لماذا تحرك الغرب لمقتل شخص واحد ولم يحرك ساكنا لمقتل الملايين ؟
اللافت للنظر أن المجتمعات الغربية تحركت لاختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي من المرجح أن يكون قد قتل بطريقة وحشية حسب معطيات الدولة التركية المحققة في قضيته ، وهو موقف إنساني لا شك في ذلك لم تقفه الدول العربية التي من المفروض أن تكون هي المبادرة بذلك ما لأن الضحية شخص عربي إلا أن ما يسجل على تلك المجتمعات الغربية التي ذرفت دموع التماسيح على مقتل شخص عربي واحد ،علما بأن مقتل شخص واحد يعتبر بمثابة مقتل الإنسانية جمعاء كما ينص على ذلك دين الإسلام هو عدم تسجيل نفس الموقف عندما قتل آلاف بل ملايين العرب والمسلمين . ألم تغز تلك المجتمعات الغربية مجتمعة ومتحدة العراق وتقتل بأفتك الأسلحة شعبه، وتهلك ما يزيد عن مليون قتيل ؟ ألم تغز أرض أفغانستان وتقتل بها ما يزيد عن مليون ضحية أيضا ؟ ألم تتفرج على العدو الصهيوني وهو يدك غزة بأسلحتها الفتاكة ويوقع آلاف الضحايا مرة تلو المرة ؟ ألم توقد تلك المجتمعات الغربية حروبا أهلية في العراق وسوريا واليمن وليبيا وتمد من يخوضونها بأسلحة مدمرة تفتك بالإنسان والعمران ؟ ألم تقف تلك المجتمعات مع أنظمة عربية مستبدة ، وتسكت سكوت الشيطان الأخرس على تدمير التجارب الديمقراطية وعلى رأسها تجربة مصر الفريدة ، ولم تحرك ساكنا أمام انقلاب عسكري دموي قتل واعتقل الآلاف ؟
ولنعد إلى موقف تلك المجتمعات من مقتل الصحفي السعودي ، ونتساءل ماذا فعلت تلك المجتمعات انتصارا لمقتله ؟ ونحن لا نقصد بعض جمعيات المجتمع المدني فيها التي نظمت احتجاجات هنا وهناك ، وهو ما لم تقم به جمعيات في البلاد العربية بل تقصد حكوماتها التي لم تزد على تكرار المطالبة بالكشف عن ظروف وملابسات مقتل خاشقجي ، والتلويح بعقوبات محتملة بعد الكشف عن حقيقة ما وقع ، وهو ما لن يقع أبدا على ما يبدو خصوصا حين تدخل رئيس الدولة المتزعمة لتلك المجتمعات الغربية لاستبعاد اتهام الطرف المسؤول مسؤولية مباشرة عن تلك الجريمة باعتبار موقعه السياسي ، وباعتبار سوابق صارخة صادرة عنه منها اعتقال العلماء والدعاة والحقوقيين الذين يجهل مصيرهم لحد الآن ،وقد يكون مصيرهم أشبه بمصير خاشقجي فضلا عن منع الحريات والتضييق عليها ...إلى غير ذلك من المؤشرات الدالة على تورط واضح لا غبار عليه في الجريمة التي هزت العالم لشناعتها مع وجود أشنع منها مما لم تسلط عليه الأضواء الإعلامية الكاشفة .
ألم يصرح الرئيس الأمريكي بكل وقاحة أن مصالح بلاده فوق دم الصحفي القتيل ، وأن صفقات السلاح المبرمة مع المسؤولين عن مقتله ماضية ؟ ألم يستبعد أن يكون من أصدر الأمر بقتله دون علم بالجريمة ؟ ألم يتلكأ في اتخاذ قرار يدين هذه الجريمة ؟ وهل اختلفت مواقف رؤساء تلك المجتمعات الغربية عن موقف الرئيس الأمريكي ؟ ألم يحضر المسؤول عن مقتل الصحفي قمة العشرين في الأرجنتين ، وكان من المفروض لو كانت دموع تلك المجتمعات حقيقية وليست دموع تماسيح أن تمنعه من حضورها أصلا ؟ لقد ذر زعماء تلك المجتمعات الرماد في عيوننا وهم يتظاهرون بتجاهل المسؤول عن دم الصحفي ولا يصافحونه فوق المنصة بينما صافحه سفاح روسيا الذي دمر سوريا بطريقة كشفت عن مسرحية التجاهل الهزلية المحبوكة .
