حق المواطن في عدم دفع الرشوة للموظف العمومي
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
تعـد جريمـة الرشـوة جريمـة خاصـة بـالموظف العـام أو المكلـف بخدمـة عامـة، والرشوة هي (الحصول على أموال، أو أي منافع أخرى؛ من أجل تنفيذ عمل مخالف للأصول المرعية، أو من أجل عدم تنفيذ عمل وفقاً للأصول)، وتعرف أيضا أنها (الـحصول على منفعة عينية "مال أو هدايا" مقابل قيام الموظف بعمل، أو امتناعه عن القيام بعمل من واجبه القيام به بحكم وظيفته)، ويحتاج حدوث الرشوة في الحد الأدنى إلى وجود طرفين هما الراشي الذي يعطي الرشوة، والمرتشي الذي يأخذها، وقد يتطلب الأمر وجود طرف ثالث يسمى الوسيط بينهما).
وأما الموظف العمومي أو الموظف المكلف بالخدمة العامة، فهو (كل من يشغل منصبا عاما أو يؤدي خدمة عامة، سواء كان معينا أو منتخبا، دائما أو مؤقتا بأجر أو بدون أجر، ويدخل في ذلك كل من يشغل منصبا تشريعيا أو قضائيا أو تنفيذيا. وكل شخص عهدت إليه وظيفة دائمة داخلة في الملاك الخاص بالموظفين. والموظف في القطاع المختلط. وكل شخص عهدت إليه وظيفة أو كلف بأداء خدمة عامة في الجمعيات والمنظمات والمؤسسات الأهلية والنوادي والاتحادات والنقابات....).
لذلك، فالعبرة في أن يكون الموظـف العـام أو المكلـف بخدمـة عامـة متمتـع بالسـلطة التـي تمكنـــــه مـــــن مزاولـــــة العمـــــل عنـــــد ارتكابـــــه هـــــذه الجريمـــــة، وإن ظهـــــر أن تعيينـــــه كـــــان بـاطلاً لـبعض الأسـباب أو انتهـت وظيفتـه أو خدمتـه أو عملـه بعـد ذلـك، وعليه، إذا كـان الشـخص غير موظف أو كان موظفاً مفصولاً أو معـزولاً عنـد قيامـه بمثـل هـذا الفعـل الجرمي فإنه لا يكون محلاً لتطبيق جريمة الارتشاء عليه.
وتجـدر الإشـارة إلـى أنـه هنـاك اتجاهـان فقهيـان فـي التكييـف القـانوني لجريمـة الرشوة: - يـذهب الأول إلـى اعتبـار جريمـة الرشـوة تتكـون مـن جـريمتين متمـايزتين، الأولـى ايجابيـة، يرتكبهـا صـاحب الحاجـة الـذي يقـدم المقابـل للموظـف العـام أو يعرضـه عليـه أو يعده به، والثانية سلبية، يرتكبها الموظف العام الذي يأخذ المقابل أو يقبله أو يطلبه. ويذهب الثاني إلى أن الرشوة جريمة واحدة فاعلها الأصلي هو الموظف العـام، أمـا الراشـي فانه لا يعد أن يكون شريكا معه في جريمته، التي يستمد منها إجرامها، فلا يُسـال عـن فعلـه إلا إذا ارتكب الفعل الأصلي.
وتحصل الرشوة إما بطلب الموظف من المواطن ابتدأ؛ وإلا فانه لا يقوم بإنجاز معاملة المواطن، أو يتعمد تأخيرها، فيضطر المواطن إلى الاستجابة ودفع الرشوة للموظف خشية تعطيل مصالحه. وقد يبادر المواطن من تلقاء نفسه، فيعرض الرشوة على الموظف، إما لأن هذا المواطن يعتقد أن معاملته لا تنجز إلا بدفع مبلغ من المال للموظف العمومي، وإما لأن معاملته غير مستكملة للشروط القانونية فيدفع مبلغا من المال للموظف لأجل غض النظر عن توافر تلك الشروط القانونية.
وبحسب تقرير هيئة النزاهة في العراق (بلغ عدد المستبينين منذ نيسان/ابريل ٢٠٠٩ لغاية كـانون الأول لعـام ٢٠١٠، نحو ٣٦٩٤٩٧ مواطنا، وبلغ عدد القائلين منهم بدفـع الرشــوة ٢٩٧٢٨ مواطنا، وذكر ٢٥٩٩٠ منهم أسبابا لـدفعهم الرشـوة). وقالت هيئة النزاهة في تقريرها (ثبت ما نسبته ٩٦,٢١% إن سبب دفع الرشـوة هو طلب الموظف، في حين ثبت ما نسبته ٣٩,٣٧% بأن السبب هو قيام الدائرة بعرقلة المعاملة أو تأخيرها، وذكر ٧،٦% منهم بأن السبب هو انجاز معاملة غير أصولية)
وليس للرشوة صور محددة، بل يمكن أن تحصل الرشوة في صور متعددة، وفي ظروف مختلفة، وقد تتنوع أسماؤها في محاولة للتخفيف من وقعها، بعضه ظاهر واضح، وبعضه خفـي مـستتر، وبعضه اتخذ له أسماء أخرى يخفي بها حقيقته، حتى كاد أن يصبح الأصـل أو القاعدة في معاملات الناس وتصرفاتهم، كالبخشيش، والهدية، والتقدير، والشكر... وفي كل الأحوال لا غير ذلك من جوهرها الفاسد.
