ألف سلام و تحية لفلسطين ولجند حماس
لا شك أن المتتبع لمسيرة حركة المقاومة الإسلامية لحماس منذ نشأتها سيجد الكثير من المحطات التي تحتاج إلى رصد وتحليل؛ للوقوف أمام هذه الحركة، نستلهم من مسيرتها الدروس والعبر وخاصةً أنها تحتفل اليوم 16/12/2007 بذكرى مرور عشرين عامًا على نشأتها.
لا شك أن أعظم إنجاز قدمته حماس لا للشعب الفلسطيني فقط، ولكن للأمة العربية والإسلامية، هو إحياء مشروع المقاومة والكفاح ضد المحتل، وأعتقد جازمًا أنه المشروع الوحيد الذي نجح حتى الآن في استرداد الحقوق وإن إرتفعت تكلفته وتضحياته، فلم تتحرر غزة بالمفاوضات ولكن بالمقاومة التي اضطَّرَّت العدو الصهيوني للانسحاب من طرف واحد من قطاع غزة.
أثبتت حركة حماس أن الحل الإسلامي هو المرجع الوحيد لإذكاء روح المقاومة، والحافظ الأمين على ثباتها وتماسكها وقوتها، فلم تستجب حماس للابتزاز الذي تعرَّضت له لنَيل الرضا الدولي حتى أجبرت هي المجتمع الدولي على التعاطي معها ولو بقدر بسيط.
كشفت حركة حماس الأنظمة العربية على حقيقتها، فرغم تكدُّس مخازنها بالأسلحة، إلا أن حماس ظلت هي الأعلى صوتًا والأكثر تأثيرًا على الساحة الفلسطينية، بل امتد التأثير لكافة الشعوب العربية والإسلامية؛ فهي وحدها التي لقَّنت الجيش الصهيوني الدرسَ تلو الآخر، بينما أنظمة الحكم العربية منشغلةٌ بقمع شعوبها وقهرها.
كشفت الحركة على نحوٍ لا يقبل الشك أن جميع الاتفاقيات الموقَّعة مع العدو الصهيوني ما هي إلا وسيلة لإطالة أمد الاحتلال لا إنهائه، وأن الذين راهنوا على السلام مع إسرائيل، إما جبناء أو عملاء، وفي أحسن الظن مغفلون!! والواقع خير شاهد على ذلك.
كشفت كذلك الحركة عن مدى كذب وادِّعاء الديمقراطيات الغربية، التي لا تفتأ تحدثنا ليل نهار عن الحرية والديمقراطية، عندما نجحت حماس في الانتخابات بان واتَّضح الوجهُ الحقيقيُّ للغرب، وأصبح واضحًا للعيان أن الديمقراطية المرضي عنها هي فقط التي تصبُّ في النهاية لصالح “إسرائيل”، كما ثبت كذلك أن الغرب لا يطالب بالديمقراطية في دولة عربية إلا من أجل الضغط والابتزاز على الحكام؛ ليخضعوا لهم أكثر وليس لشعوبهم.
أثبتت حماس أن النصر لا يعني بالضرورة هزيمةَ عدوٍّ يفوقها في القوة آلاف المرات، ولكنه أيضًا ثباتٌ على الموقف مهما بلغت التضحيات؛ فالكيان الصهيوني الذي تتسوَّل الأنظمة العربية منه السلام الآن، هو نفسه الذي كان يتسوَّل اعتراف حماس به، حتى فقد الأمل في ذلك.
عند عقْدِ مقارنةٍ بين نظام حكم عباس بكافة أشكال الفساد والاستبداد التي تميَّز بها، وحُكم حماس.. تجد الفارق مذهلاً ومدهشًا، بين نظام يعتمد المرجعية العلمانية الصهيو أمريكية أساسًا له، وبين نظام يعتمد المرجعية الإسلامية مرجعًا له، بدا ذلك واضحًا في مدى الانبطاح الكبير والتنازل الأكبر في أبو مازن الذي تنازل عن كل شيء في مقابل لا شيء!! وهذا لأن مرجعتيه لا تستند إلى ثوابت ومقدَّسات، ولكن إلى أهواء ومصالح، وهذا هو الفارق بينها وبين حماس الذي كان صوتها عاليًا وواضحًا- رغم ضعفها- أنه لا تنازل عن الثابت أو المقدَّس؛ فالحقوق لا تتجزَّأ وهذا مردُّه بالطبع إلى هويتها الإسلامية.
