قرار حل المجلس التشريعي: قرار سياسي بامتياز
ما هي الأجواء الخارجية والداخلية، التي صاحبت قرار المحكمة الدستورية العليا، بتاريخ: 12 كانون أول 2018، بحل المجلس التشريعي، ودعوة الرئيس "محمود عباس" إلى إعلان إجراء انتخابات تشريعية خلال ستة أشهر من تاريخ نشر القرار بالجريدة الرسمية، والتي تفسر اصطفاف مؤسسات المجتمع المدني، والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى فصائل أساسية من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، ضد القرار؟
على الصعيد السياسي؛ يواصل الاحتلال الإسرائيلي جرائمه بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، ويجدد انتهاكاته لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان؛ وفي القلب منها حقه في الحياة؛ يستمر في ممارسة الإعدامات الميدانية، والاعتقالات التعسفية، ومصادرة الأراضي، وهدم المنازل، وفي بناء المستعمرات الاستيطانية؛ ضارباً عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة كافة، التي تكفل حماية الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وقرار مجلس الأمن الدولي، 2334، الذي صدر يوم 23 كانون الأول 2016، والذي يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويعتبر إنشاء المستوطنات انتهاكاً صارخاً بموجب القانون الدولي. كما يواصل حصار غزة؛ منتهكاً حقوق الإنسان الرئيسة في القطاع؛ ما تسبب في المزيد من تدهور الوضع الصحي والاقتصادي والاجتماعي.
وعلى الصعيد الداخلي؛ يستمر الانقسام الفلسطيني، وتتعثر أكثر وأكثر جهود المصالحة الوطنية الشاملة؛ الأمر الذي يهدد بزلزلة النظام السياسي الفلسطيني برمته؛ ما يستوجب رفع الصوت عالياً لتدارك الوضع، والبحث عمّا يمكن أن يوحِّد الجهود، حتى يمكن التصدي، كشعب واحد، للخطر الكبير الذي يهدد الكل الفلسطيني، وينذر بتصفية القضية الفلسطينية، وحتى يمكن تحقيق أهداف شعبنا بالحرية والاستقلال.
كما يأتي القرار في ظل تراجع ملحوظ في مجال الحريات، وخاصة حرية الرأي والتعبير، والحق في التجمع السلمي، والحق في السلامة الجسدية، والحق في العمل، والحق في تولي الوظيفة العامة.
*****
وفي الوقت الذي تنضم دولة فلسطين إلى المزيد من الاتفاقيات والبروتوكولات الخاصة بحقوق الإنسان؛ وعوضاً عن مواءمة التشريعات الفلسطينية، ونشر الاتفاقيات الدولية التي تم التوقيع عليها في الجريدة الرسمية لدولة فلسطين "الوقائع الفلسطينية"؛ لتصبح أحكام الاتفاقيات إلزامية للهيئات الرسمية وغير الرسمية كافة؛ يصدر تعميم من رئيس مجلس الوزراء، يطالب الوزراء تزويده بتحفظاتهم حول بعض الاتفاقيات الدولية التي تم توقيعها دون تحفظات؟!
*****
ورغم أن قرار حل المجلس التشريعي اكتسى حلة القانون؛ إلاّ أن القرار سياسي بامتياز، كما أكَّدت ورقة الموقف التي صدرت عن مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، بشأن قرار المحكمة الدستورية بحل المجلس التشريعي والدعوة لانتخابات تشريعية، بتاريخ: 27 كانون الأول 2018.
بيّنت ورقة الموقف أن القرار تفسيري (صدر كردّ على استفسار من وزير العدل عن مادتي47: "مدة المجلس التشريعي أربع سنوات، من تاريخ انتخابه، وتجري الانتخابات مرة كل أربع سنوات بصورة دورية"، ومادة: 47 مكرر): "تنتهي مدة ولاية المجلس التشريعي القائم عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية".
كما (صدر كردّ على استفسار حول المادة 55 من القانون الأساسي وتعديلاته)، "بهدف بيان فيما إذا كان المجلس التشريعي منتظماً في عمله أم أنه معطل، وفيما إذا كان أعضاء المجلس التشريعي في وضعه الحالي يستحقون رواتب أم لا".
وبناء على التفسير؛ قررت المحكمة الدستورية: "إن شرعية وجود المجلس التشريعي تكون بممارسة اختصاصاته التشريعية والرقابية، ونظراً لعدم انعقاده منذ سنة 2017، يكون قد أفقده صفته كسلطة تشريعية وبالنتيجة، صفة المجلس التشريعي".
بيّن القانون الأساسي بوضوح أنه لا يجوز حل المجلس التشريعي حتى في حالة الطوارئ، كما جاء في المادة (113)، من القانون الأساسي: "لا يجوز حل المجلس التشريعي أو تعطيله خلال فترة حالة الطوارئ أو تعليق أحكام هذا الباب".
والقرار أيضاً غير قانوني؛ لأنه "يشكل انتهاكاً للمبادئ والقيم الدستورية وبخاصة مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء كأساس للحكم الصالح".
*****
وعليه، فان تأكيد مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (بيان المؤسسات حمل 26 توقيعاً لأبرز المؤسسات والائتلافات المتخصصة) بأن القرار سياسي؛ يجعل الحل بالضرورة سياسياً.
لا بديل عن العمل وفق مبدأ الشراكة السياسية، لاستنهاض المشروع الوطني التحرري، الذي يجمع مكونات الشعب الفلسطيني كافة، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، على أسس وحدوية، وأنظمة داخلية شفافة، وآليات ديمقراطية، ضمن مبدأ المحاسبة والمساءلة.
ولا بدّ من وضع المبادئ الدستورية التي تنظم إدماج الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية سيداو، في النظام التشريعي الفلسطيني، ونشرها في الجريدة الرسمية؛ ليس احتراماً للتوقيع على هذه الاتفاقيات فحسب؛ بل احتراماً أيضاً لمبادئ حقوق الإنسان الأساسية.
ولا بديل عن الشراكة بين مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات دولة فلسطين، واحترام مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، ومبدأ استقلال القضاء؛ الأمر الذي يستوجب سحب قرار تشكيل المحكمة الدستورية العليا، إلى حين استعادة الحياة الدستورية المتمثلة بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، ضمن بيئة مناسبة، وتوافق وطني، وإلى حين توحيد القضاء الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع ضرورة تمثيل المرأة في عضوية المحكمة، انتصاراً لمبدأ المساواة، والعدالة بين المواطنين.
وسوم: العدد 805