لا نهضة للأمة الإسلامية إلا بأولي أمر علماء وساسة يعملون جنبا إلى جنب ويقودونها قيادة رشيدة موفقة إلى بر الأمان
لقد سجل التاريخ مرور أمة الإسلام بفترات عصيبة سببها الانحراف عما أراد لها الله عز وجل لها من ريادة وقيادة للبشرية . و ما تمر به هذه الأمة اليوم من ضعف هو نموذج من نماذج تلك الفترات العصيبة . ومعلوم أن كل شدة مرت بها الأمة إنما كانت بقدر انحرافها عن تعاليم دينها ،ذلك أنه كلما ازداد الانحراف ، تفاقمت الشدة وأوشكت ريح الأمة على الذهاب .
ولقد سجل لنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يقع ضعف الأمة ، وكيف توشك ريحها على الذهاب في الحديث المشهور الذي قال فيه : "مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا "
إن هذا الحديث يبين لنا سبب الخطر الذي يتهدد الأمة المسلمة في كل عصر ومصر إلى قيام الساعة ،وهو الوقوع في حدود الله عز وجل ، وبعبارة أخرى هو الانحراف عن توجيهات الرسالة الخاتمة.
ولقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الانحراف بخلاف يقع على متن سفينة تمخر عباب البحر بين ركاب في أعلاها وآخرين في أسفلها ، وسبب هذا الخلاف بينهم هو رغبة أصحاب الأسفل في الحصول على الماء دون مشقة من خلال إحداث خرق في الحيز الذي يحتلونه في السفينة ،وذلك بذريعة الحرص على عدم إيذاء من هم أعلاهم ، وهذا انحراف عن قانون الملاحة الذي يمنع إحداث الخروق في السفن لأنها تعرضها لخطر الغرق. و كان من المفروض والحالة هذه على الذي يحتلون الحيز الأعلى من السفينة أن يحولوا دون إغراقها وذلك بمنع إحداث الخرق في أسفلها لينجو كل من على متنها .
وهذا الحديث الشريف ينطبق على حال الأمة المسلمة اليوم وقد انقسم المسلمون إلى فريقين : فريق يريد إحداث تغيير في حياتها بذريعة بلوغ ما بلغه غيرهم من تطور ، وفريق آخر لا يريد السماح بإحداث هذا التغيير لما فيه من خطر محدق بهويتها لأنه بمثابة إحداث خرق في أسفل سفينة وسط البحر .
ومعلوم أن رغبة الفريق الأول في الحصول على ما يريده من تطور يقتضي منه أن يراعي التنسيق مع الفرق الثاني تماما كما كان على الفريق المحتل لأسفل السفينة أن يلتمس الماء من أعلاها حيث الفريق المحتل له عوض إحداث الخرق في أسفلها .
ومعلوم أن ما يقوم مقام السفينة هو شعوب الأمة المسلمة ، وما يقوم مقام الفريقين في أعلاها العلماء وفي أسفلها الساسة وكلاهما أولى الأمر. أما ساستها فهم اليوم يريدون اعتماد شرائع غيرهم بذريعة محاولة النهوض بها ، وأما علماؤها فهم من يجب أن يأخذوا بأيديهم لردهم إلى جادة الطريق صيانة للأمة من الانحراف عن دينها ، ومن ثم ذهاب ريحها.
وليس أمام هؤلاء العلماء حل آخر سوى الأخذ بأيدي الساسة تماما كما كان من المفروض على ركاب أعلى السفينة أن يمنعوا ركاب أسفلها من خرقها صيانة لها من الغرق . ومعلوم أن منعهم لم يكن بالأمر الهين لأن العازمين على إحداث الخرق كان لهم إصرارعلى ذلك ، وكان لا بد من إقناعهم بشتى الطرق لثنيهم عما عزموا عليه دون تهيب ما ينطوي على ذلك من مخاطر .
وما تعيشه الأمة المسلمة اليوم هو شبه غياب العلماء الذين بإمكانهم الأخذ بأيدي ساستها . والغالب على علماء هذا الزمان هو مسايرة معظمهم للساسة فيما يريدون إحداثه من تغيير في هوية الأمة بل أكثر من ذلك يخترعون لهم الفتاوى التي تشجعهم على المضي فيما يريدون ، وكأن ركاب أعلى السفينة عوض الأخذ بأيدي ركاب أسفلها أخذوا يزينون لهم خرقها ،وهم يعلمون علم اليقين أنها غارقة لا محالة، ولكنهم يتملقونهم إما بدافع طمع في عرض الدنيا الزائل أو خوفا من بطشهم .
أما القلة القليلة من العلماء الذين بإمكانهم القيام بدور الأخذ بأيدي الساسة فيلتزمون الصمت ،ولا تزيد مواقفهم عن الأسف والحسرة على ما تواجهه الأمة من مخاطر دون أن يكون لهم حضور حقيقي وفاعل يمنع الوقوع فيما لا تحمد عقاباه .
ويمكن أن نضيف إلى تشبيه التمثيل الذي تضمنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة سفن أخرى تسير بجانب السفينة وعلى متن تلك السفن ركاب يحرضون من يحتلون أسفلها على المضي في إحداث الخرق فيها ، ويغرونهم بذلك ،بل ويهددونهم أيضا لتسير سفينتهم سير سفنهم وركاب أعلاها لا يحركون ساكنا بل يكتفي بعضهم بالتحسر والأسف والتباكي على مصير سفينتهم بين تحريض المحرضين وتهور المتهورين من ركاب أسفلها ، والمحرضون من السفن الأخرى يحذرون هؤلاء ممن يحتلون أعلاها ، ويخوفونهم منهم ويمنعونهم من الأخذ برأيهم إن هم رغبوا في سيرسفينتهم سير سفنهم .
ولهذا نجد ساسة الأمة المسلمة اليوم يحذرون علماءها أشد الحذر ، و يبعدونهم بشتى الطرق ، ومنهم من يغيبهم في السجون والمعتقلات حتى لا يحولوا دون وقوع التغيير الذي يريدون إحداثه في الأمة على غير هدي دينها.
وها نحن اليوم أمام خرق خطير يتهدد السفينة وهو خرق ما يسمى بصفقة القرن التي يريد الساسة تمريرها بشكل أو بآخر ، وهي أخطر خرق يتهددها ، ويتعين على العلماء أن يأخذوا بأيديهم بكل الوسائل والطرق الممكنة دون أن تلين قناتهم في ذلك أو يفل في عزمهم شيء ، ولا يجب أن تثنيهم المضايقات أو التهديدات عن ذلك . ويتعين على الأمة أن تحتضن هؤلاء العلماء وتنافح عنهم بكل الوسائل والطرق لتمكينهم من القيام بواجبهم عوض التفرج عليهم وهم يضايقون ويهددون ويغيبون و الاكتفاء بالأسف والحسرة عليهم ، وانتقاد أندادهم من الذين يرتمون بين أحضان الساسة ، ويزينون لهم السير قدما نحو كل ما يفضي إلى الصفقة المشؤومة التي إن تمت لا قدر الله أصابت قلب الأمة النابض بسكتة قاتلة.
فهل من أمل في اجتماع أولي الأمر علماء وساسة على العمل الجاد لتجنيب الأمة كارثة بدأت ملامحها تظهر في الأفق ؟؟
وسوم: العدد 798