أربكت حماس حسابات العدو ونظريات القوة المعروفة لتفسح المجال لنظرية توازن الرعب، بل إني أعتقد دون مبالغة أنه لم يكن هناك توازنٌ، بل إن الكفَّة مالت لصالح حماس التي أرعبت العدو وأجبرته إما على الهجرة خارج “إسرائيل” أو التبوُّل على الفراش من شدة الرعب.
السياسة العالية والمرونة الشديدة التي تعاملت بها حماس مع الأزمات التي مرَّت بها، وخاصةً الحصار الشديد المفروض عليها عندما قام قادتُها بجولاتٍ مكوكيةٍ، استطاعوا من خلالها كسر حدَّة الحصار بشكلٍ لا بأسَ به، وإن لم يرقَ إلى المستوى المأمول، كشف عن مدى المصداقية التي تتمتع بها حماس، سواءٌ بين الحكام والشعوب، بل حتى الحكام الذين جَبَنوا عن تأييدها علنًا قدموا لها الدعم سرًّا.
من دروس حماس كذلك قدرتها العالية على تربية قيادات الصف الثاني والثالث والرابع، بل والدفع بهم إلى المقدمة دون غضاضة، ليس هذا فحسب، بل إن الناظر لأعمار هؤلاء القادة ستلجمه الدهشة حين يعرف أن أعمار الغالبية منهم في منتصف العشرينات، وربما أقل، ولا داعي بالطبع للمقارنة بين أعمارهم وأعمار أجدادهم الحاليين من الحكام العرب!! في السن فقط بالطبع.
المنهج التربوي الذي اعتمدت عليه حماس منذ بدايتها كان له أبلغ الأثر وأعمقه في مراحل تطوُّر الصراع، فلم نسمع مثلاً أن حدث انشقاقٌ أو تلاسُنٌ أو انفصالٌ بين قياداتها أو حتى قواعدها، رغم كثرة عددهم، ورغم الكمِّ الهائل من الضغوط التي تتعرَّض لها الحركة؛ مما يدلُّ على أنه ينبغي إكمال البناء التربوي لأي حركة إصلاحية قبل التحرك نحو تنفيذ مشروعها.
الشيخ المجاهد الشهيد أحمد ياسين، أعتقد جازمًا أن سيرته ونضاله واستشهاده كفيلة لأي باحث أو دارس للدلالة على أن الإنسان صاحب الإرادة الفذَّة والإيمان القوي قادرٌ على صناعة المعجزات، فمن كان يصدِّق أن هذا الرجل القعيد المثقل بالأمراض قادرٌ على صناعة هذا الكيان الضخم، الذي يقف الآن في المقدمة للدفاع عن الأرض والعرض؟!
لا شك أن مصر بنأيها عن دعم حركة حماس في أحسن الأحوال ومعاداتها للأسف في أحيان أخرى، أفقد الحركة الكثير من الدعم الذي كانت ولا زالت في أمسِّ الحاجة إليه.
أخيرًا وليس آخرًا، أعظم درس قد يتعلمه المرءُ من تجربة حماس، أن هناك دائمًا عنصرًا آخر لا يوجد في معادلة القوى الأمريكية أو الإسرائيلية، ولا يخضع للمراقبة أو الحصار أو التضييق، ولا يدرج ضمن خططهم، ولا حتى يخطر على بالهم، وهذا هو سر نجاح حماس وصمودها، إنه الله.. وهو وحده كذلك الذي نراهن عليه نحن أيضًا؛ ولذا فنحن في غاية الاطمئنان أن النصر في النهاية لنا، وإن تعكَّرت الأجواء وتلبَّدت السماء بالغيوم، وظنَّ أهلها أنهم قادرون عليها، هذه هي حكمة التاريخ والسماء، فألف سلام وتحية لفلسطين ولجند حماس
وسوم: العدد 804