قد تكون الرشوة مقابل خدمة عادية، يقدمها أحد العاملين في القطاع العام مقابل التسريع في إنجازها أو قفزها على الدور، وقد تكون مقابل الحصول على وظيفة أو منصب ما، أو سكن أو إعانة سكن، أو ما يقدم للحصول على صفقة أو مناقصة، أو لتسهيل الاستفادة من قرض أو ما يمنح من امتيازات غير مبررة في مجال الصفقات العمومية تكون في الغالب مقابل هدية، وكذلك الاعفاء غير القانوني من الضرائب والرسوم وسائر الحقوق الواجبة مقابل مال أو منفعة، بالإضافة الى الهدايا التي من شأنها أن تؤثر في سير الإجراءات أو المعاملات المطلوبة قانونا من الموظف العمومي. وقد تكون بالامتناع عن أداء عمل ينبغي أن يقوم به لصالح المواطنين ولكنه يمتنع عن القيام به، لأن بعض المستفيدين قد طلبوا منه عدم انجاز هذا الواجب أو تأخيره لمصلحة لهم.
ويميز المختصون بين نوعين من الرشوة، وهما: الرشوة المحلية والرشوة الدولية. وتعرف الرشوة المحلية أنها تلك التي تتم من خلال الدفع للمسؤولين في دولة ما مقابل "خدمة" داخل الدولة، فالحكومات تقوم بشراء مواد ومستلزمات من السوق المحلية بكميات كبيرة، وتطرح – أيضاً- عددا من المشاريع لتنفذ من قبل القطاع الخاص، وذلك عبر عطاء مناقصات في حال الشراء، أو عطاءات تنفيذ في حال المشاريع، يتقدم بها القطاع الخاصّ المحلي، ويحدث الفساد على شكل رشوة، للتأثر على عملية التنافس على مثل هذه العطاءات، إذ تهدف الرشوة إلى ضمان الحصول على العطاء، وفي نهاية المطاف يدفع المواطن ثمن ذلك، من خلال تدني جودة الخدمة أو الزيادة في أسعار المواد والسلع الموردة، أو الزيادة في القيمة الإجمالية للمشاريع الاقتصادية والخدمية المتوسطة والكبيرة، حيث يقوم القطاع الخاص بإضافة قيمة الرشاوى والعمولات إلى التكاليف؛ مما يؤدي إلى تحميل الدولة والجمهور نفقات إضافية تصل أحياناً إلى 25% من قيمة العقود والمشاريع.
أما فيما يتعلق بالرشوة الدولية، فتعرف بأنها تلك التي تتم في إطار الصفقات التي يدخل فيها أجنبي كطرف، إذ تدفع هذه الرشوة من شركة معينة (عادة في الدول الصناعية المتقدمة) إلى مسؤول أو مسؤولين في الحكومة في الدولة (عادة من الدول النامية) لتقوم الدولة بشراء معدات ومستلزمات وتجهيزات تحتاج إليها من هذه الشركة دون غيرها. وتحدث مثل هذه الرشوة في حالات، مثل المناقصات الدولية لتنفيذ مشروعات ضخمة، وامتيازات التنقيب عن البترول والغاز والمعادن، وشراء الطائرات المدنية، وشراء العتاد العسكري الثقيل والخفيف، حيث تدفع الشركات الأجنبية عمولات كبيرة، للحصول على المناقصات الخارجية، والامتيازات في الدول النامية.
وفي الحقيقة، فإن الرشوة جريمة تتعلق بالإدارة العامة للمؤسسة الحكومية يمارسها موظف حكومي، وهي جريمة مخلة بالشرف، وهي أسوأ أنواع الفساد الإداري التي يدفعها المواطن للموظف مقابل خدمة يقدمها له، وتكون هذه الخدمة مشروعة، وهو من المستحقين لها، ولكنه لا يحصل عليها إلا إذا دفع مبلغاً مالياً للموظف العمومي.
