أهالي إدلب و مصير التعهدات الممنوحة لهم
يبدو أن قول الضامن التركي: " إنّ هذه المنطقة تحت حمايتنا، و فيها تنتشر نقاط مراقبتنا، و عليها ترفرف أعلامنا "، لم يعُد مطمئنًا لأهالي إدلب، و لا يحمل على الاستقرار في مناطق التماس.
و هم يطالبون رعاة اتفاق سوتشي، ولاسيّما الضامن التركي بضروري العودة إلى الأرشيف، و استعراض ما قالته قياداته السياسية في أثناء السعي لإبرام هذا الاتفاق، بأنّ المنطقة ستشهد حالة من الاسترخاء، و الطمأنينة، و التنمية الاقتصادية، بحيث تكون منطقة جذب لكثير من السوريين اللاجئين في تركيا، و بلدان أوربا؛ بما يغريهم في العودة إلى بلدهم، من أجل تخفيف الضغط عن تلك الدول، و رفع الحرج عنها أمام شعوبها، و للبدء بعملية سياسية تقود إلى حلّ مستدام في سورية.
و هو أمر حملته الرسائل التركية الموجهة إلى أبناء المنطقة، من خلال تصريحات الساسة الأتراك، على تباين مستوياتهم، و كذلك اللقاءات الميدانية مع الضباط الأتراك في نقاط المراقبة .
إنّ لسان حال أهالي إدلب: صحيح أننا قرأنا بنود اتفاق سوتشي العشرة، و لكننا لا نعرف الكثير من التفاصيل التي كانت بين الراعيين الأساسيين: روسيا و تركيا، عن الآلية التي سيتمّ بموجبها التنفيذ، و عن آلية الرد على الخروقات، و المآلات التي ستنتهي إليها، و العوائد المادية، التي ستسهم في فكّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي طالت المنطقة بسكانها الأربعة ملايين و سبعمائة ألف قاطن و نازح.
هناك تفهّم من أهالي إدلب بأن أنقرة تسعى وراء مصالحها، تحقيق أكبر قدر من الأمن الاستراتيجي لشعبها، من خلال تدخّلها في الملف السوري، و لكن ذلك ينبني عليه تبادل المصالح مع السوريين. و هو أمرٌ قامت به بشكل انتقائي تجاه منطقتي درع الفرات و غصن الزيتون، و أمّا في إدلب فإنّ الأمر ما زال في طور الانتظار، و لم تخرج رسائله من صندوق البريد الذي وضعت فيه منذ: 15/ 10/ 2018، ولاسيّما بعدما رشح عن لقاءات الاستخبارات التركية مع هيئة تحرير الشام، قبيل انطلاق مباحثات أستانا في نسختها الحادية عشرة، التي يُخشى فيها من تغليب المصالح الفصائلية و الخارجية، على حساب مصالح أهالي إدلب، و بالأخص أبناء المناطق المحاذية للطرقين الدوليين: m4، و m5.
إذا كان تشييد أبراج المراقبة الأمريكية في شمال سورية، لحماية وحدات الحماية الكردية من أي هجمات محتملة للجيش التركي، أمرٌ مبررٌ لدى المجموعة الدولية المتدخلة في الملف السوريّ؛ فإنّ من حق السوريين فيما بات يعرف بمنطقة " إدلب الكبرى "، أن يشعروا أن حالهم مع أبراج المراقبة التركية، لا يتباين كثيرًا عن حال أشقائهم الأكراد.
لا أن يشعروا أن هذه الأبراج الاثنتي عشرة، لا تتعدى وظيفتها إحصاء الخروقات التي تجاوزت الأربعمئة و خمسين خرقًا خلال ( 45 يومًا )، و ليس هناك ما يدعو إلى الاطمئنان بتوقفها في المدى المنظور.
صحيح أنّ التحرك التركي في منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" قد حصل تحت مظلة مقاتلة الإرهاب الداعشي و الانفصالي الكردي، و لكنّ التحرك نحو إدلب قد جاء ضمن الرؤية الأمريكية، و بمباركة دولية، للشروع في الحل السياسي في سورية، وفق خطة مؤسسة راند، و أنّه قد أوكل إلى تركيا بموجبها مهمة ضبط الفصائل في إدلب، و بموجب ذلك سارت هي و روسيا في اتفاق سوتشي.
إنّ الدلائل و المؤشرات لتشي بأن بقاء قوات الدول المتدخلة في سورية، أمرٌ سيمتدّ لسنوات مديدة، و هي لن تقلّ عن عشر إلى عشرين، و هو الأمر الذي سينبني عليه تحقيق الحدود الدنيا من توفير الحياة الكريمة للسوريين، من خلال السعي لتنفيذ عدد من المشاريع التنموية، التي تضمن لهم مستوى من الاكتفاء الذاتي، الذي يغريهم في البقاء في قراهم و بلداتهم، لا أن يبيتوا غير آمنين على حياتهم، و يلفهم القلق، و يشدوا الرحال نحو الحدود التركية بين الحين و الآخر، ولاسيما في أوقات الشتاء القارس.
و ضمن هذه الهواجس المشروعة، يندرج لقاء الفعاليات الشعبية، في مدينة جرجناز، قبل أن يهجرها أهلُها على وقع الخروقات اليومية لاتفاق سوتشي؛ و ذلك للمطالبة بالإيفاء بالتعهدات الممنوحة بموجبه لأهالي إدلب.
وسوم: العدد 801