أغلب الولايات وعبر تشبيب الفريق وتطوير الوجود النسائي داخلها بما في ذلك عنصرين نسائيين إسلاميين وهذا مهم في بلد كان سنة 1980 يمنع ارتداء الحجاب الإسلامي ويعتبره طائفيا…
ت- على اعتبار أن التوافق كان مرحليا وبين زعيمين سياسيين ولم يكن فعليا في الوزارات والقطاعات وفي الولايات والمحليات، يرغب الشاهد مستقبلا أن يكون التوافق موسعا واستراتيجيا بين فرقاء الوطن لتحقيق أهداف الثورة واستكمال مهامها، وتواصل عملي بين الدولة والمجتمع وبشراكة المجتمع المدني وإعطاء أولوية لإجراء إصلاحات كبرى واستراتيجية وإنجاز الاستحقاقات الانتخابية في مناخ سياسي طبيعي، وبالتالي فالحكومات السابقة كانت عمليا حكومات تعايش مرحلي ولم تكن حكومات توافقية فعليا وبالتالي بحث الشاهد وحلفائه عن أن تكون الحكومة الحالية مرحلية وائتلافية وطنية في انتظار المتغيرات والتطورات وخاصة الإقليمية والتي ستكون كبيرة ومتسارعة…
وسوم: العدد 797