المجتمعات الغربية لا تبالي بالدم العربي بل شغلها الشاغل هو النفط ، ومصالحها. ألم يصفق الشعب الأمريكي لرئيسه وهو يفخر بابتزاز أموال الشعوب العربية ، أموال الثروات النفطية وحتى أموال عبادة الحج ليصنع رفاهيته مقابل توفير الحماية لأنظمة شمولية أغرتها تلك الحماية بسفك دماء الأبرياء من أبنائها والتنكيل بهم في السجون والمعتقلات الرهيبة ؟
كيف يمكن أن نثق بتلك المجتمعات الغربية التي تظهر لنا ما لا تبطنه ، وترفع شعارات براقة ومغرية ومسيلة للعاب ، وهي شعارات يكذبها الواقع ويكشف زيفها ؟
إننا بابتعادنا عن تعاليم ديننا تبدو لنا شعاراتهم قمة الحضارة والإنسانية ، ولو عدنا إلى تعاليم ديننا لبدا لنا تهافتها وكذبها وزيفها . ومن غبائنا أننا نرى من المواقف والسلوكات في تلك المجتمعات ما يثير إعجابنا وانبهارنا بها ،ولو كنا أمة مسلمة حقا لانتبهنا إلى أنها مواقف وسلوكات ديننا ولكننا مع الأسف الشديد جهلناها حين بعد العهد بيننا وبينه حتى أصبحنا نعجب مما كان ينبغي أن يكون فينا من مواقف وسلوكات، ونعتقد أن مصدرها هو المجتمعات الغربية ،ونتباكى على خلو مجتمعاتنا منها ، وافتقارها إليها .
إن المجتمعات الغربية لا تبالي بنا بل تصنع رخاءها بخيراتنا ، وتصنع أسلحتها لنستخدمها نحن في قتل بعضنا البعض . وهي تحرص على ألا تكون الحروب بينها بينما تؤججها في بلادنا . وأساطيلها البحرية والجوية ، وجيوشها لا شغل لها سوى نحن الذين استبدلنا عداوتها بالعداوة فيما بيننا .لا حدود بين بلاد تلك المجتمعات الغربية التي تكاد تأشيرات دخولها المفروضة علينا وعلى أمثالنا من الشعوب المتخلفة تصير من المستحيلات بينما تستباح أراضينا بلا تأشيرات أو بتأشيرات شكلية ، أما الحدود بين بلادنا ، فعبارة عن خنادق ،وأسلاك شائكة ، وألغام قاتلة ، وعداوات وأحقاد .
وإنه لمن البلادة أن ننخدع بالمجتمعات الغربية أنظمة وشعوبا ، ونثق فيها ، وننبهر بها والأدلة دامغة على احتقارها لنا ، واستنزافها لثرواتنا ، واستخفافها بدمائنا وأرواحنا ، و انحيازها المكشوف ، ونصرتها لعدونا الصهيوني علينا بعد استنباته فوق أرضنا ظلما وعدوزانا.
إنها لن ترضى عنا تلك المجتمعات الغربية حتى نتبع ملتها كما أخبرنا القرآن الكريم ، وإننا ما لم ننصت إلى نصيحة نبينا صلى الله عليه وسلم سنظل وراءها نشم رائحة بول الضبّان في جحورها التي ندخلها وراءها مقلدينها تقليدا أعمى وبغباء يثير سخرتها منا واستهزاءها بنا .
سيطوي الزمن دم خاشقجي كما طوى دماء الملايين منا ، وأموال النفط قادرة على قلب الموازين حيث يصير الجلاد ضحية ، ويصير الضحية جلادا ، ومن غير المستبعد أن تصدر فتوى من الغرب تجرم خاشقجي ، وتبرىء قاتله ، تماما كما صدرت فتوى جرمت التجربة الديمقراطية في مصر وألقت الرئيس الشرعي في السجن ، وبرأت المنقلب عليه والمغتصب للسلطة ، وجرمت الضحايا ، وبرأت القتلة . ولن نستغرب من الغرب شيئا.
وسوم: العدد 801