كما أن الرشوة سلوك يتنافى والثقة التي أولتها الدولة للموظف العام، وما يجب أن يتصف به من أمانة ونزاهة وأخلاق. وهي من أكثر الـجرائم خطورة على أجهزة الدولة وعلى المجتمع برمته، فانتشار الرشوة يضعف ثقة الأفراد في السلطة العامة ونزاهتها، كما أن انتشارها يؤدي إلى الإخلال بالمساواة بين المواطنين والتمييز بينهم، وإثارة الأحقاد والضغائن والتباغض فيما بينهم، ورواج الكيد والغش، وكثرة السماسرة المتاجرين بحقوق الناس، حتى يغدو المجتمع غابة، يكون البقاء فيها للقادرين على الدفع، وغالبا ما يدفع الثمن المجموعات المهمشة من الفقراء والأطفال، والأحياء والقرى الفقيرة.
وجرائم الرشوة من الجرائم التي يصعب ضبطها، حيث لا يلجأ الأفراد إلى الإبلاغ عنها خشية على مصالحهم، وايمانًا منه بأن الإبلاغ سترتب عليه أضرار كبيرة بهم وبمصالحهم المادية، فعلى سبيل المثال لو قام مقاول بإبلاغ الجهات المختصة بان الموظفين العموميين في المؤسسة الحكومية ذات الصلة، قد طلبوا منه مبالغا مالية لقاء الموافقة على شراء مواد أولية لازمة لإنجاز المشروع، فان مثل هذا البلاغ لا يمر مر الكرام بل قد يصاب هذا المقاول بضرر يتمثل في إيقاف صرف مستحقاته عقب إبلاغه أو إمكان عدم التعاقد مع تلك الشركات مرة أخرى.
علاوة على ذلك، يحجم الأفراد عن الإبلاغ تجنبًا لإجراءات التحقيق في هذه القضايا في دوائر الشرطة والنيابة، والخوف من أن يكون هو الضحية لهذا البلاغ بدلا من الموظف المرتشي، لأن المرتشيين تحديدا في البلدان النامية هم في العادة عصابات متمرسة، يدعم بعضهم بعضا، ولهم دراية جيدة بالتحايل على القوانين والأنظمة وتسخيرها لمصلحتهم، ولهم أن يوكلوا بالنيابة عنهم أفضل المحامين مقابل أجور عالية لأنهم متمكنون ماديا، في المقابل لا يجد المواطن العادي نفسه في موقع المناسفة الفعلية مع هؤلاء المرتشين، وهو ليس مقترا من الناحية المالية والقانونية، ولا يجد من يدافع عنه ويأخذ الحق له. وهناك العديد من المواطنين الذين يفضلون الصمت عـن الفسـاد الإداري الـذي يقـع ضـد زملائهم أو أصدقائهم وحتى ضدهم دون الإبلاغ عنه خشية المساءلة أو الانتقام. وعادة لا يلجأ إلى الإبلاغ عن هذه القضايا إلا فئة محددة أملاً في الوصول إلى حقوقهم.
يتضح مما تقدم أنه لا ينبغي القبول بالرشوة أو تبريرها تحت أي عنوان اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي، ولا ينبغي التساهل مع الموظفين العموميين المرتشين، سواء كانوا معينين أو منتخبين، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال ما يأتي:
1- توفير الحماية القانونية اللازمـة للمواطن الذي يبلغ عن وقوع جريمة الرشوة، ولو كان هو من دفع الرشوة مضطرا أو بإرادة خشية من تعطيل مصالحه أو تأخرها. لأن جريمة الرشوة لا يمكن محاربتها إلا من خلال المواطن نفسه. ولقـد اتجـه الكثـير مـن الـدول مـثل مالـيزيا إلـى إصـدار تشريعات تقضــى بحمايــة المواطنيــن الذيــن يقومــون بــالإبلاغ عــن حــالات الفسـاد المخـتلفة، وذلـك ضـد أي انـتقـام محـتمل مـن العناصـر المشاركة في جرائم الممارسات الفاسدة.
2- تبسط الإجراءات الإدارية للمؤسسات الحكومية، فالتعقيدات الإدارية هي التي تحفز الموظفين الفاسدين على تعاطي الرشوة والتفنن في أخذ أموال الناس ظلما وعدوانا، فكلما كان الإجراءات سهلة وبسيطة وممكنة كان ذلك حافزا للمواطنين على عدم دفع الأموال للموظفين المرتشين.
3- تنفيذ عقوبات قاسية بحق الموظفين الفاسدين والمرتشين، ليكونوا عبرة ودرسا لغيرهم من الموظفين الذين تسول لهم نفوسهم أخذ المال من المواطنين دون وجه حق ولو كان ذلك على سبيل الهدية.
4- متابعة الشخصيات التي تتولى المناصب من الناحية الماليـة قبـل وبعـد توليهم للمنصب ومعرفة حجم الأموال التي بحوزته من خلال إجراء كشف دوري على ممتلكاتهم يبين حجم الزيادة في إرادتهم ومقارنتهـا مـع مـا يتقاضون من استحقاقات.
وسوم: العدد 805